كيف يمكن التعرف على التفكير الفلسفي الإسلامي؟ ( تحليل نص )

كيف يمكن التعرف على التفكير الفلسفي الإسلامي؟
( تحليل نص )
النص : " ... لم يكن غريبا أن تمتد الفلسفة الإسلامية إلى أبواب الثقافة المختلفة تؤثر في نواحيها المتعددة ، خصوصا ، وقد أمتاز البحث في تلك العهود بالطابع ( الانسكلوبيدي ).
ولا يمكن أن نأخذ فكرة كاملة عن التفكير الفلسفي في الإسلام ، أن قصرنا بحثنا على ما كتبه الفلاسفة وحدهم ، بل لا بدّ أن نمده إلى بعض الدراسات العلمية ، والبحوث الكلامية والصوفية ، ونربطه بشيء من تاريخ التشريع وأصول الفقه ...
ففي الدراسات العلمية الإسلامية ، من طب وكيمياء ، وفلك وهندسة ، آراء فلسفية يجب الوقوف عليها ، وتفهمها ، وربما كان بين علماء الإسلام من هو في تفكيره الفلسفي أعظم جرأة ، وأكثر تحررا من الفلاسفة المختصين ، وفي البحوث الكلامية والصوفية مذاهب ونظريات لا تقل دقة وعمقا عن مذاهب المشائين ونظرياتهم .
وقد التقت وجها لوجه مع فلسفة أرسطو ، وكان بينها صراع ومن هذا الصراع ،نشأت مميزات التفكير الإسلامي الخاصة .
وأخيرا ، في مبادئ التشريع وأصول الفقه ، تحاليل منطقية ، وقواعد منهجية تحمل إشارة فلسفية واضحة ، بل ربما وجدنا في ثناياها ما يقرب كل القرب من قواعد مناهج البحث الحديثة ."
د/إبراهيم مذكور – الفلسفة الإسلامية منهج وتطبيق ج1 ص 20 -21
المقدمة :
إن ّ الحديث عن الفلسفة الوسيطية ( أو فلسفات العصور الوسطى ) تحيلنا مباشرة إلى تلك الفلسفات التي نشأت – تقريبا – في بيئة ومناخ جغرافي متقارب و في فترة زمنية واحدة ، بالرغم من اختلاف منطلقاتها وعقائدها الدينية ، ونقصد بذلك : المسيحية ، اليهودية ، والإسلامية .
فكل ملّة إلاّ انبثق منها فكر ذو طابع فلسفي يريد أن يعالج بعض القضايا التي ظهرت في ثقافة ذاك العصر، وغالبا كانت هذه المعالجة تستند إلى فكر وأدوات الوافد الجديد لثقافتها وهي " الفلسفة اليونانية " . وهذه الأخيرة – عندما حلّت بهذه الثقافات – قد قسمت الفلسفة الواحدة إلى مذاهب وفرق : منهم من رحّب بها ومنهم من رفضها رفضا تاما ، وذلك لسبب بسيط وهو أنها تخالف بما جاء الموروث الديني ( التوارة – الإنجيل – القرآن ) ، ففي الفكر الإسلامي مثلا – وهو موضوع النص – نجد أنه قد بإشكالية رئيسية تمثلت في : هل تحتاج الفلسفة الإسلامية إلى الفلسفة اليونانية خصوصا وإلى الثقافات الأخرى عموما في معالجة قضاياها العقائدية الفلسفية ؟ . فهذه الإشكالية نتج عنها ظهور فريقين كبيرين دخل الفكر الفلسفي الإسلامي ، فأحدهما يرى بأن هذا الفكر ظهر مع انتشار الإسلام ، وصراع المسلمين مع أهل الديانات والثقافات المختلفة ، والدخول معهم في مناظرات ، ومحاجات عقلية ، للرد على مزاعمهم ، والبرهنة على صحة المعتقدات التي جاء بها القرآن الكريم والسنة النبوية ، والفريق الثاني يرى أن بالرغم من هذا إلاّ أن العقل اليوناني ضروري في الفكر الإسلامي – خصوصا من جانبه المنطقي – للدفاع عن العقائد الدينية من البدع والخرافات ، وهذا ما ذهب إليه بعض المتكلمين ، وتوسعت هذه الإشكالية وتجددت في الفكر العربي المعاصر مع مؤرخي الفلسفة الإسلامية ، فيما بينهم و في مواجهة المستشرقين أيضا حيث طرحت بهذه الصيغة : هل الفلسفة الإسلامية هي فكر أصيل أم هي فقط فلسفة يونانية بلسان عربي فقط ؟.
والنص الذي بين أيدينا للدكتور " إبراهيم مذكور " هو باحث مصري معاصر ، من أهم مؤلفاته : الفلسفة الإسلامية ... منهج وتطبيق ، يحاول من خلاله أن يقدّم لنا الكيفية والمنهج القويم للتعرف على طبيعة التفكير الفلسفي في الإسلام انطلاقا من فترة نشؤها إلى يومنا هذا . وهذا ما يدفعنا إلى طرح الإشكالية التالية : ما هي المبررات التي قدمها صاحب النص التي تساعد الباحث على تكوين الفكرة الصائبة عن التفكير الفلسفي الإسلامي ؟، أو بعبارة أخرى ، ما موقع صاحب النص من الإشكالية التي طرحها معاصروه المؤرخين حول مصادر الفلسفة الإسلامية ؟.
