أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيشرفنا أن تقوم بالتسجيل والمشاركة معنا
إذا أعجبك المنتدى يمكنك أن تضغط على زر أعجبني أعلى الصفحة .... شكرا لزيارتك
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيشرفنا أن تقوم بالتسجيل والمشاركة معنا
إذا أعجبك المنتدى يمكنك أن تضغط على زر أعجبني أعلى الصفحة .... شكرا لزيارتك
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


(( الحكمــة لله وحــده ، وإنمـا للإنسان الاستطاعـــة في أن يكون محبًا للحكمة تواقًا الى المعرفة باحثًا على الحقيقة )) سقراط.
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  
ازرار التصفُّح
 البوابة
 الرئيسية
 قائمة الاعضاء
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 بحـث
المواضيع الأخيرة
» " فينومينولوجيا المعيش اليومي" من منظور المفكر مونيس بخضرة .
نظرة في المشروع الفكري للدكتور طه عبد الرحمن..عباس أرحيلة  Emptyالإثنين أبريل 17, 2017 2:59 am من طرف مؤرخ المغرب الأوسط

»  هكذا تكلم المفكر الجزائري " د . الحــــــــــاج أوحمنه دواق " مقاربات فلســـــفية " بين الضمة و الفتحة و الكسرة "
نظرة في المشروع الفكري للدكتور طه عبد الرحمن..عباس أرحيلة  Emptyالسبت أبريل 15, 2017 2:26 am من طرف الباحث محمد بومدين

» كتاب فاتحة الفتوحات العثمانية
نظرة في المشروع الفكري للدكتور طه عبد الرحمن..عباس أرحيلة  Emptyالخميس أغسطس 18, 2016 2:21 pm من طرف مؤرخ المغرب الأوسط

» برنامج قراءة النصوص العربية
نظرة في المشروع الفكري للدكتور طه عبد الرحمن..عباس أرحيلة  Emptyالخميس أغسطس 18, 2016 2:12 pm من طرف مؤرخ المغرب الأوسط

» إشكالية الحرية فى الفكر الفلسفى
نظرة في المشروع الفكري للدكتور طه عبد الرحمن..عباس أرحيلة  Emptyالخميس ديسمبر 17, 2015 11:19 pm من طرف soha ahmed

» المغرب في مستهل العصر الحديث حتى سنة 1603م
نظرة في المشروع الفكري للدكتور طه عبد الرحمن..عباس أرحيلة  Emptyالأربعاء نوفمبر 25, 2015 8:24 pm من طرف مؤرخ المغرب الأوسط

»  هكذا تكلم المفكر الجزائري " د . الحــــــــــاج أوحمنه دواق " مقاربات فلســـــفية " بين الضمة و الفتحة و الكسرة "
نظرة في المشروع الفكري للدكتور طه عبد الرحمن..عباس أرحيلة  Emptyالأربعاء نوفمبر 18, 2015 8:41 pm من طرف الباحث محمد بومدين

»  هكذا تكلم المفكر الجزائري " د . الحــــــــــاج أوحمنه دواق " مقاربات فلســـــفية " بين الضمة و الفتحة و الكسرة "
نظرة في المشروع الفكري للدكتور طه عبد الرحمن..عباس أرحيلة  Emptyالأربعاء نوفمبر 18, 2015 8:33 pm من طرف الباحث محمد بومدين

»  هكذا تكلم المفكر الجزائري " د . الحــــــــــاج أوحمنه دواق " مقاربات فلســـــفية " بين الضمة و الفتحة و الكسرة "
نظرة في المشروع الفكري للدكتور طه عبد الرحمن..عباس أرحيلة  Emptyالأربعاء نوفمبر 18, 2015 8:30 pm من طرف الباحث محمد بومدين

» دخول اجتماعي موفق 2015/2016
نظرة في المشروع الفكري للدكتور طه عبد الرحمن..عباس أرحيلة  Emptyالجمعة سبتمبر 04, 2015 4:07 am من طرف omar tarouaya

» أنا أتبع محمد...
نظرة في المشروع الفكري للدكتور طه عبد الرحمن..عباس أرحيلة  Emptyالإثنين يناير 19, 2015 3:08 pm من طرف omar tarouaya

» بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة
نظرة في المشروع الفكري للدكتور طه عبد الرحمن..عباس أرحيلة  Emptyالإثنين ديسمبر 01, 2014 2:12 pm من طرف omar tarouaya

» مرحيا يالاعضاء الجدد
نظرة في المشروع الفكري للدكتور طه عبد الرحمن..عباس أرحيلة  Emptyالسبت أكتوبر 11, 2014 11:16 pm من طرف omar tarouaya

» لونيس بن علي، التفكير حول الدين ضمن الحدود الإنسانية للمعرفة
نظرة في المشروع الفكري للدكتور طه عبد الرحمن..عباس أرحيلة  Emptyالأحد أغسطس 31, 2014 12:55 am من طرف عبد النور شرقي

» تحميل كتاب الحلل البهية في الدولة العلوية الجزء الثاني
نظرة في المشروع الفكري للدكتور طه عبد الرحمن..عباس أرحيلة  Emptyالخميس أغسطس 28, 2014 1:33 pm من طرف مؤرخ المغرب الأوسط

» في رحاب الزاوية الحجازية بسطيف
نظرة في المشروع الفكري للدكتور طه عبد الرحمن..عباس أرحيلة  Emptyالأحد أغسطس 17, 2014 12:37 am من طرف مؤرخ المغرب الأوسط

» العز والصولة في معالم نظام الدولة
نظرة في المشروع الفكري للدكتور طه عبد الرحمن..عباس أرحيلة  Emptyالجمعة أغسطس 15, 2014 2:41 am من طرف مؤرخ المغرب الأوسط

»  التاريخ السياسي للمغرب العربي الكبير ( 12 مجلدا )
نظرة في المشروع الفكري للدكتور طه عبد الرحمن..عباس أرحيلة  Emptyالخميس أغسطس 14, 2014 11:10 pm من طرف مؤرخ المغرب الأوسط

»  كتاب حول تاريخ الحضنة والمسيلة وما جاورها
نظرة في المشروع الفكري للدكتور طه عبد الرحمن..عباس أرحيلة  Emptyالإثنين يوليو 28, 2014 11:23 am من طرف مؤرخ المغرب الأوسط

»  كتاب مهم في الانساب الجزائرية
نظرة في المشروع الفكري للدكتور طه عبد الرحمن..عباس أرحيلة  Emptyالإثنين يوليو 28, 2014 11:22 am من طرف مؤرخ المغرب الأوسط

سحابة الكلمات الدلالية
المغلق المنطق نظرية الفلاسفة الحرب مقالة سقراط محمد السؤال الفكر الامام الفلسفة الحيوان النسق اللغة الفيض الفلسفي العالمية مقال فلسفة البحث الظواهرية المسلمين الموضوعية الذاتية الانسان

 

 نظرة في المشروع الفكري للدكتور طه عبد الرحمن..عباس أرحيلة

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
أحمد أمين
المدير العام
المدير العام
أحمد أمين


عدد المساهمات : 1016
التقييم : 25
تاريخ التسجيل : 02/09/2010
العمر : 39

نظرة في المشروع الفكري للدكتور طه عبد الرحمن..عباس أرحيلة  Empty
مُساهمةموضوع: نظرة في المشروع الفكري للدكتور طه عبد الرحمن..عباس أرحيلة    نظرة في المشروع الفكري للدكتور طه عبد الرحمن..عباس أرحيلة  Emptyالثلاثاء يونيو 21, 2011 12:57 pm




نظرة في المشروع الفكري للدكتور
طه عبد الرحمن


عباس أرحيلة




الكلمة التي ألقيت يوم 11 مارس 2006 بمقر
منتدى الحكمة للمفكرين والباحثين









محاور الكلمة


أولا : كلمة تمهيدية عن المشروع وصاحبه
ثانيا : موقف د. طه عبد الرحمن من التبعية والتقليد
ثالثا : مشروع د. طه : حق الاختلاف في التفلسف أو كيف نخرج من نفق التبعية والتقليد؟
رابعا : مظاهر التجديد في المشروع الفكري للدكتور طه عبد الرحمن
خامسا: لماذا المواجهة وحق الاختلاف ؟
سادسا: مشروع فكري جريء إلى أبعد الحدود
سابعا: بأي شيء يختلف د. طه عن غيره من أهل الفكر؟
ثامنا: إشارة إلى قيمة هذا المشروع ؟
تاسعا: ماذا عن أصداء هذا المشروع ؟
عاشرا: دعوة أن يُصبح المنتدى مدرسة للمشروع الفكري للدكتور طه عبد الرحمن


