[rtl]" فينومينولوجيا المعيش اليومي" من منظور المفكر مونيس بخضرة .[/rtl]
[rtl] الباحث : محمد بومدين - جامعة تلمسان .[/rtl]
[rtl]من الجلي والمترائي لنا في طرح القضايا المعاصرة ، خاصة تلك التي يتعلق منها بالمعيش اليومي نجد أنفسنا مطالبين بالحديث عن الإنسان المعاصر الذي يمثل هذا العصر ، ويتمثل به في المقابل ، حيث يعتبر القرن الواحد والعشرين قرن الأزمات والصدامات والانحلالات والاندثارات على حد تعبير المفكر الجزائري القدير " مونيس بخضرة " ، حيث دفع به هذا الرأي لكتابة مؤلفه " تأملات فلسفية " في رسم بعض إشكالات العصر ، وجاء ذلك عقب صدور كتابه الذي يعد بمثابة عمدة تأليفاته وهو " تاريخ الوعي " الذي صنع الحدث على مستوى العالم العربي " ، ليعلن بذلك ، الجرأة الكانطية في استعمال العقل ضمن " المعيش اليومي " ، وهو الاهتمام المتجلي اليوم في الفلسفة الغربية والذي يعد الصناعة الحديثة للمفاهيم الحياتية اليومية التي أرادتها فلسفة جيل دولوز ، أو يتضمن هذا الرأي اهتمامات فلسفة مدرسة فرانكفورت مع تيودور ادورنو وآكسل أونيث وبنيامين يورغن هبرماس ... إلخ . كما يندرج هذا الاهتمام الفلسفي بالمعيش اليومي مع المفكر التونسي " فتحي التريكي " الذي شغلته مشكلة المعيش اليومي من وجهة نظر فلسفية ، أو كيف يتسنى لنا أن نفلسف الواقع وننزل هذه الأخيرة من برجها العاجي ، إلى ملامسة الواقع والخوض في حيثياته ، والكشف عن مكنوناته الباطنية التي تكونه وقد خصص لهذه المعالجة كتاب بعنوان " فلسفة الحياة اليومية " ، بالإضافة إلى الفيلسوف الفرنسي " ميشال دوسارتو " من خلال كتابه " ابتكار الحياة اليومية ، بالإضافة إلى الأسماء الآسيوية التي لازالت تهتم إلى اليوم بالرؤية الفكرية وكيفية استقاظ العقل ومنه الارتقاء بفلسفة الواقع ، على غرار الفلسفة اليابانية أو الفلسفة الصينية المعاصرة وحتى الهندية التي انتقلت من البعد الغنوصي القديم ، لتصل اليوم إلى حد تأسيس رؤى مستقبلية ترنوا إلى بناء قصدي للواقع الجديد .[/rtl]
[rtl]يعتبر المفكر" مونيس بخضرة " واحد من الأسماء اللامعة داخل الفكر الفلسفي الجزائري الذين شغلهم الهم الجزائري خاصة ، والعربي على صعيد عام ، حيث يستبان لنا من خلال مؤلفاته فضلا عن كتابه " تأملات فلسفية " وكتابه " تاريخ الوعي " نجده يعود من خلال فلسفة هيجل الفينومينولوجية ، إلى محاولة التقرب من الواقع الفلسفي الزماني الجديد ، داخل الدراسات الفلسفية الجزائرية قصد فهم مستقبل " الفكر الفلسفي " برؤية فينومينولوجية حيث نجده يقول : " إن الأزمات التي تعيق تطورنا و نمو مجتمعاتنا ، لا تحل إلا وفق رؤى فلسفية محضة و صارمة و مشاعة " تاريخ الوعي ص : 12 ، و نفهم من هذا الكلام أن المطلب المعاصر للفلسفة هو محاولة ملامسة الواقع و هو ما حدث في أروبا التي قذفت من خلال تأسيس فلسفات جديدة في عصر الحداثة الأنوارية الكانطية ، لتعلن عن بناء فلسفات جديدة اجتماعية و نفسانية و فنية و معرفية ، و جاء مطمح و أمل المفكر الجزائري " مونيس بخضرة " في تأسيس فلسفة خلاقة ، وهي التي تعطي ثراءها في لحظتها ، واللحظات التي تأتي بعدها ، ويؤكد ذلك المفكر" مونيس " من خلال قوله : " إن موضوع الفلسفة الحقيقي و الذي نعنيه جيدا ، هو الفلسفة و مشكلاتها . أي القدرة على تحويل مشاكل العصر و هموم المجتمع إلى نص فلسفي ، حتى تتمكن الفلسفة من معالجة ذاته . و مجتمعنا من أبرز المجتمعات التي تزداد فيه تراكمات قضاياه ،و ما افرزه تاريخه الطويل على ظهر واقعه الراهن ، بشتى المواضيع التي بقيت دون حلحلة وغامضة ، التي حتما تكون مادة حيوية تتغذى منها الفلسفة و تزيل تكتلاتها و تبدد هواجسها المخيفة من عقولنا التي طالما كانت عقبات انحنت عليها إرادتنا " تأملات فلسفية في رسم بعض إشكالات العصر " العنف ، التسامح ، المعرفة " ص :97 .[/rtl]
