أما بالنسبة لدراسة أرسطو للغة فقد كانت مهمة بقدر أهمية المنطق عنده لأن المنطق يعتمد اللغة وكلما كانت التقسيمات اللغوية دقيقة كانت الأحكام المنطقية دقيقة أيضاً ، ولهذا لم تكن دراسته للغة دراسة لغوية خالصة (بل كانت جزءا من المنطق والفلسفة ، لذلك أنه تحدث عن أقسام الكلام لأنها ترتبط عنده بالقضية ، فكل قضية تتكون من اسم وفعل ورباط ، وكما ترتبط اللغة عنده بالمنطق ، لأنها وسيلة تعبيرية لا بد منها في التصور والقياس ومن أجل ذلك كانت دراسة اللغة عند ارسطو وسيلة لغاية فلسفية في دراسة الفكر الإنساني لأن في دراستها تحديداً للمفهومات المنطقية ، ومثل هذه الدراسة تختلف عن دراسة علماء اللغة ، والتي تقوم على ملاحظة العبارة في ظواهرها الشكلية والمعنوية ، أنهم يدرسون اللغة للغة ، أما هو فيدرس اللغة للفكر).
لم يكن كتاب المقولات وكتاب العبارة هما الكتابان اللذان درس فيهما أرسطو اللغة فحسب بل نجد بعض المباحث اللغوية في كتب أرسطو الأخرى وخاصة كتاب الشعر وكتاب الخطابة ، وهكذا نجد مباحث أرسطو اللغوية موزّعة على مجموعة من كتبه وليست مقتصرة على كتاب المنطق المتعارف عليها.
أعتقد بعض الباحثين أن تقسيم أرسطو للكلام كان ثلاثياً إلى ( أسم . وكلمة . ورباط أو حرف) وهو عينه التقسيم العربي ، ولكن هذه مغالطة ،إذ وجدنا أن أقسام الكلم قبل أرسطو كانت أكثر من هذا العدد كما مر بنا ، إذ أن السفسطائيين قسموا الكلام إلى خمسة أقسام ، فكيف يرجع بها أرسطو إلى ثلاثة وهو المتأخر عنهم وهو الذي أغرق في التفصيلات. فأقسام الكلم عنده هي (الحرف والمقطع والرباط والاسم والفعل والتصريف والكلام) لا ثلاثة فقط.
تكلم أرسطو عن الاسم في كتاب العبارة فقال (وهو لفظة دالة بتواطؤ ، مجردة من الزمان وليس واحد من أجزائها دالا على انفراده ، وذلك أن (قالبس) إذا انفرد منه (أبس) لم يدل بانفراده على شيء ، كما يدل في قولك : قالوا س أبس أي فرس فاره ، وليست الأسماء المركبة كالحال في الأسماء البسيطة وذلك أن جزءاً من الاسم البسيط ليس يدل على شيء أصلاً ،وأما الاسم المركب فمن شأن الجزء أن يدل على شيء ، ولكن ليس على انفراده.
فأما قولنا (بتواطؤ) فمن قبِلَ أنه ليس من الأسماء اسم بالطبع إلا صار دليلاً ، فأن الأصوات أيضاً التي لا تكتب نجدها تدل على شيء ، مثل أصوات البهائم ، إلا أنه ليس شيء منها أسماً.
واما قولنا : لا إنسان فليس باسم ولا وضع له ايضاً اسم ينبغي ان يسمى به ، وذلك أنه ليس بقول و(لا) سالبة فليكن أسماً غير محصل).
وهناك أنواع للاسم ذكرها أرسطو في كتاب الشعر وهي في قوله (وأنواع الاسم هي الاسم البسيط وأعني البسيط ما لم يكن مركباً من أجزاء دالة ، مثل أرض ، والاسم المضاعف ومنه ما يتركب من جزء دال وجزء غير دال ، كما أن منه ما يتركب من جزئين دالين وقد يكون الاسم ثلاثي الأجزاء أو رباعي الأجزاء أو كثير الأجزاء).
وهناك ميزة أخرى للاسم إضافها أرسطو وهي أن الاسم عنده يطلق فقط على الاسم المرفوع أما ما كان منصوباً أو غيره فهو حالة وليس اسماً حقيقاً إذ يقول شارحاً ذلك (فأما إذا نُصب أو خُفض أو غُيّر تغييراً مما أشبه ذلك فليس يكون أسماً ،و لكن تصريفاً من تصاريف الاسم).
أما الفعل فهو الذي يدل على حدث وزمان معاً فهو مشروط عند أرسطو بدلالته على الحاضر فقط وإذا لم يدل على الحاضر ، وكان يدل على الماضي او المستقبل فهو ليس بكلمة بل هو تصريف أو حالة من حالات الكلمة. إذ يقول (قولنا (صح) الذي يدل به على زمان المضي ، أو( يصح) الذي يدل به على الزمان المستأنف ليس بكلمة ، ولكن تصريف من تصاريف الكلمة. والفرق بين هذين وبين الكلمة أن الكلمة تدل على الزمان الحاضر).