أولا : كلمة تمهيدية عن المشروع وصاحبه
تعددت مشاريع الحلول، في العالم الإسلامي العربي، وتنوعت للخروج من أنفاق التبعية على امتداد القرن العشرين، وخاصة في النصف الثاني منه، وعقدت المؤتمرات والندوات، وتنوعت الكتابات لتحليل أسباب التأخر، والكشف عن إشكالات الخلل في العقل العربي، وأسباب تخلفه في الدفع بالنهوض في معترك العصر. وَتقدَّمَ أعلامُ الفكر في الوطن العربي بعشرات المشاريع للخروج من التخلف، وولوج عالم الحداثة، كل يريد أن يستنهض، ويُصحح ويُقوم، ويرسم المسارات في ضوء ما جد من مناهج، ومع الأيام ذهبت تلك المشاريع أدراج الرياح.
وما تزال، في كل يوم، آلاف الأوراق تُسود وتنشر، وما تزال عشرات الحوارات المتلفزة في اليوم الواحد، ومن لدن ذوي الاختصاص، ومن أهل الحل والعقد أحيانا، تشخص المشاكل وتُقدم الحلول وتقترح البدائل، ثم تتبخر تلك الأقوال في الأثير.
لقد لقيت الأمة الإسلامية في نهاية القرن الماضي، وبداية القرن الواحد والعشرين عنتا شديدا من جراء أوضاعها، ولحقها من اليأس والإحباط والاسترقاق ما زاد من ضياعها وتيهِها. وتكشَّفَ، خلال هذه الحقبة، ارتهانُ الشرق لحضارة الغرب الحديث في كل مجالات الحياة؛ وتبعيتُه له اقتصاديا وسياسيا وثقافيا. واليوم هي تقع في قبضة الكماشة الأمريكية التي تفرض على سكان الأرض المانوية الجديدة أي الفكر الاثنيني المهيمن على سكان الأرض حاليا؛ بعبارة د. طه عبد الرحمن. ومن تبعات تلك التبعية وقوع كثير من أهل النظر والإبداع في الفكر العربي الحديث في تقليد الحداثة الغربية تقليدا أضَّر بإنسانيتهم وهويتهم الحضارية، وجعلهم يُفكرون على مقاسات غيرهم، ويضعون الحواشيَ على أفكار انتُزعت من سياقات لا تمت لواقعهم بصلة إلاّ على سبيل التمحل والرغبة في التقليد. دعوْا إلى " قطائع معرفية"، فتقطعت بهم الأسباب، ووجدوا أنفسهم في الأخير مع" القطيع"، ويجترون أوهاما تبخرت، وينتظرون الذي يأتي ولا يأتي... والذي أتى في مطالع القرن الواحد والعشرين؛ هو موت تلك المشاريع وكأنها لم تَغْنَ بالأمس. الذي أتى هو حرب طويلة الأمد على الإسلام باسم محاربة الإرهاب، هو الوقوع في قبضة التأمرك. الذي أتى هو حداثةٌ حلَّت حريةُ التعبير لديها محلَّ المقدس.
وأقدم فيما يلي مشروعا فلسفيا شع في مطالع سبعينيات القرن العشرين؛ مشروعا ظل يتجذر ويتألَّق في فضاء الفكر المعاصر على امتداد هذه السنين، وازداد توهجه نتيجة رسوخه المنهجي، وإبداعه المعرفي، ومما زاده توهجا ورسوخا راهنِيتُةُ لكل ما يُعانيه الفكر الإنساني المعاصر من أزمات، وما يُلاقيه المسلمون من إذلال وامتهان. مشروع تولَّى فيه صاحبه هدمَ واقع الحداثة المعاصرة وبناء روح الحداثة الكامنة في الإسلام. وجعل هدفه الأسمى النهوض بفكر أمة الإسلام.
ومرحلة هذا المشروع " تعولمت " فيها الحداثة الغربية، واستأسدت فيها الحركة الصهيونية، وتلبست بمواقع القرار في الغرب؛ فوجهت تقنياته إلى ما يخدم بروتكلاتها، ويعمل على إذلال شعوب الأرض عامة وإذلال الشعوب المسلمين خاصة. وبفضل التهويد الذي وجَّه حداثة الغرب ظهرت في ديار الإسلام" باطنيات" جديدة معادية للإسلام بشكل خاص،"باطنيات" لبست كل أنواع "الهرطقات" التي استُحدثت في الغرب لقطع كل صلة بالدين عامة وبالإسلام خاصة، واستقرت اليوم في الاثنينية الأمريكية: محور الخير ومحور الشر.
صاحب هذا المشروع هو الدكتور طه عبد الرحمن: وهو أستاذ المنطق وفلسفة اللغة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الخامس بالمغرب، حاصل على دكتوراه السلك الثالث من جامعة السوربون سنة 1972 ببحث عنوانه ( Essai sur les structures linguistiques de l’ontologie: رسالة في البُنى اللغوية لمبحث الوجود )، ثم على دكتوراه الدولة من الجامعة نفسها سنة 1985 بأطروحة عنوانهاEssai sur les logiques des raisonnements argumentatifs et naturels : رسالة في منطق الاستدلال الحجاجي والطبيعي ونماذجه).
والأستاذ طه هو رائد المنطق في المغرب الحديث، وهو لساني بلاغي صوفي، عالم بالأصول والكلام، ذو تكوين ثلاثي: عربي فرنسي إنجليزي.
وهو أستاذ زائر بعدة جامعات مغربية، وعضو في كثير من الهيئات والجمعيات الفلسفية في العالم، وعضو محكم ومستشار في عدد من المجلات العلمية. له عدة مساهمات في كثير من المؤتمرات العلمية. وهو رئيس ( منتدى الحكمة للباحثين والمفكرين) الذي تأسس في المغرب بتاريخ 9 مارس 2002 ( منتدى يضم أساتذة جامعيين من مختلف الجامعات المغربية، وله انفتاح على بعض الجامعات العربية وعلى بعض المفكرين من العالم الإسلامي والعربي).
والدكتور طه عبد الرحمن أحد مؤسسي اتحاد كتاب المغرب، وهو من خبراء أكاديمية المملكة. حاصل على جائزة المغرب في العلوم الإنسانية لسنة 1988 على كتابه:" أصول الحوار وتجديد علم الكلام" ولسنة 1995 على كتابه:" تجديد المنهج في تقويم التراث".
من أعماله: اللغة والفلسفة ( بالفرنسية 1977) – أصول الحوار وتجديد علم الكلام( ط1،1987) - العمل الديني وتجديد العقل ( ط1،1989) - تجديد المنهج في تقويم التراث (ط1، 1994) – فقه الفلسفة، 1 – الفلسفة والترجمة ( ط1، 1995) – اللسان والميزان أو التكوثر العقلي ( ط1،1998) – فقه الفلسفة، 2 – المفهوم والتأثيل ( ط1،1999) – سؤال الأخلاق، مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية ( ط1،2000) – الحق العربي في الاختلاف الفلسفي ( ط1،2002) – حوارات من أجل المستقبل ( ط1، منشورات الزمن، 2000- ط1، ضمن منشورات: دار الهدى للطباعة والنشر) - الحق الإسلامي في الاختلاف الفكري( ط1،2005) – روح الحداثة المدخل إلى تأسيس الحداثة الإسلامية ( ط1،2006). من الدروس الافتتاحية المطبوعة:
- الدرس الافتتاحي بجامعة القاضي عياض، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، مراكش، بعنوان: تعددية القيم: ما مداها؟ وما حدودها؟ يوم 23 أكتوبر 2001
- الدرس الافتتاحي بجامعة ابن زهر، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، أكادير، بعنوان: التواصل والحجاج، السنة الجامعية: 2003 – 2004
مشروع د. طه عبد الرحمن، أوقفه – في تقديري - على ستة محاور:
أولها: تجديد النظر في حقيقة الإسلام، وإعادة العزة إلى أهله في المرحلة الراهنة؛ باعتماد ملكوتيته لا مُلكيته؛ باصطلاح د. طه. وقد أناط بالإسلام دور تأسيس الحداثة، وقرر في كتابه الأخير ( الحداثة المدخل إلى تأسيس الحداثة الإسلامية، 2006) أنه لا حداثة بغير اعتناق الإسلام. والمنطلق في تجديد هذا النظر استيعاب حقيقة الإسلام أولا، واستيعاب ما في حداثة الغرب المعاصر من مفاهيم وتصورات ثانيا، واعتماد الحوار الموصل إلى الحق، والاحتكام إلى طلب الحق في الاختلاف، واعتماد الكلمة السواء؛ العادلة المنصفة ثالثا.
وثانيها: إنشاء نظرية تكاملية للتراث؛ يَتِمُّ من خلالها، تقديمُ منهج جديد في تقويم التراث، وهو منهج يُعتبر – في عمقه - مواجهةً لأصحاب المشاريع الداعية والساعية إلى إعادة قراءة التراث العربي في ضوء المناهج الغربية الحديثة، وبناء رؤية جديدة في التفاعل مع التراث، كما يُعتبر عودة اتصال بتراث الإسلام من خلال مجاله التداولي.
ثالثها: وضع رؤية منهجية تطبيقية تضاهي الفكر الغربي الحديث، وتُعيد النظر في مقولاته وطروحاته، وتفتح آفاقا جديدة للنظر في أوضاع العالم الإسلامي، والخروج به من أزمته الحالية. فقد وجد أن الأمة الإسلامية تعاني اليوم" من سقطة حضارية كبرى"، وأنها أصبحت " تابعة في كل شيء" .
رابعها: مراجعة قضية الفلسفة باعتبارها أكبر بوابة تسربت منها انحرافات الفكر الإنساني في العصور الحديثة. وقد وضعها الباحث تحت مجهر النقد فأسقطها من عليائها، ونقض العبودية الفكرية لها، وجعلها عارية من كل ما رافقها من ادعاءات على مر السنين، ومن خلال ذلك أظهر تهافت متفلسفة العصر.
خامسا: إنشاء فلسفة أخلاقية إسلامية معاصرة، ويُفصح عن هذا بقوله إن الغرض الذي توخاه في جملة من كتبه؛" هو الإسهام في إنشاء فلسفة أخلاقية إسلامية معاصرة، وذلك بالاجتهاد في وضع لبناتها وإقامة بعض قواعدها" . وقد أصبح له اقتدار على ممارسة التنظير وبناء المناهج والنماذج، وإنتاج المصطلح على المستوى الفلسفي والمنطقي.
سادسا: مواجهة الحداثة بنِحَلها الوافدة التي جرفت كثير من العقول بما نُسج حولها من أوهام، زرعت الشكوكَ والانحلالَ. ودعا إلى بناء حداثة أخلاقية بعيدة عن تقليد حداثة الآخرين التي تعمل على تدمير حقيقة الإنسان. وبعد تشخيصه لواقع الحداثة الغربية الحالية، نبَّه الفكرَ الإنسانيَّ عامةً إلى روح الحداثة الإسلامية.
سابعا: تحرير العقل الإنساني عامة من التبعية للفكر الغربي الحديث، ومن أثنينبة التأمرك في اللحظة الراهنة، بشكل خاص؛ حتى يستقل الناس بفكرهم، ويتحرروا مما هم فيه من الارتكاس في أوهام الحداثة. وتحرير العقل المسلم خاصة حتى يُطالب بحقه في الاختلاف، والنهوض بمسؤوليته بإشاعة ملكوتية الله في الأرض، فألف كتابين يحملان كلمة الاختلاف في عنوانيهما:الحق العربي في الاختلاف الفلسفي، والحق الإسلامي في الاختلاف الفكري. ووضع كتابه الأخير روح الحداثة: المدخل إلى تأسيس الحداثة الإسلامية؛ لبناء التصور الحقيقي الذي ينبغي أن تكون عليه الحداثة.
والمشروع في جملته يُقدم للفكر الإسلامي الحديث ( وليس من المبالغة في شيء أن أقول للفكر الإنساني الحديث )، ما به يتم الخروج من نفق التبعية والارتهان لفكر يُزري بالحقيقة الإنسانية، ويُعرضها لمزيد من التلاشي والضياع. والحقيقة الساطعة في هذا المشروع أن صاحبه يضع، بكل اقتدار وخبرة خطةً منهجية عملية تُمكن المتفلسف العربي من الإقلاع عن التبعية، وتؤهله لأن يأتي بما يستشكله من واقعه وتراثه وهويته؛ ويُبدع ما به يُضاهي ما لدى غيره من أفكار ونظريات.
وواضح أن صاحب هذا المشروع تناول القضايا المركزية في الفكر الإسلامي العربي المعاصر، وأنه خرج من رد الفعل إلى الفعل بطرحة لكيفية تحديث البنية الفكرية للإبداع في مواجهة الأزمة الراهنة.
فماذا عن مشروع الدكتور طه عبد الرحمن ؟