[rtl] يحاول المفكرالجزائري " مونيس بخضرة " سبر أغوار الواقع والولوج داخل مكنوناته ، والغوص في تمفصلاته ، بغية رسم جدلية إرتقاء العقل الفلسفي ، بما يحياه في واقعه ، ويحارب النظرة التشاؤمية الانزوائية و الحيادية ، المستكينة والتي شغلت نفسها بالكتابة والكلام فقط بعيدا عن القصد الهيرمينوطيقي والرد الفينومينوجي الذي يجعلنا نفهم بواعث الحياة والقضايا التي تؤسس للانسان الجديد ، وهي الرؤية التي كان يطمح اليها ادموند هوسرل من خلال " جدلية العلاقة بين الذات المدركة و الموضوع المدرك " أو العلاقة بين الفهم والواقع ، مؤكدا بذلك على دور العقل ووظيفة الفعل الفلسفي والذي تشعر فيه الأنا بالارتياح وهو الربط بين الخيال الفكري والحس الواقعي ، فإذا كانت وظيفة الفلسفة هي اكتشاف العنصر العقلي المفاهيمي القصدي ، والتي بسببها تحددت في إدراك الماضي والحاضر بالفعل ، ومنه الإستشراف للمستقبل ، فهذا يعني أن الفلسفة أصبحت دراسة موضوعها الأساسي هو الواقع الفعلي لم تعد تسأل عن الفهم التأويلي من أين أتى ؟ و لكن انعكس السؤال الفلسفي وأصبح إلى أين تسير؟ وكيف ستصير؟ ، مستقبلا وانتقلت الفكرة من جوانيتها ،إلى برانية ليس مفارقة عنها بالقدر الذي يكون فيه التحايث بينهما ، ومنه جاءت محاولة المفكر " مونيس بخضرة " حول الحديث عن فلسفة للحياة " و هو ما الشغل الشاغل في فلسفة " نيتشه " ،" دلتاي " ، " البير كامي " وادغار موران ، وجون فرانسوا ليوتار و جون بودريان ، وجيل دولوز و ميشال فوكو ، فكانت النقلة الفلسفية من الشعار الديكارتي المعهود " أنا افكر إذن أنا موجود" ليتحول ويصبح فلسفة موضوعية واقعية مع هؤلاء شعارها " أنا أفكر في واقعي إذن أنا موجود " وكما كان يؤكد ذلك البير كامي من خلال اسطورة سيزيف " التي كان مقصدها البحث عن تأسيس فلسفة للحياة السعيدة والناجعة ، عنوانها العقلانية ، و شعارها الواقع المعيش . [/rtl]
[rtl]والتفكير في الواقع والمعيش حسب المفكر" مونيس بخضرة " هو التقرب من الأسرة والمجتمع المدني والدولة و منه التحايث مع الحياة قصد إثارة الماضي ، ولكن بحسب واقعيته وفهم الثقافة الاجتماعية التي تكونه ، ومدى اختلافها مع ثقافات الغير ، ومنه نقله من الحالة السلبية الفاسدة التي يشيع ويذيع فيها اللاإستقرار، اللأمل ، اللانظام ، اللامنطق ،ويغلب فيها قانون العبودية المادية مع غياب الأخلاق و النزعة الروحية ،إلى حالة أخرى يتجلى فيها الإيجاب من خلال الأمل في الحياة والاستقرار والمنطق والعقلانية بعيدا عن الحياة الغريزية ، وهذا الإنتقال للفلسفة من مجال إلى آخر ومن موضوع سالب إلى موضوع موجب هو الذي يجعل للفلسفة مكان في عقول الناس ، و منه صناعة الحدث الفلسفي داخل العامة من الناس ، بحيث تكون الملامسة هي ملامسة واقع وعقل ساذج وحياة بسيطة و عادية و يومية ، هكذا يصبح الفيلسوف من المفكر في برجه العاجي إلى المصلح الاجتماعي والمغير الفعلي داخل الحياة ، وبذلك يصبح الفعل الفلسفي مطمح العاديين ، و الفيلسوف غاية المهمومين ، والرجل الذي يقول نعم لما يقول الواقع لا ،و يقول لا في وقت يقول الواقع نعم ، وهي الرؤية التي تحملها فلسفة التمرد عند البير كامي " ، بذلك يصبح الانسان إنسانا.[/rtl]
[rtl]لقد حان الوقت اليوم لتلم الفلسفة بظروف مجتمعنا ، السياسية و الاجتماعية والدينية والفنية والثقافية والتاريخية ، بما أنها تشكل روح العصر ، والعكس صحيح ، فهي بمثابة فروع الروح الواحدة ، روح الشعب ، ومن هنا كان حضورها ضروري لكي تتماهى مع تلك الروح وباقي ميادين الحياة ، وهذا الذي يحتم على روح الشعب أن يرقى الى مستوى الإيمان العقلي من أجل ضروريات الحياة حتى تتوقف ألام الرغبة التي حصرتها سنين الضعف والعنف . وتتقدم العقول نحو الكلي الذي يجمعنا ، فتتحد الفلسفة مع روح العصر التي تظهر فيه الآن " تأملات فلسفية في رسم بعض إشكالات العصر" ص: 102، وتتمثل بمقتضياته ، ليعلن الفكر بذلك عن الأبهة العقلانية ، والتلون الإستطيقي ضمن مقولة " الوعي للمعيش سبيل نحو تقدمه ..." . [/rtl]
[rtl]وبهذه الصورة يكون المفكر الجزائري " مونيس بخضرة " قد حاول مواكبة التقلبات الحياتية من خلال اسهاماته الفكرية ، وقراءته لواقعه المحيط به ، مؤسسا لذاته وعيا فينومينولوجيا قصديا يحاول الانبعاث من الحقائق و الوقائع المعيشة ، مفتتا لبناتها ، قصد تأسيس لبنية حياتية جديدة و تمثلات معصرنة ، تبحث دوما عن معالجة الشيء " عالم الأشياء بالفكرة " عالم الأفكار " مرتبطا بعالم الأشخاص ، وفاعلية عقلانية متئدة و وجدانية متقدة .[/rtl]