التوسيع :
يرى الدكتور " إبراهيم مذكور " أنه لا يمكن النظر للفلسفة الإسلامية من منظور واحد ، أي أنها فلسفة محضة عالجت القضايا الميتافيزيقية فقط ، و أنما كانت ثقافة ملمة وجامعة لكل العلوم ( ثقافة انسكلوبيدية ) ، وهذه الأخيرة مكنت الفلسفة الإسلامية أن تكون عنصر فعال في تطور العلوم ومناهج البحث فيها في الفترة الحديثة . إضافة إلى ذلك ، فإن التفكير الفلسفي الإسلامي – يرى إبراهيم مذكور – لا ينبغي حصره فقط في الدراسات العلمية و أنما حتى البحوث الكلامية والصوفية ، ومبادئ التشريع وأصول الفقه كان لها دور في بلورة مميزات هذا الفكر الأصيل .
ولقد اعتمد " إبراهيم مذكور " في طرحه هذا على مجموعة من الحجج والبراهين جاءت على النحو التالي :( لم يكن غريبا أن تمتد الفلسفة الإسلامية ... بالطابع الانسكلوبيدي ) هي حجة واقعية ، ( ولا يمكن أن نأخذ فكرة كاملة عن التفكير الفلسفي في الإسلام ... نشأت مميزات التفكير الإسلامي خاصة) هي حجة تاريخية ، ( وأخيرا ، ... مناهج البحث الحديثة ) هي حجة منطقية .
من خلال ما ذكره صاحب النص في موقفه والحجج التي دعم بها طرحه ، يمكننا القول بأنّه وفّق نوعا ما فيما ذهب إليه حول مدى معرفتنا بالتفكير الفلسفي الإسلامي ، والأهمية التي قدمها في تطور الفكر الفلسفي العالمي من خلال تنوع مباحثها و العلوم التي انشغلت عليها في الداخل . وكأنه أراد من وراء حججه سابقة الذكر أن يرد على أولئك الذين يشككون في أصالة التفكير الفلسفي الإسلامي، وهم بعض المفكرين العرب المعاصرين الذين أورثوا أفكار المستشرقين . كما نجد أن موقفه هذا قد أتفق معه العديد من المؤرخين الذين عاصروه لا سيما مواطنه " الدكتور علي سامي النشار " والمفكر الجزائري " عبد الرحمان الحاج صالح " اللذان كان لهما موقف واحد إلى حد بعيد خصوصا في مبحث ( النحو العربي ) حيث رأوا بأنه ذات أصالة عربية إسلامية خالصة ليست له أي علاقة مع المنطق الأرسطي .
ولكن من خلال إيماننا بفكرة أن " لا يمكن وجود شيء من لا شيء" أي أن كل فكر إلا وله امتدادات – داخلية وخارجية – قد استند عليها وبلور منها مبادئه ومنطلقاته ، وهو الأمر نفسه يتعلق بالتفكير الفلسفي الإسلامي ، فلا يمكننا أن نأخذ بموقف " إبراهيم مذكور " بهذه الصورة المبالغة فيها . فالفلسفة الإسلامية أنها لم تبلغ إلى هذه الدرجة من التأثر بها – إضافة إلى القرآن والسنة – في ما جاء بعدها من مناهج وعلوم حديثة ، لو لم تأخذ وتتأثر بالفلسفة اليونانية خصوصا بالمنطق الأرسطي ، وعليه يجب إعادة النظر فيما قال به " إبراهيم مذكور " وأمثاله حول هذه المشكلة الحديثة القديمة في كتبهم .
الخاتمة :
وأخيرا ، ما يمكن أن نستخلصه من تحليلنا لنص " إبراهيم مذكور" المأخوذ من كتابه ( الفلسفة الإسلامية منهج وتطبيق ج1 ) ، أن الطرق و الكيفيات التي تساعدنا على التفكير الفلسفي الإسلامي لا يمكن بالأمر الهيّن أن نفرّق بينها أو ننتقي منها الصواب ونترك منها الباطل ، وهذا راجع إلى الإيديولوجيات التي نشأت فيها هذه الطرق و المناهج، وعندما نقول ( الايدولوجيا ) نقصد وجود " الذاتية " في قراءة هذا الفكر . ولذلك وجب علينا – كباحثين – ألا نحكم على موقف ما متعلق بإشكالية حول مصادر الفلسفة الإسلامية ومدى معرفتنا بها . فعليه ، يمكننا القول بالرغم ما تعرفه عن الفلسفة الإسلامية – كطابع انسكلوبيدي – بأنها مرحلة مهمة في تاريخ الفلسفة وثقافة مهدّت للنهضة الأوروبية على شاكلة ( الثورة الصناعية ) وساهمت في تقدمه في مختلف مجالاته. إلاّ أننا لا نبالغ كثيرا بهذا الموقف – كما ذهب إليه إبراهيم مذكور – تجعلنا ننكر جميل الثقافة اليونانية التي جاءت بفلسفة ذات صبغة علمية ومنطقية قد طوّرت العديد من علومنا ومباحثنا ، جاءت في مقدمتها مبادئ التشريع وأصول الفقه وعلم الكلام والفلسفة في حد ذاتها .
إذا، إلى متى نبقى نتغنى ونفتخر بتاريخ ماضينا ، في حين مازلنا نتجاهل كيفية تجاوز مشكلة تقدم غيرنا وتأخرنا نحن ؟.