ثانيا: موقف د. طه عبد الرحمن من التبعية والتقليد
يكاد مشروعه يكون حرباً على التقليد والتبعية وعلى المقلدة المنتمين إلى الإسلام والعروبة منذ أواخر القرن التاسع عشر إلى يومنا هذا، بل وعلى المتفلسفة العرب منذ كان التفلسف عندهم؛ سواء كانوا من مقلدة المتقدمين أو من مقلدة المتأخرين، بتسمية د. طه، وقد لاحظ أن طرق الأداء البياني لدى متفلسفتنا في القديم جاءت" مخالفة للمقتضيات التداولية للبيان العربي، فاستغلقت كتاباتهم بركاكتها على الأفهام" .
لماذا أعلن الحرب منذ انطلاقة مشروعه على صنيع أهل التقليد والتبعية؟
(1) لأنهم – في نظره – استلذوا التفلسف على طريقة غيرهم؛ فهم يخوضون فيما يخوض فيه غيرهم، ويفتعلون أسئلة غيرهم؛ بل إن تلك الأسئلة، البعيدة عن حقيقتهم، قد استعبدتهم وأصبحت تؤرقهم. ولم يذهبوا إلى مساءلة ذلك التفلسف عند أهل الغرب ونقده على مقتضيات ثقافتهم، ولم يتمكنوا من مراجعة التصور الذي ساد عن الفلسفة الغربية عموما، ولم يستطيعوا أن يأتوا بما يضاهيه؛ انطلاقا مما يستشكلونه من واقعهم.
(2) ولأنهم تسببوا بتقليدهم للفكر الغربي في خنوع الأمة واستسلامها، وقادوها بفكرهم "المتنور" إلى الظلام والاستسلام. فقد وجد أن أصحاب الفكر الإصلاحي في العصور الحديثة والمعاصرة قد اتخذوا من عقلانية الغرب منهجا ومنطلقا في التفكير، وربطوا كل تقدم بانتهاج العقلانية الغربية. وأغلب رواد الإصلاح، وأهل العقلانية والحداثة، وأصحاب المناهج والمشاريع في قراءة التراث؛ بنَوا مجدهم التنظيري وشهرتهم في المحافل والمنتديات والكتب والمجلات على ما تساقط إليهم من مناهج الغربيين وأفكارهم.
(3) ولجهلهم بمناهج من يُقلدون: فالمتفلسفة العرب، في العصر الحديث، قد اندفعوا في تقليد فلاسفة الغرب، واقتفوا آثارهم، وتعلقوا بأسباب لا تمت إلى أسبابهم؛ فافتقدوا حاسة النقد لديهم، وتقلبوا في أطوار حياتهم من النقيض إلى النقيض. والسر في ذلك"قصور وسائلهم عن الإحاطة بدقائق وسائل من يُقلدون" . فنُقَّادُ التراث – مثلا – غلب عليهم التوسل بأدوات البحث التي اصطنعوها من مفاهيم الغربيين ومناهجهم ونظرياتهم؛ فقلدوها وما ملكوا ناصية تقنياتها، ولا تفننوا في استعمالها ، وحين انقطعوا عن التراث جملة؛ التجأوا إلى تراث الثقافة الغربية الحديثة "مقلدين لمسالكه، ومتشبهين بأصحابه".
(4) ولأنهم شوَّهوا تراث أهل الإسلام حين ذهبوا في قراءته كل مذهب، ووضعوا له مشاريع قراءات بعيدة عن روحه. وجد الأستاذ طه أنهم أولا: قطَّعوا أوْصالَه. ثانيا: خطَّأوا أصحابه. ثالثا: اجتزأوه. رابعاً: اقترضوا من غيرهم طرائقهم المستعملة في النقد. خامسا: ظلت كتاباتهم دعوة إلى تقليد الفكر الغربي وتقليد أهله .
(5) ولأنهم استطابوا لذة التقليد:وقد بلغ الناس من كثرة السير في نفق التقليد حداً جعلهم يستطيبون لذة التقليد، ويرونه هو عين التجديد. ووجد أهل التقليد يتنكرون لهويتهم وهم يتحدثون عن كونية لا علاقة لهم بها. يقول:" أما ترى المتفلسف العربي لا يصوغ من الألفاظ إلا ما صاغه غيرُه، ولا يستعمل من الجمل إلا ما استعمله، ولا يضع من النصوص إلا ما وضعه، لا يكاد يزيد على هذا أو ذاك شيئا من إنشائه (...). انظر كيف أن المتفلسفة العرب المعاصرين "يؤولون" إذا أول غيرهم، و"يحفرون" إذا حفر غيرهم و"يفككون" إذا فكك غيرهم(...) وقد كانوا، منذ زمن غير بعيد، توماويين أو وجوديين أو شخصانيين أو ماديين جدليين…" . وقد انخدعوا بمقولتين: الاستجابة للشمولية الفلسفية والانخراط في الحداثة العالمية. وما استجابوا وما انخرطوا؛ وإنما أصيبوا بسوء التفلسف فامَّحَوْا في غيرهم بكل كبرياء، وأنَّى لمن امَّحَى في غيره أن يكون له بعدُ كبرياء.
وظل هذا الباحث يدعو المفكرين من أبناء جلدته أن يُمارسوا حقهم في الإبداع الفلسفي، أن يُقدموا الدليل على تلك الممارسة في استخدام المفاهيم المتداولة في الممارسة الإسلامية العربية، وظل يُقدم لهم الكيفية التي بها يُمارسون حقهم.
مأساة الأمة أن كثيرا من مفكريها َيتَشكلُّون مع الأحوال، ويُغيرون" المواقع" في كل آن، ويركبون أمواج التقاليع الآتية من الغرب. وظلت توجهاتهم الإصلاحية تتخذ من الغرب قبلة لها، ومن عقلانية ذلك الغرب منهجا لها في التفكير، ومنطلقا لها في الاجتهاد، وما فتِئتْ منهجياتُهم تربط كل تقدم وتحضر بانتهاج تلك العقلانية الغربية والاحتكام إليها.
والمفارقة الحادة التي تناولها د. طه في مجمل كتبه هي ما يمكن أن يوجزها قوله:"إن النمط المعرفي الحديث غيرُ مناسب إن لم يكن غيرَ صالح للتوسل به في بناء معرفة إسلامية حقيقية" . والأدهى في - نظر الباحث - أن المتفلسفة العرب المعاصرين لم ينتبهوا إلى وجود جراثيم التهويد في الفلسفة الحديثة، فهم يتفلسفون بما يخدم عدوَّهُم، وأبحاثهم تدور في الوقت الراهن على إشكالات تلك الفلسفة المتهوِّدة الحديثة. ولاحظ أن دعاة تحديث الفكر الإسلامي لم تخرج محاولاتُهم عن نطاق التشبه بأفكار الآخرين؛ " ومعلوم أن الأخذ الذي ليس معه عطاء لا يكون تقليدا، وأن التشبه الذي ليس معه استقلال لا يكون إلا اعتقالا؛ وحينئذ، لا يكون تحديث الفكر الإسلامي تحديثا حقيقيا وإنما تحديثا وهميا وحسب" .
وجوهر مشروع طه – كما سنرى - أن نتميز عن غيرنا في المعترك الفكري المقبل، أن يكون لنا حقُّنا في الإبداع الفلسفي المختلف وأن نضع الكيفية التي بها نحقق ذلك الاختلاف. ومن هنا نهض بمشروع " فقه الفلسفة " لمحو التبعية عن فكرنا الإسلامي، وإقدار ذويه على الإبداع في مجال الفلسفة. أما لماذا الفلسفة ؟ فلأن كل شرور الانحراف تسربت منها؛ ولأن مفكرينا تفلسفوا - منذ شرعوا في التفلسف - بأدوات غيرهم، وطرَّزا على أثواب غيرهم، وهي أثواب نُسجت في شروط تاريخية وفكرية مغايرة.

ثالثا: مشروع د. طه: أو حق الاختلاف في التفلسف
أو كيف نخرج من نفق التبعية والتقليد؟
نجد د. طه يُفصح عن مشروعه الفكري في بداية الفصل السابع من كتابه ( سؤال الأخلاق ) [ ط1، 2000] حيث يقول:" ليس يخفى أننا كنا نسعى منذ صدور كتابنا: العمل الديني وتجديد العقل [ ط1، 1989] إلى الإسهام في تجديد الفكر الديني الإسلامي بما يُؤهله لمواجهة التحديات الفكرية التي ما فتئت الحضارة الحديثة تتمخض عنها، بل كنا نسعى، على وجه الخصوص، إلى وضع نظرية أخلاقية إسلامية مستمدة من صميم ذلك الفكر، نظرية تُفلح في التصدي للتحديات الأخلاقية لهذه الحضارة بما لم تُفلح به نظائرها من النظريات الأخلاقية غير الإسلامية …" .
وهو مشروع يرمي به إلى تأسيس يقظة دينية لها سند فكري محرر على شروط المناهج العلمية، أي أنه هيأ لها التأطير المنهجي المحكم، والتنظير العلمي المُنتِج، والتبصير الفلسفيّ المؤسِّس .
ولكن ما هي الوسيلة التي تمكن من تأسيس ذلك المشروع وتأصيله، وكيف نحرر المتلقي العربي من التبعية، ونجعله قادرا على أن يستقل بفكره، ويُبدع في مجاله التداولي الخاص؟ للجواب على هذا ينبغي أن نشير إلى معالم هذا المشروع، وأن ننظر في الكيفية التي هيَّأ بها اختلافه الفكري أي اجتهاده الخاص. والكيفية التى أتى بها للخروج من التبعية والتقليد ؟

أ - فما هي معالم هذا المشروع ؟
(1) وضع فلسفة إسلامية تُضاهي الفلسفة الغربية الحديثة، وتتغاير معها في المنطلقات والتصورات والمفاهيم والمصطلحات. أو قل وضع أصول الإبداع المعرفي الإسلامي العربي؛ من منطلق القيم الدالة على الخصوصية الإسلامية العربية، أي من منطلق أن كل فلسفة لها ارتباطها الخاص بسياقها التاريخي واللغوي والأدبي.
مشروعه الفلسفي يتمثل في وضع ما أسماه" فقه الفلسفة "وهو" علم ينظر في الأعراض الذاتية للفلسفة، ويستخرج قوانينها ويرتب مسائلها" . وإجرائية هذا العلم تتمثل في الكيفية التي بها نتحرر من التبعية لفلسفة الغربيين، وهي كيفية نبدع من خلالها على مقتضى فكرنا وواقعنا، ونستشكل بها ما يهمنا في حالنا ومآلنا. ومن خلال ذلك الفقه نتفاعل مع ما لابد من ضرورة التفاعل معه، ونحاور ما يصح الحوار معه بمنظارنا لا بمنظار غيرنا، ومن خلال ذلك الفقه نستقل بفكرنا ونُبدع كما يُبدع غيرُنا. فالغاية من هذا المشروع خلقُ فضاء نتفلسف فيه بتوجيه من رؤيتنا الخاصة، من هويتنا الخاصة، من حقائقنا وأوضاعنا ومشاغلنا، وانطلاقا من مفاهيمنا ومصطلحاتنا. وهذا يجعلنا لا " نتعولم" بمشيئة غيرنا، ولا نتشكل كما يُراد بنا.
فقديما نقلنا عن اليونان في مجالات التفلسف، ومنذ نهضتنا وإلى الآن ننقل عن الغرب. وأمام هذا الارتكاس في التقليد والتبعية، هيأ د. طه عبد الرحمن نفسه لمواجهة هذا الواقع المتأزم للفكر العربي، وقرر أن يفتح عهدا جديدا للممارسة الفلسفية في العالم الإسلامي والعربي، فاستنهض همته لوضع تصور يتجاوز به ما تقرر في مجال الفلسفة، منذ كانت. فهو يرى أن باب الفلسفة ظل مغلقا، وأن فتحه سيكون على يديه لأول مرة .
وجعل د. طه لفقه الفلسفة أركانا أربعة هي: الترجمة والتعبير والتفكير والسلوك [ صدر له ما يتعلق بالترجمة والتعبير]. وفقه الفلسفة، كما يقول:" يُفيد في العلم بالأسباب الموصلة إلى إنتاج الفلسفة". وذكر أنه انشغل في ممارسته الطويلة للفلسفة بالبحث عن الطريق الذي يوصل إلى تحصيل القدرة على الإبداع الفلسفي، وتبين له أن طالبي الفلسفة لم يسلكوا الطريق المؤدية إلى الإبداع؛ فانبرى لهذه المهمة قائلا:" فأردنا أن نَدُلُّهم على معالم الطريق الذي ظهر لنا أنه يوصلهم إلى مطلوبهم من غير تبذير للجهد ولا تبديد للزمن" .
وغاية مشروعه كما يقول: وضع أصول فلسفية بديلة، ووضع شروط تفلسف ذي نزعة تداولية.
(2) تأسيس رؤية نقدية إبداعية على مقتضى المجال التداولي الإسلامي لغةً وفكراً وعقيدةً، رؤية يتميز بها المتفلسف العربي في معترك الحضارة المعاصرة. رؤية تقوم على مراجعة المفاهيم ونقدها وإنشاء ما ينسجم مع ما يستشكله ويستدل عليه في مجاله الإسلامي العربي. إن من يقرأ كتب د. طه يتقرر لديه أن هذا الباحث كان هو مجدد الخطاب الديني في هذه المرحلة من تاريخ الفكر الإسلامي. وأنه خير من شخَّص فلسفة الواقع الغربي الحالي من خلال حداثته، وحين توارت الأصوات ارتفع صوته يطالب بالحق الإسلامي والعربي في الاختلاف، ويواجه صلف المرحلة بعتادها الحداثي.
(3) تقديم كيفية عملية وتطبيقية لإخراج المتفلسف العربي من مرحلة التقليد ودعوته إلى المطالبة بحقه في الاختلاف؛ إذ بذلك يتفلسف على مقتضى هويته، وهو بذلك يُدافع عن وجوده، ويتحرر من تصورات فلسفة غربية تتناقض مع كينونته وهويته، ويُسهم في إغناء التجربة الإنسانية.
وراح في مشروعه يهدم بمنطقه الصارم ما يراه يستحق الهدم؛ لأنه بُنِيَ – في تصوره – على غير أساس. وراح يُعيد البناء ويُقدم اجتهادات غير مسبوقة في هندسته وكيفية إقامته؛ انطلاقا من استيعاب المطلوب وتحليله من جميع وجوهه، وتشريحه وتقويمه على مقتضى ما صح عنده.
ود. طه عبد الرحمن قَدَّم في مشروعه ما به اتضح أنه يختلف عن غيره. ويُقرر في مشروعه أن قيمة الاختلاف بين فلسفات الأقوام، تُصان بها الجماعة البشرية وتتقوى، وخاصة حين يصبح ذلك الاختلاف بمثابة ميثاق فلسفي بين الأقوام؛ فيكون لكل قوم حقهم في التفلسف والاجتهاد في تحقيق ذلك الحق وإثباته. وقد حدد د.طه في كتابه: (الحق العربي في الاختلاف الفلسفي- ط1، 2002)، مظاهرَ الاختلاف وأسبابَه وما يَعترضه من تحديات.
(4) إنجاز وسيلة للتحرر من الفلسفة الغربية، أو قل إنجاز ذلك الاختلاف على أرض الواقع وبكيفية تطبيقية. وقد دعا المتفلسف العربي أن وسيلته في معركته في التحرر هي – على حد تعبيره - " أن يهيئ من الآن اختلافه الفكري، ويضع أصوله ويبني مناهجه؛ بما يجعل للأمة إسهاما متميزاً في هذا المعترك الفكري المقبل" .
(5) تقريب العلوم المنقولة إلى مجال التداول الإسلامي: وتقريبها يتم عن طريق" تخريجها على مقتضيات أصوله الثلاثة: اللغة والعقيدة والمعرفة" .

ب - كيف هيأ د. طه اختلافه الفكري ؟
أولا : من حيث الأصول والمنطلقات المعرفية
(1) تهيئ الاختلاف من داخل المجال التداولي الإسلامي، فالدكتور د. طه هيأ اختلافه من داخل المجال التداولي الإسلامي، فجدد صلة الآلة المنطقية بالفلسفة، وبسط نظرية تكاملية بناء على حقيقة التداخل بين المعارف الإسلامية. وظل يُؤسس لرؤية مغايرة لما تتطارحه الأقلام في مجالات الفلسفة؛ مما هو متداول في الساحة الفلسفية لدى الغربيين.
(2) تأصيل الرؤية الأخلاقية في الإسلام، فمشروعَه أساسُه الأخلاق؛ وهو أساس يفتقده الغرب في اندفاعاته نحو الحداثة بدون ضوابط أخلاقية. وتفتقده الفلسفات الغربية الحديثة بتصوراتها لعقلانية غير مشروطة، وتفتقده الدول التي ارتهنت لغيرها، وربطت مصيرها الفكري والحضاري بذلك الغير، وتفتقده الدول التي تتحدث عن تخليق السياسة والحياة العامة، بعد أن افتقدت تخليق الحياة الخاصة. والجواب الإسلامي عما تعانيه الحضارة المعاصرة من تأزم؛ هو- عند د. طه - الجواب الأخلاقي" لأنه ينبني على أساسا على ما جاء به دين الإسلام، وصلة الأخلاق بالدين لا يُنازع فيها إلا مكابر" .
(3) تأسيس الجواب الإسلامي في مواجهة الحداثة الغربية المعاصرة من خلال مفاهيم ذلك الجواب، ومسلماته، وأخلاقيته. ومقاصد هذا الجواب " أن يُسهم في إصلاح الواقع الكوني، بل في صنع كونية غير مفروضة من أمة قاهرة " . ويرى أن البث في مختلف المستحدثات الحضارية يُحتكم فيه إلى رأس المعايير التي يشتمل عليها الجواب الإسلامي، وهو " معيار الإيمان الملكوتي ومعيار التخلق التعارفي" .

ثانيا : ومن حيث المنهجية
1 – تحصيل تكوين منطقي خاص يتم بواسطته تأصيل مفاهيم فلسفية موصولة بالمجال التداولي الإسلامي، ومطبوعة بالقيم العملية التي تميز هذا المجال. ويتم ذلك كله من خلال" كتابة تزدوج فيها الفلسفة بالمنطق؛ باعتباره، المنهج الذي يوصلها إلى الحقائق التي تطلبها" . وقد لاحظ أن الساحة الثقافية، وما تعج به من نقاد في زماننا هذا، " تُعاني فقراً منطقياً مُدقعاً" ، ولا سبيل لديه لتحصيل ثقافة الحوار وثقافة النقد " إلا بتحصيل تكوين منطقي خاص" . وقرر أن الرافضين للمنطق " يوجدون خارج زمانهم بقرون عدة؛ وهل المنطق إلا علم أنتجته ولا تزال تنتجه عقول فائقة! وكم من علم لم يجد طريقه إلى الإنتاج إلا بفضل العدة المنطقية! وهل هناك معرفة لا تتوسل بالمنطق؛ تأسيساً وترتيباً وتبليغاً! بل متى استقام عقل وأفاد بغير منطق ارتاض عليه ابتداءً أو بواسطة" . وجعل د. طه المنهجية الأصولية حاضرة في إنتاجه حضورا بارزا، حين قال:" وما وجدتُ في جوانب المنهجية الإسلامية عموما، أصلحَ للقيام بهذه الصلة من المنهجية الأصولية؛ لما تتميز به من إبداع وتكامل وانفتاح" .
2 – ارتياضُه للمناهج المنطقية جعله يرتقي بالمفاهيم الطبيعية إلى رتبة المفاهيم الصناعية عن طريق الاستدلال بها، وجعلها مفاهيم مشروعة ومًنتجة؛ مما مكنه من" الاشتغال بصناعة التنظير على أصولها"، ومن" وَضْعِ نظريات محكمة، ووَضْعِ أنساق متسقة" .
3 – إبداع عتاد اصطلاحي مفاهيمي يمكن المتفلسف العربي من إنتاج خطاب فكري متميز ومستقل. وفي كتابه ( القول الفلسفي، كتاب المفهوم والتأثيل) قدم كيفية صناعة المفاهيم الفلسفية. يقول:" آن الأوان لكي نخوض معركة اصطلاحية نواجه فيها مصطلحات الفضاء الفلسفي المتهود بمصطلحات تدفع عنا شروط التهويد ( ...) فإن قوة الاصطلاح غدت لا تقل عن قوة السلاح" . ولاحظ أن الأمة الإسلامية تتعرض اليوم لاعتداء مفهومي اتخذ " شكل إلزام الأمة بمفاهيم مخصوصة الغرضُ منها إعادة صياغة عقول المسلمين وأخلاقهم، حتى يسهل قيادُهم، سعياً وراء إفساد عاداتهم وطباعهم أو الاستيلاء على ثرواتهم ومقدَّراتهم أو الابتزاز لحكامهم بعد أن زُكِّيَ لأمد طويل ظلمُهم" .
وقدم في كتابه الحق الإسلامي في الاختلاف الفكري نماذج حاسمة من أساليب ما أسماه الاعتداء المفهومي؛ إسهاما منه – كما يقول – " في دفع التحديات المفهومية التي تواجه أمتنا المسلمة؛ لكي تجد طريقها إلى فكر مستقل مبدع (...)؛ وأفضى بنا التفكير إلى أن نجهز أنفسنا لجهاد مفهومي في ساحة الفكر الفلسفي" .
4 – الجرأة في استثمار ما تقرر في مجال الفلسفة بما ينسجم مع المجال التداولي الخاص؛ وذلك بنقد المفاهيم وتصحيحها، وتوجيهها توجيها إسلاميا يضاهي به الباحث ما لدى الآخرين من تصورات. ففي كتبه عامة تجده ينقد العقلانية الغربية، ويبين مظاهر النقص التي تشوبها، وما فهمه المنظرون لها من أهل الإسلام. وتجده يقوّم تلك الحضارة على مقتضى عقيدته الإسلامية بنفس عزيزة تأبى الخنوع لغير صوت الوحي، وبكبرياء العالم المتمكن من أدواته الفكرية والمنهجية، فتراه في مواقفه كلها صَلبا لا يلين ولا يستكين، ولا يتخاذل فيما يؤمن به ويدافع عنه بقوة أهل اليقين.
5 – اعتماد ما أسماه" التأليف الاجتهادي": ظل هاجس الإبداع لا يُفارقه وهو يؤسس لمشروعه الفكري، وظل طموحه لا يحده مدى في أن يأتي بما لم يُسبق إليه في مجال المعرفة، فاختار في بناء منهجية تأليف بحوثه على ما أسماه" التأليف الاجتهادي"؛" إذ سعينا – كما يقول – إلى أن نجئ فيها بشكل أو بآخر بما لا نكون معه مقلدين ولا ناقلين ولا الشارحين، بين اختراعٍ لمفاهيمَ وتوليدٍ لمصطلحات، وبيانٍ لفروق، وإنشاء لدعاوَى وصوغٍ لمبادئ، ووضعٍ لقواعدَ، وترتيبٍ لقوانينَ، وتدليلٍ على مسائل واستخلاصٍ لنتائج، وتصحيحٍ لآراء وإيرادٍ لِشُبَهٍ، وقِسْ على ذلك نظائرَه" .
ولا تتأتَّى هذه الصورة لمنهجية التأليف إلا عند المجتهدين، وحبذا لو قامت حركة التأليف عندنا على هذه الصورة من الاجتهاد: على اختراعٍ لمفاهيم، وإنشاءٍ لدعاوَى، وصَوْغٍ لمبادئ، ووضعٍ لقواعد، وترتيبٍ لقوانين...

جـ – فكيف الخروج من التبعية والتقليد ؟
1 – بفتح عهد جديد في الممارسة الفلسفية، أي بوضع فلسفة عربية حية خالية من آفات ثلات: التغريق والتغريب والتهويد. أي إيجاد أصول فلسفية تختلف عن أصول الفلسفة المنقولة. فلسفة تتجدد بها صلة العبد بربه، وهو أمر لم تقم عليه فلسفة من قبل. فلسفة تُكسب المتلقي لها القدرة على الإبداع. ولا يتم هذا الفتح إلا بتحرير القول الفلسفي من الأساطير التي علقت به .
2 - بتجديد الفكر الديني الإسلامي على مقتضى تراثه وواقع الأمة التي تدين بدين الإسلام وآفاق هذه الأمة في المستقبل. وبإثبات الحضور الإسلامي في معترك الحياة المعاصرة؛ حضوراً به تتجدد به هوية الأمة، وتثبت به كينونتها وتتقوَّي به فُتُوَّتُها أمام التحديات المعاصرة؛ حضوراً يقوم على الالتزام بمنهج الله تعالى في الحال والمآل. كما تتقوَّى به في مواجهة الحداثة الغربية وهي مواجهة لا تتم إلاَّ بفهمها واستيعاب آلياتها .
3 – بالقدرة على التصرف في المنقول، فالتفلسف الحي عنده" يتميز بالتصرف في المنقول الفلسفي؛ صورةً ومحتوىً، كما يتميز بإسناد الوصف الفلسفي لما قد يُخالف هذا المنقول؛ إنْ في إشكالاته أو في استدلالاته" . ويلاحظ القارئ لمشروعه أنه كان له اقتدار حقا على" استثمار المنقول بما يُغير أوصافه وأحواله" .
4 - بإزالة عائقيْن: عائق الترجمة، وعائق تصور القول الفلسفي. ولإزالة هذين العائقين وضع القاعدة الأولى من ( فقه الفلسفة ) لتأصيل نظرية في الترجمة. والقاعدة الثانية للكشف عن تعايش العبارة والإشارة في القول الفلسفي.
5 - بعودة العقل إلى كماله، حين لا يتنافى مع الغيب، وحين يتحرر الإنسان من غفلته ويتحرر من سيطرة ضلالاته وغرائزه، ويُدخل في سعادة العبودية لرب العباد. ومن هنا يتم تأصيل برنامج إسلامي عربي من خلال رؤية نقدية واعية ودقيقة.
6 - بالدعوة إلى حضارة الفعل، والحد من هيمنة القول على الفعل. أن يتحد النظر بالعمل، وأن ترد النفوس مورد الربوبية فتصدر عنها مظاهر التجديد. وعليه يتم ربط السلوك بالممارسة الفلسفية، أي الاحتكام إلى الأفعال في مقابلتها بأبنية العقل المجرد.
7- بمواجهة الآفات الخلقية لحضارة الغرب الحديث بالكشف عن خلفياتها، وعرض مفاهيمها على معيار الآلة المنطقية بما يخدم الحقيقة. وبمواجهة تلك الخلفيات بقيم أقوم.
8 - بمواجهة صريحة للذين يخاصمون الحقيقة الدينية ممن انبهروا بحداثة الغرب.
9 – باستنباط روح الإسلام إذ فيه تتمثل روح الحداثة التي تنشدها الإنسانية، وبه تتسع آمالها في الحياة، ومن خلاله يستعيد المسلمون عزتهم، ويتحملون ما أناط الله تعالى بهم من مسؤوليات.
10 – بتحقيق الإبداع في قراءة القرآن، فقد تقرر لديه " أنه لا دخول للمسلمين إلى الحداثة إلا بحصول قراءة جديدة للقرآن؛ ذلك أن القرآن، كما هو معلوم، هو سر وجود الأمة الإسلامية وسرُّ صُنْعِهَا للتاريخ".

رابعا: مظاهر التجديد في مشروعه
يحس كل من يقرأ كتب د. طه عبد الرحمن أنه أمام فيلسوف يؤسس لمرحلة جديدة من تاريخ الفكر الإنساني، فيلسوف مسلم يواجه مرحلة عصيبة ودقيقة من تاريخ الإسلام بمفرده، وبعزيمة لا تُقهر ولا تلين، وبتحدٍّ قلَّ نظيرُه، وبطاقة متجددة باستمرار. يُريد أن يُصحح المسار الفكري، أن يُجدد ويجتهد ويُقدم البديل، ويُحدد الكيفية التي يتم بها إنجاز هذا البديل؛ فيؤصل المفاهيم ويُصنِّع المصطلحات، ويواجه فلاسفة الشرق والغرب، ويرمي فلاسفة العرب بالعقم والتقليد والتبعية لغيرهم، وينتقد المفاهيم المقررة في عالمنا المعاصر: الفلسفة، العقلانية، الرشدية، الأخلاق، الترجمة، الحداثة …
ظل د. طه عبد الرحمن يُحارب على جميع الجبهات، غايتُه أن يُزيل الأوهام ويوقظ الأرواح ويجعل الإسلام دين المستقبل، ويجعل الفكر الإنساني ينفعل بالتخلق أي بالتدين. ويُمكن القول – عموما – أنه يأتي في كل ما يّذهب إليه برؤية مغايرة في المنطلقات والتصورات والمفاهيم والمصطلحات، ويُقدم نموذج ما يُضاهي به أفكار الآخرين. وستظل كتبه من الأسس التي تُعين على معرفة الكيفية المنهجية التي يمكن أن نفكر بها، ونجدد ونبدع ونحارب التبعية والتقليد فينا.
ومن مظاهر التجديد التي يمكن الوقوف عندها:
(1) وضْعُه لفلسفة الحوار، فقد جعله الأصل في كل كلام، وجعله طريقا في بناء الإقناع والتعقل والاجتهاد. وجعل كل حوار يقوم على الاختلاف. وحدد في كتابه ( الحق العربي في الاختلاف الفلسفي ) خصائص الاختلاف وضوابطه. وجعله من أسس بناء الجماعة الإنسانية، عليه يقوم الميثاق بين شعوبها، وبه يتجدد الشعور بالمسؤولية بين الأقوام ( يصرف عنها الخلاف والفرقة، ويضمن لها الوفاق والألفة والانسجام ).
(2) وضعه لـ" فقه الفلسفة" باستخراجه لعلم غير مسبوق. وشعورا منه بقوة إحساسه بالسبق فيما أتى به، وانتهى إليه؛ نجده يقول:" إن من يدعي الإتيان بحقيقة ما عنده داخل علم مقرر لا يَسلم من شديد الاعتراض؛ إن لم يُواجَهْ بالقَدْح والمناهضة من لدن من غابت عنه آداب المناظرة، فما بالك بمن يدعي وضع أصول علم ادَّعاءً !" .
وهو يصف الحداثة الفلسفية بالجمود لأنها توجب الاندماج الكلي في العصر الفلسفي على مقتضى ما قرره الغير في التفلسف .
(3) الاستقلال عن المناهج السائدة والإتيان بما يُضاهيها من حيث الفعالية والإجرائية واصطناع ما يُقابلها، أو يُسعف على تعديلها إما بالحذف أو الإضافة. وقد تأتَّى له ذلك بتحصيله لمعرفة كاملة بالمناهج القديمة والحديثة على السواء. وهو يتهم المتفلسفة العرب في الوقوع في فلسفة منغلقة لأنهم يخوضون في نفس المشاكل الفكرية على نفس الأشكال المنهجية . وهو يدعو إلى الاختلاف في زمن هيمنة القطبية الواحدة، ويدعو إلى الوقوف في وجه الفلسفة العالمية المفروضة، ومناهضة تلك الفلسفة المتسلطة على عقول متفلسفة العرب.
(4) إنشاء نظرية تكاملية للتراث في كتابه ( تجديد المنهج في تقويم التراث – ط1، 1994). خالف بها المتداول من أعمال تقويم التراث وواجه بها الانقلاب في القيم بين المشتغلين بالتراث الإسلامي، من أصحاب المناهج والمشاريع في قراءة ذلك التراث، وممن دعاهم بدعاة الانقطاع عن التراث.
وقال إنه نحا" في تقويم التراث منحى غير مسبوق ومألوف" . وأنه وَسَّع مناهج النظر في التراث، وفَتَحَ آفاقا غير مرتادة.
(5) وضع مشروع لفلسفة إسلامية انطلاقا من ثوابتها ومنهجيتها، فلسفة تستقل برؤيتها وبمجالها التداولي، وتضاهي في بنائها المعرفي والمنهجي الفلسفة الغربية الحديثة. فلكل فلسفة قوميتها وسياقها التاريخي اللغوي الفكري.
(6) وضع نظرية للترجمة تأصيلية، توصيلية، تعبيرية، وحقيقتها:" لا يُنقل من النص الأصلي إلا ما يُناسب الأصول التداولية التي يأخذ بها المتلقي؛ موليا أبلغ عنايته لما جاء فيه من عناصر يتجلى فيها كمال التفلسف، ومتبعا طريق الاختصار في العبارة … " .
ونبه في إطار هذه النظرية في الترجمة إلى الإشارية في القول الفلسفي، وأنه يجمع بين العبارة والإشارة على وجوه مختلفة.
(7) محاولة وضع نظرية أخلاقية تجعل الإسلام هو دين المستقبل. فقد قدم صورة لمفكر صاحب رؤية حضارية مستقبلية، يرى من خلالها دور المسلمين في النهوض بالأخلاق، ويُحملهم مسؤولية تاريخية في أن يصبح الإسلام دين عالم المستقبل .
والباحث من المتفلسفين القلائل الذين بشروا بتحقق عالمية الإسلام، وبتحقق ما أسماه العقلانية الميثاقية، وربط العالم بأفق الألوهية. وغاية د. طه أن يعود الإسلام كما كان" قويا في حضوره، ومبدعا في عطائه " .
(8) نقد مقومات حضارة الغرب الحديث، ومواجهة عولمتها؛ بالكشف عن الأسس التي تقوم عليها، والأساطير التي تنبني عليها. في كتابه سؤال الأخلاق انتقد الحضارة الغربية ووجد أن فاعليتها لا تنضبط بأخلاق؛ فهي حضارة ظالمة ناقصة متأزمة متسلطة، كما أن حداثتها نبذت الدين والأخلاق من منظومتها الفكرية. وعقلانية تلك الحضارة غيبت الأخلاق في العلم ولم تهضم حقيقة الغيب؛ فصارت المعارف بدون مقاصد. وبهذه العقلانية استنجد أهل الحداثة من المفكرين العرب، واتخذوها آلية للنهوض بواقعهم في عالمهم الإسلامي.
ولا أعرف باحثا تجرّأ فكريا على حضارة الغرب بهذه الصورة، راح يُفكِّك بناءها النظري ويُعيد تركيبه، ويتلاعب بمقولاتها كما يشاء بروح نقدية صارمة افتقدناها في عالمنا الإسلامي العربي. نظر في أسسه تلك الحضارة فأقام عليها عمليات تحويلية، فوجدها مزيفة في كل ما تدعيه لنفسها، وسخِر ضمنيا من المنبهرين بذلك البناء النظري. وقد انتقد رواد التبعية لها ممن ( يتعولمون ) حول حداثة الغرب، ويمشون في ركابها، لا يتخلفون عنها قيد أنملة، وهم يتباهون بفهم مقولات أساطينها ولا يخفون جهلهم بحقيقة تلك المقولات.
(9) دعوة العالم المعاصر إلى حداثة الإسلام، والإقلاع عن أوهام واقع الحداثة الغربية، فقد كشف آفات العولمة التي انتهى إليها واقع الحداثة الغربية، وأناط بحداثة الإسلام درء هذه الآفات. وقال:" لا عاصم اليوم من طوفان العولمة إلا بسفينة الوحي الإلهي" ، وانكشف لديه أن لا حداثة بغير اعتناق الإسلام، ولا درء لآفات العولمة إلا بالإسلام، وقال:" إن الدين الذي يقدر على قهر العولمة هو دين الإسلام" ؛ ومن هنا قرر د. طه أن العولمة حقيقة إسلامية بالنظر إلى الزمن الأخلاقي، أي زمن القيم، وأن مسؤولية المسلمين في زمن الحداثة أعظم من أي وقت مضى. واتضح لديه " أنه لا دخول للمسلم إلى الحداثة من غير تجديد قراءته للقرآن" .

خامسا: لماذا المواجهة وحق الاختلاف ؟
(1) لأن الحضارة الغربية الحديثة انتهت إلى قطبية واحدة تفرض زعامتها على أهل الأرض بصلَفٍ وكبرياء وعُنجهية، وأصبحت تعتبر غير أهل القطبية قطيعا بشريا تقوده بعجرفة وبدون قيم إنسانية. ووجد الباحث أن مستقبل هذه الحضارة سوف يشهد حَدَثَيْن :
" أحدهما انهيار النظريات الأخلاقية والأنساق المعيارية والدساتير السلوكية الكبرى التي كانت إلى حد الآن توجه الحضارة الغربية، فيتسبب ذلك في فراغ أخلاقي لا يُحتمل؛ والثاني: ازدياد الهروب إلى الحياة الخاصة باعتبارها الفضاء المتميز لممارسة الحرية الفردية …" .
مشروعه ثورة على الفلسفة العالمية المفروضة، وتسفيه لما تدعيه من عالمية، حين تريد أن تهيمن بمنظورها الفلسفي الواحد. ثورة على الفلسفة الغربية الحديثة؛ بهدم مقولاتها التي استعبدت التابعين لها وبالكشف عن حقيقة العقلانية فيها، وهدم مزاعم الحداثة التي ملأت الدنيا وشغلت الناس. ولم يكتف بذلك بل عمل في كتابه ( الحق العربي في الاختلاف ) على بيان ما يكتنف الفلسفة من أساطير، وما تنبني عليه من رؤية يهودية. فقد لاحظ أن" الفلسفة الكونية التي يُنتجها النظام العالمي الجديد (...) فلسفة قومية مبنية على أصول التراث اليهودي" .
ويمكن اعتبار هذا المشروع رفض للقيم الغربية الحديثة، وإقامة لكينونة إنسانية تنشد قيم الحق. أما العالم الإسلامي فلا يمكن له أن يستقل بفكره ما لم يخرج من الوصاية التي تُمارسُها عليه الحداثة.
(2) وقوع أهل الإسلام في براثن الحضارة الغربية الحديثة، وذوبان القيم الدالة على خصوصيتهم فيها. فمشروعه مناهضة لتسلط فلسفة الغرب على الذين يشتغلون بالفلسفة من العرب، ودعوة لهؤلاء أن يُنجزوا حقها في الاختلاف. فقد لاحظ أن أمة الإسلام تتعرض، منذ نهاية القرن العشرين، لتحديات تستهدف وجودها وعقيدتها وقيمها. وهذا ما يزداد حِدَّةً يوماً بعد يوم.
حضارة الغرب المعاصر أصبحت ديار الإسلام في قبضتها، وهي اليوم تراقب البيت العتيق بـ" راداراتها "، وتسعى أن ترسم سياسات البلدان الإسلامية والعربية على مقتضيات أهوائها ومصالحها، أما أهل ديار الإسلام فكثير منهم يُسارعون إلى تقليدها والتشبه بكل ما يعتريها من تحولات، وينتابها من تقلبات. لقد أصبحت حضارة الغرب عقيدة حديثة يتمسك أهل تلك البلدان بقيمها، ويستبدلون قيمهم بقيمها، ويتشكلون بالصور التي ترضي تلك الأهواء والمصالح. وأهل ديار الإسلام استلذوا الشهوات التي تمطرهم بها حضارة الحداثة، فهم لا يستطيعون عنها فكاكا. وتراهم قد استحبوا العبودية لشهواتهم وملذاتهم.
(3) ظاهرة التهافت على حداثة الفكر الغربي والتهالك عليها، والدخول إلى الحداثة تحت رايته، وبتأثير من توجيهاته. مع التعويل على ذلك الفكر في كل حركات الحياة. وهي فترة بلغ فيها المد العلماني منتهاه، وكشر فيها الإلحاد عن نابيه، وصار علامة على الرقي الفكري والموقف الثوري. وانفجرت فيها الكتابة حول مفاهيم الحداثة. وبدأ الإبداع العربي يتشكل وفق التقاليع النقدية في الغرب وأضحت فيها المناهج سُحُباً عابرة، يجتمع حولها الناس ثم ينفضون في انتظار ما تجود به قرائح غيرهم. ولعل أهم ما أثار الباحث في مشروعه ما لاحظه من طغيان التقليد في حركة الحياة في عالم الإسلام، وما لامسه من تأثيرات الفكر الفلسفي الغربي في مسار الفكر الإسلامي العربي المعاصر. ورأى أن المنتسبين إلى ملته قد تقطعت بهم الأسباب فانقطعوا عن قيمهم وصاروا قُطعاناً يزحفون على أرض جرداء.
والواقع أن كثيرا من المفكرين العرب تعاملوا مع الفكر الغربي باعتباره النموذج للفكر العلمي، وسعوا بكل الوسائل إلى إقناع بني جلدتهم بهذه الفكرة. وظلوا يضعون الحواشي تلو الحواشي على مجموعة كتب ومقالات شكلت لديهم مرجعية الحداثة.
(4) واجب المسؤولية أو النهوض بما ينبغي أن ينهض به كل مسلم مسلم، فقد أحس د. طه عبد الرحمن بوطأة المسؤولية، فهو – مثلا – قد رأى مسارا معكوسا في تقويم التراث، وأحس بواجب التنبيه على ما ظهر فيه من التمويه . فواجه دعاة الانقطاع عن التراث، وصار – كما يقول – إلى مقابلة الهدم بالبناء. فظل في أعماله يدعو إلى النهوض بتصحيح الرؤية الإسلامية، والالتزام بمنهج الله تعالى في الاستدلال على الحقائق. وراح يُنشئ أصول الإبداع المعرفي في عالم الإسلام في المرحلة الراهنة.
فما عسى أن يفعل المفكر المسلم العربي أمام هذا الوضع، ما هو واجبه نحو الأمة التي ينتمي إليها ؟

سادسا: مشروع جِرِّيءٌ إلى أبعد الحدود
من تجليات هذه الجرأة:
(1) نزع الهالة عن الفلسفة ووضعها على مشرحة الفقه الفلسفي، فقد كشف الباحث في أعماله عن الأساطير التي حيكت حول الفلسفة وأخضعها للدرس شأن بقية الظواهر الطبيعية. يقول:" يتعين علينا أن ننظر في الفلسفة كما ينظر العالم في الظاهرة رصداً ووصفاً وشرحاً " .
وضع الباحث حداً لما ألصق بالفلسفة من ادعاءات وأساطير خلال تاريخها الطويل العريض.
(2) رميُه للفلسفة الغربية بالتهويد، فهو لم يكتف بتحجيمها ورفع هالة الاغترار بها، بل اعترض على كونيتها والقول بعالميتها ونبه إلى ما تناقلته الأقلام حولها من أوهام العظمة، وما تسرب من خلال تلك الأوهام إلى عقول الناس، وما بثته من تهويد في الفكر الغربي الحديث. وذهب إلى أن المتفلسفة العرب المعاصرين لم ينتبهوا إلى وجود التهويد في الفلسفة الحديثة. ودليله أن " ما يُنجز في البلاد العربية في الوقت الراهن (...) يدور كله على نفس الاستشكالات والاستدلالات ونفس المسلمات والنظريات التي يتضمنها الفضاء الفلسفي العالمي المزعوم" . وهو ينفي دعاوى كونية الفلسفة والقول بعالميتها إذ الفلسفة جزئية تتعلق بفئة من الفلاسفة في وسط ثقافي خاص، كما ترتبط بسياق تاريخي خاص. ومن يلاحظ اليوم كيف تصهين العالم يُدرك كيف تهودت الفلسفة الغربية الحديثة.
(3) رميه للمتفلسفة العرب بالعجز عن التفلسف ووضعه لأصول منهج على مقتضى ما تدعو حاجة الذات الإسلامية إليه. فهم عاجزون عن التحرر من المناهج الغربية، وعن القدرة عن الإتيان بما يُقابلها. وهكذا نجده ينزع هذه القدرة عن متفلسفة العرب، قديمهم وحديثهم، ولا ينتهي من وصمهم بالتبعية لغيرهم والكشف عن فشلهم في التفلسف على مقتضى تراثهم وهويتهم وواقعهم. وهو بهذا يهدم كثيرا من المشاريع والمناهج والأسماء.
ويكاد يكون مشروعه حربا على الفلسفة التي أقبرت الوجود العربي حين كبلته بتقاليها؛ فتفسخ وجوده في وجودها. وتَصوَّرَ الفلسفة عندنا جثةً هامدةً، فاندفع، كما يقول" في تشريح هامد جثتها، حتى نعلم بأسباب موتها فينا، عسى أن ينهض الناهضون بعبء إحيائها(...) فلسفة تكون أصولها مركوزة في تاريخنا لا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
omar tarouaya
من قدامى المحاربين
من قدامى المحاربين
omar tarouaya


عدد المساهمات : 649
التقييم : 24
تاريخ التسجيل : 30/11/2010
العمر : 34
الموقع : في قلوب الناس

نظرة في المشروع الفكري للدكتور طه عبد الرحمن..عباس أرحيلة  Empty
مُساهمةموضوع: رد: نظرة في المشروع الفكري للدكتور طه عبد الرحمن..عباس أرحيلة    نظرة في المشروع الفكري للدكتور طه عبد الرحمن..عباس أرحيلة  Emptyالثلاثاء يونيو 21, 2011 1:43 pm

شكرا أستاذ على هذا الموضوع القيم حو ل أهم الشخصيات في المغرب " طه عبد الرحمان " الذي أنصب إهتمامه كثيرا حول واقع الإسلام في ظل هيمنة الغرب علينا في كل المجالات . والحديث عن الحداثة بمفهومها الإسلامي . والشيئ الجميل عند هذا الشخصية هو أن كلامه مزيج بين المنطق والبلاغة وتمكن من اللغات الثلاث كماهو مذكور في المقال : العربية - الفرنسية - الإنجليزية . مما جعله يزاحم كبار الشخصيات في كل أقطار العالم العربي و الإسلامي. جزاك الله كل خير أستاذ على إهتمامك بهذه الشخصيات . والتي هي في الحقيقة إن جا معاتنا في الجزائر تفتقر ملتقيات وندوات و أيام دراسية حولهم . وأصبحنا نصرف أموال طائلة على مفكرين من فرنسا . وبلدان أخرى غير عربية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أحمد أمين
المدير العام
المدير العام
أحمد أمين


عدد المساهمات : 1016
التقييم : 25
تاريخ التسجيل : 02/09/2010
العمر : 39

نظرة في المشروع الفكري للدكتور طه عبد الرحمن..عباس أرحيلة  Empty
مُساهمةموضوع: رد: نظرة في المشروع الفكري للدكتور طه عبد الرحمن..عباس أرحيلة    نظرة في المشروع الفكري للدكتور طه عبد الرحمن..عباس أرحيلة  Emptyالثلاثاء يونيو 21, 2011 1:59 pm

الشكر لك عمر على التدخلات القيمة التي تقدمها ، لو تكلمنا على الدكتور طه عبد الرحمن فلا يجب التوقف أبدا لأنه شخصية أستنطقت أشكاليات النهضة و عرفت مكامن الضعف و سعت بقلمها و فكرها أن تبحث لنفسها عن منفذ قد يكون منارتا تضئ للمسلمين طريقهم و تنتتشلهم من غياهب الظلام و التخلف ، أن أ ي مفكر عربي الأن لا يشغل باله سوى أشكالية النهظة لأننا حقا بقينا و لي مدة طويلة جدا قاربت القرنين من الزمن لا نستطيع أنتاج شخصية تظاهي : ابن رشد أو أبن خلدون . إنها مشاريع حظارية كثيرة لمفكرين بارزين : حسن حنفي ، عابد الجابري ، طه عبد الرحمن و لكن كلها لم تلقى الإهتمام وبقت كل أفكارهم حبيس كتبهم المرمية على حواف الطرقات ورفوف المكتبات لا يقرأها سوى خاصة الخاصة من المهتمين أو الفضولين أو المظطرين ، نحتاج إذن الى أعادة تهيئة لهذا العقل و إعادة صقل لهذه المواهب من أجل حثها على النهوض و لن يكون ذلك إلا بالقرأة و القرأة فقط ، لأن الذي يقرأ لن يظل طريقه أبدا .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
omar tarouaya
من قدامى المحاربين
من قدامى المحاربين
omar tarouaya


عدد المساهمات : 649
التقييم : 24
تاريخ التسجيل : 30/11/2010
العمر : 34
الموقع : في قلوب الناس

نظرة في المشروع الفكري للدكتور طه عبد الرحمن..عباس أرحيلة  Empty
مُساهمةموضوع: رد: نظرة في المشروع الفكري للدكتور طه عبد الرحمن..عباس أرحيلة    نظرة في المشروع الفكري للدكتور طه عبد الرحمن..عباس أرحيلة  Emptyالثلاثاء يونيو 21, 2011 5:51 pm

والله عيب كبير : أمة نزلت عليها سورة " إقرأ" ولكن لا تقرأ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أحمد أمين
المدير العام
المدير العام
أحمد أمين


عدد المساهمات : 1016
التقييم : 25
تاريخ التسجيل : 02/09/2010
العمر : 39

نظرة في المشروع الفكري للدكتور طه عبد الرحمن..عباس أرحيلة  Empty
مُساهمةموضوع: رد: نظرة في المشروع الفكري للدكتور طه عبد الرحمن..عباس أرحيلة    نظرة في المشروع الفكري للدكتور طه عبد الرحمن..عباس أرحيلة  Emptyالأربعاء يونيو 22, 2011 1:38 am

يعرف أحد المستشرقين العرب في سياق الإجابة على سؤال حول مفهوم العرب " العرب مجرد ظاهرة صوتية "
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
نظرة في المشروع الفكري للدكتور طه عبد الرحمن..عباس أرحيلة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» المشروع الفكري لعبد الله العروي
» ملخص اللقاء الفكري مع " فيليب بيتجن "
» ملخص اللقاء الفكري مع محمد شوقي الزين.
» روجيه غارودي .. قرن في الميزان ... عباس بيضون.
» تهاني للدكتور محمد شوقي الزين

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: ๑۩۞۩๑ منتدى الفكر والفلسفة ๑۩۞۩๑ :: الفلسفة الإسلامية-
انتقل الى: