عبد النور شرقي محارب
. عدد المساهمات : 390 التقييم : 18 تاريخ التسجيل : 23/09/2010
| موضوع: عن ثقافة الالتباس في الإسلام الخميس يناير 05, 2012 12:44 pm | |
| مداخلة صوتية عبر النــات تقدم بها الأستاذ رشيد بوطيب يوم 2011/11/21 تحت اشراف فضاءات فلسفية ... الصفحة مشاركة بمشاريع الرابطة العربية الاكاديمية للفلسفة و بالتنسيق مع اللقاء الالكتروني لـ : شباب "فكر التنموية" الرياض، السعودية وهذه ورقة المداخلة مكتوبة
عن ثقافة الالتباس في الإسلام
رشيد بوطيب 1ـ مقدمة: عن مفهوم "التسامح مع الالتباس" "ثقافة الالتباس، تاريخ آخر للإسلام"،عنوان كتاب عالم الاسلاميات الألماني توماس باور الصادر مؤخرا عن دار الأديانالعالمية في برلين، وهو الكتاب الذي ستتمحور حوله كلمتي وإن كنت سأعرج على كتبأخرى، لكن فقط لأجل الاقتراب أكثر من كتاب باور وأطروحته المركزية. دعوني أبدأأولا من عنوان الكتاب. إن أول شيءيستوقفني ولربما يستوقفكم أيضا هو كلمة الالتباس التي درجنا على استعمالها بشكلسلبي، فما هو ملتبس، هو بالضرورة غير واضح وبالتالي يتوجب معالجته وتحريره منالتباسه. ومع ذلك فنحن نعيش، في أغلب الأحيان عن غير وعي، حياة ملتبسة بامتياز،لأن الالتباس في أحد معانيه هو أن يعيش بداخلنا أكثر من شخص، وأكثر من حقيقة وهوأن نعيش التناقض ونأنف من اتخاذ قرارات نهائية. إن التسامح مع الالتباس كما تشرحهعالمة النفس الأمريكية الألمانية الأصل[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] إيلزه فرينكل برونشفيك في أربعينيات القرن الماضي هو قبول واحتفاء بالتعدد.وهي تؤكد بأن الأشخاص الذين يرفضون الاعتراف بتقلبهم العاطفي يتصفون بنوع مناللاتسامح مع الالتباس على المستوى المعرفي. لتخلص إلى أن الأمر يتعلق بمتغيرينأساسيين للشخصية تنعتهما بالتسامح واللاتسامح مع الالتباس، فالشخصية غيرالمتسامحة مع الالتباس تميل الى منطق الأبيض والأسود، وتنتهي إلى أحكام سريعةونهائية، وغالبا في ظل إغفال للواقع، كما تميل الى رفض أو قبول الناس الآخرين بشكلحر من الالتباس ولا أساس له. ولهذا لا عجب أن تجمع برونشفيك بين العنصرية وعدمالتسامح مع الالتباس، وقد نشرت نتائج بحثها أيضا في الكتاب الذي أصدره أدورنووآخرون في أمريكا تحت عنوان: "الشخصية المتسلطة". أبحاث أخرى تعرضت لمسألة الالتباس ومنها من ربطبين غياب التسامح مع الالتباس والدوغمائية الدينية أو أن شخصيات من هذا النوعتوافق على فرض الرقابة إلخ.. وقد انتقل المفهوم أيضا إلى ميدان علم الاجتماع، كماهي الحال لدى دونالد ليفين وكتابه "الهروب من الالتباس"، ليفين الذي عملثلاث سنوات في إثيوبيا، يؤكد في كتابه بأن الخوف أو رفض الإلتباس هو طريق خاصبالغرب ولم تعرفه الثقافات الأخرى، تماما كما أكد البابا بنيدكت السادس عشر فيحواره مع هابرماس بأن سيرورة الدنيوة أو العلمنة طريق خاص بالغرب ولا يملك أي صلاحية كونية. إن ليفينيؤكد بأن الالتباس لعب دورا مركزيا في الثقافات التقليدية ووظائف متعددة داخلمجتمعاتها، أهمها في رأيي تأكيده أن التسامح مع الالتباس يساهم في بناء نوع منالتضامن الاجتماعي ويتجنب الصراع لأنه يحول دون اتخاذ مواقف واضحة.[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] أما الكلمة الثانية التي تستوقفني في عنوانالكتاب، فهو وصف باور لتاريخه الثقافي الذي يقدمه عن الإسلام بكلمة الآخر، وكتابة"تاريخ آخر" تقليد معروف فيميادين كثيرة، فقد نكتب تاريخا آخر للثورة الفرنسية كما فعل أناطول فرانس فيروايته الآلهة العطشى، أي تاريخا غير رسمي أو تاريخا يأخذ بعين الاعتبار قضاياأغفلها عن وعي أو غير وعي التاريخ الرسمي، أو نكتب تاريخا يهتم بالهوامش والمسكوتعنه والمكبوت في الأعماق كما فعل فوكو مع الجنون أو الجنس أو العقلانية الخ.. . إنالإعلان عن تاريخ آخر لا يتضمن بالضرورة رفضا للتاريخ الرسمي، لكنه يرفض هيمنةالرواية الرسمية وزعمها امتلاك الحقيقة النهائية. إنه يسلط الضوء على ما نساه أو تناساه الكرونيكورالرسمي. وكتابة تاريخ ثقافي آخر للإسلام، ليس بالمهمة السهلة في حقبة يعتقد فيهاالمرء بأنه يمسك بحقيقة هذا الدين، سواء في الغرب حيث ينظر إليه كدين قمع ومنبعللعنف أو في الشرق كالدين الوحيد الذي يملك الحقيقة والذي يجيب على أسئلة الدنيابأكملها. الموقفين معا ينهجان ما يسميه باور بفرض الطابع اللاهوتي على الإسلام،ولا يقولان الشيء الكثير عن ثقافة الإسلام وتاريخه وتاريخه الثقافي، بل كل شيء عن"حقيقته" المزعومة، حقيقة توجب عليها أن تكون واضحة ونهائية، وأن لاتسمح بالشك والتفكير. لكن ثقافة الإسلام ليست حقيقته، ولا يمكن اكتشافها إلا إذاغادرنا منطق الحقيقة. هذا على الأقل ماحاوله عالم الإسلاميات الألماني في كتابه الأخير. 2ـ تمظهرات التسامح مع الالتباس في الثقافة الإسلامية الكلاسية
يؤكد توماس باور في كتابه[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] بأن الصورة السائدة اليوم فيالغرب عن الإسلام، هي في جزء كبير منها، من إنتاج الغرب ذاته، الذي رفض بشدة، وفينوع من المرضية، استمرار حقائق أخرى إلى جانبه، بخلاف مجتمعات غيره، تميزت بتعايشوتجاور لحقائق ومعايير مختلفة، كان الإنسان بداخلها يكتفي بالمحتمل وينفر منالمطلق، ويجد متعة في الالتباس، وهو ما ميز إلى حد كبير الثقافة الإسلاميةالكلاسية، كما بين باور، الذي يقدم في كتابه، تاريخا ثقافيا للإسلام، يتناول فيهمجالات الإبداع الأساسية وتمظهرات الحياة في المجتمعات الإسلامية، مؤكدا بأن هذا"التسامح مع الإلتباس"، عاشه العالم الإسلامي لقرون طويلة، لكنه عرفنهايته على يد الإستعمار. وهذه أطروحته الأساسية. لقد اتفقت الأصوات في الغرب بنظره على وسم الثقافة الإسلامية بالأحاديةوالعنف، رغم أن الغرب لعب دورا كبيرا في تطور هذا الاتجاه العدائي للالتباس داخلهذه الثقافة، إذ اتسمت سيرورة التحديث في العالم العربي بتدمير للالتباس، وأضحىالاختلاف، الذي كان بالأمس رحمة، اليوم نقمة بنظر الحداثويين والمحافظين على حدسواء، يتوجب تجاوزه إلى تأسيس حقيقة واحدة وخطاب "عقلاني"و"واضح". إن دراسة العلاقة بين الثقافة والالتباس داخل السياق الإسلامي،من شأنه أن يسلط الضوء على الثقافة الإسلامية من جهة وعلى الحداثة الغربية من جهةثانية. وثقافة الإلتباس تقوم على تعدد المعاني والحقائق والمراجع وتعايشها، بشكللا يسمح لأحد ادعاء الحق لنفسه ووصم الآخرين بالباطل، بل إنها تقبل بتجاور معاييرمتناقضة في الآن نفسه، وهذا ما ميز الثقافة الإسلامية بنظر باور عن نظيرتهااليونانية، على الأقل في خطها الأرسطي، وعن الثقافة الغربية الحديثة، والتي، وإنشهدت نوعا من "التسامح مع الإلتباس" في المرحلة السابقة على الحداثة ـما سمي بعصر "الباروك الأوروبي" ـ، إلا أن "التنوير" سرعان ماأجهز على ذلك، فمشروعه قام على تجاوز الإلتباس وبناء لغة واضحة، تجب اللبس وتنفرمن الاختلاف، فهذا كانط يصف موقف جاكوبي النقدي من العقلانية في رسالته إلىمندلسون ودفاعه عن الإيمان بالشطط، وهذا كوندورسي يحلم بلغة شاملة، تجعل كل خطأ،أمرا مستحيلا، لغة أشبه بالرياضيات.. إن الحرب على الإلتباس، كما أوضح ذلك عالمالاجتماع دونالد ليفين، سمة تميز الثقافة الغربية منذ القرن السابع عشر، وهو أمرلا نجد له مثيلا داخل ثقافات أخرى، وخصوصا داخل الثقافة الإسلامية منذ القرنالسابع وحتى القرن التاسع عشر، إذ بعدهاستدخل هذه الثقافة عصرا جديدا، قد نسميه بـ "الحقبة الغربية"، التيستفرز حركات أيديولوجية، كفاحية، مغلقة، كالحركة القومية العربية والحركاتالإسلاموية واليسارية، وهي حركات تشترك في رفضها للثقافة الإسلامية الكلاسية،ستعمد إلى استنساخ النموذج الديكارتي، المعادي للالتباس والمنافح عن الحقيقةالواضحة والواحدة. إن الانتقال من الموقف التقليدي، المتسامح مع الالتباس إلى موقفحداثي معاد للالتباس يأخذ، بنظر توماس باور، شكلين مختلفين. أحدهما يستنسخ التجربةالغربية ويحكم على التراث بالموت، إذ تبدو الثقافة العربية ـ الإسلامية، في وجهةنظره، ثقافة متكلسة ومنحطة، ولا نهوض للعرب إلا باقتفاء خطى الغرب، أما الشكلالثاني، فهو الذي يتجسد في الحركات الأصولية، التي تطلب العودة إلى عصر الإسلامالأول، وتطمح لبناء أيديولوجية متحررة من الالتباس، قريبة من مثيلاتها الغربية. إنالشكلين معا يتناقضان مع روح الثقافة الإسلامية، التي، وكما أوضح باور، انطلاقا منكتابات عربية كلاسية، كانت ثقافة مفتوحة ومتعددة، وليست نصوصا خطية البنية، مغلقةالدلالة، وهو ما يتناقض مع "اليقين الديكارتي" المؤسس للحداثة، وما يجعلالثقافة الاسلامية الكلاسية أقرب إلى روحما بعد الحداثة، ولم لا وعلماء الإسلام الكلاسيكيين، رأوا في هذا التعدد، الذييشتغل حتى داخل النص المؤسس، دليل رحمة وشهادة إعجاز، تعدد يلحظه توماس باور فيالمذاهب الفقهية المختلفة أيضا وفي روح الاجتهاد الذي عرفته ومعها ميدان القضاء،وهو تعدد كان الفقيه أو القاضي المسلم واع به وبضرورته، ولربما نجد في جواب إمام المدينةمالك بن آنس، الذي ذكره السيوطي، على رغبة الخليفة المنصور بفرض كتبه على أقطارالدولة الإسلامية، خير شاهد على ذلك. إذ رفض مالك بن آنس ما اقترحه المنصور، مفضلاأن يترك الخليفة للناس حرية الاختيار، وهو ما يتناقض اليوم بشكل صارخ مع شعار"لا مذهبية في الإسلام"، ويفضح النزعة الاختزالية لهذا الاتجاهالأيديولوجي الغريب عن ثقافة الإسلام، والذي يلتقي، من حيث لا يشعر، بالأحكامالمسبقة للمدرسة الإستشراقية، هذه المدرسة التي ما برحت تسم كل المجالات العلميةوالإبداعية داخل الثقافة الإسلامية بصفة "الدينية" أو "الإسلامية"،أي تربطها بالبعد الديني وحده، رغم أن الطبيب في العالم الإسلامي كان يمارس مهنتهوفقا لقوانينها الخاصة بها، كما كان الشاعر يؤلف قصائده بعيدا عن تدخل رجل الدين،واختلفت العلاقة مع هذا الدين لدى رجل القضاء عنها لدى عالم الكلام أو المتصوف، مايفنذ، لا غرو، الربط الذي يقيمه الاستشراق بين الدين والثقافة الإسلامية، وزعمهبأنها ثقافة محكومة بالدين. أليس ذلك ما أراد قوله أحد كبار المستشرقين فونغرونباوم وهو يؤكد بأن سلطة الإسلام تشمل كل مناحي الحياة وأنه دين يرسم حياةالإنسان من المهد إلى اللحد وبكل تفاصيلها اليومية؟ إن إسلام فون غرونباوم لم يكنموجودا قبل القرن التاسع عشر، يقول توماس باور، مردفا بأن هكذا إسلام لا يوجد إلافي رؤوس المستشرقين والمتطرفين، مؤكدا بأن الثقافة الإسلامية الكلاسية، كانت ثقافةحياة بامتياز، ومستشهدا بنيتشه واحتفاءه بالثقافة الأندلسية. إن موقف نيتشه، الذيعبر عنه في "الأنتي ـ كريست" يختلف جذريا عن موقف الحداثويين العرب منالثقافة الإسلامية الكلاسية، الذين ذهب بعضهم كطه حسين وأحمد أمين مثلا، حتى لانذكر إلا الأسماء التي ساقها توماس باور، إلى نعت الثقافة العباسية بالإنحطاطالأخلاقي والديني. يرى باور أن هذا الموقف المتطرف لا يمكن فهمه، إلا إذا أخذنا بعين الاعتبار المعين الذي استقى منهالحداثويون العرب أفكارهم وأحكامهم، فالتاريخ العربي جرت قراءته إنطلاقا من مفاهيمغربية للتاريخ والحضارة، وهي مفاهيم ليست بالضرورة كونية ولكنها تدعي ذلك. لقد بدأالغرب اليوم بمراجعة حداثته وتفكيك مشروع التنوير، لكنه مازال يتناسى في أحكامهالتي يصدرها على العالم الإسلامي، ومنها أنه عالم معاد للمرأة وللحريات الفرديةوللتعدد الثقافي وللحريات الجنسية إلخ... أنه ساهم بشكل كبير في بناء هذا العالم،بل وفي الإجهاز على "تعدده" وهو يروج لحقيقة الحداثة الشمولية، إذ رغمأن الإسلام ديانة وحدانية، تتمحور حول حقيقة واحدة، تجب ما قبلها وغيرها، إلا أنذلك لا يكفي، لكي نصدر حكما نهائيا، كما فعل يان آسمان، على الثقافات التوحيدية.فالسؤال، بحسب توماس باور، هو عن المكانة التي احتلتها هذه الحقيقة الواحدة، داخلهذه الثقافة، وهل سيطرت فعلا على هذه الثقافة أم ظلت على هامشها وتبددت فيها. وهناأقترح ضرورة التمييز بين النص القرآني والنص الإسلامي. فإذا كان النص الأول، كأينص مؤسس هو نص ـ حقيقة، قامت على أنقاضحقيقة أو حقائق أخرى، الأديان والمعتقدات السابقة، وككل نص مؤسس، هو نص مقدس أويتخذ لنفسه صفة القداسة فإن النص الإسلاميـ أو النصوص الثانوية ـ هو نص متعدد وملتبس ولا يدعي القداسة لأنه نص دينويبامتياز وقد يقوم أحيانا على التمرد علىالنص المؤسس، ويبني معه علاقة أقرب الى الباروديا والسخرية، وهو في ذلك لا يلغيهبقدر ما يعلن وفاءه له، لكن وفق منطق آخر لا تفهمه الثيولوجيا. لم تعرف الثقافة الإسلامية الكلاسية حروبا دينية علىالنمط الغربي، ولم تفرز نزعات شمولية تطالب بالاعتقاد بحقيقة واحدة، كمالم تنزع صفة الآدمية عن الشعوب الأخرى "فكلكم لآدم، وآدم من تراب" ولمتبعث باليهود إلى المحرقة، لأنها كانت ثقافة التباس بامتياز، وهو ما يفنذ بحسبباور المزاعم القائلة باستحالة الفصل بين الدين والدولة في الإسلام، والتي لا تطلبسوى تأكيد أن الإسلام لا يتوافق مع الديمقراطية. وفي سياق حديثه عن تسامح الأغلبيةالمسلمة مع الأقليات الدينية الأخرى، عرج باور على كتاب المؤرخ اليهودي، مارككوهين "بين الهلال والصليب/ وضع اليهود في القرونالوسطى". لقد وضع كوهين نصب عينيهمهمة الإجابة عن الأسباب التي جعلت القرون الوسيطة الإسلامية أكثر أمنا وسلامابالنسبة لليهود مما كانت عليه حياتهم في شمال أوروبا وغربها. إنه يريد التدليل علىأن الاضطهاد الإسلامي لليهود كان أقل بكثير من الاضطهاد المسيحي لهم. ويعرج فيالفصل الثاني من كتابه على قراءة الموقف الثيولوجي للمسيحية والإسلام من اليهودية،ويسجل اختلافا جوهريا في الموقفين. فالإسلام لم يأت كتحقيق إلهي لليهودية،لأنالإسلام وفقا للرواية القرآنية دين ظهر قبل اليهودية والمسيحية، إنه دين إبراهيم،إنه دين التوحيد الذي دنس. كما أن الإسلام يلتقي في كثير من مبادئه وطقوسه معاليهودية، إضافة إلى أنه، وكما يقولكوهين:"تقع عادة الإشارة إلى اليهودية في المصادر الإسلامية بـ "شريعة اليهود". هذا الأمر يختلفمع العبارات اللاتينية السلبية الشائعة التي تطلق على اليهودية مثل "قانوناليهود" والألقاب المنتقصة كـ "خرافات اليهود" و"خداعاليهود". إذ في الوقت الذي يعكس فيه المعجم المسيحي بالنسبة إلى اليهود واليهودية،العداء والحقد، فإن التعبير الإسلامي يحملاعترافا بمفاهيم وقيم دينية متبادلة."[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]يفضح باور النزعة التوتاليتارية داخل الحداثةالغربية، التي لا تقبل بغير منطق الشبيه، فهي تطالب العالم الإسلامي، ليس أنيتعلم منها أو يتحاور معها ولكن أنيقلدها، لأن في ذلك تأكيد إضافي لحقيقتها.فهذا عالم السياسة الألماني فولفغانغ ميركل يقول بأن الإسلام لم يعرف تنويراحقيقيا، رغم المحاولات المتكررة، لأنه اصطدم دائما بقضية الفصل بين الدين والدولة،وهذا مستشار ألماني سابق، هيلموت شميدت، يرفض انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي،بدعوى أنها لم تعش حقبة مماثلة لحقبة النهضة الأوروبية. إن الحداثة الغربية فيخطها الكفاحي، لا تقبل إلا بتاريخ خطي البنية، أحادي البعد، امبريالي المعنى، وهوما عبرت عنه "فكرة التقدم"، فهو تاريخ لا مكان فيه لتواريخ أخرى، إلا فيماض سحيق، سحقته الحداثة وتجاوزه التطور، فلا يبقى، أمام هذا الواقع، للثقافاتالأخرى، من بديل آخر، سوى استنساخ تاريخ الأقوياء والتماهي مع رموزه وأفكارهوأشكاله، إذ الحداثة لا تقبل بغير ذلك، فهي تنظر، كما بين عالم الاجتماع البولنديتسيغمونت باومان إلى الآخر، المختلف، "كسم قاتل"، أو كخطر على نظامالأنا، يجب التخلص منه ومن جرعة الالتباس التي يحملها، مؤكدا في كتابه"الحداثة و الالتباس" بـأن الالتباس الذي لا تستطيع الذهنية المعاصرةتحمله والذي تعمل المؤسسات الحديثة بجهد على تدميره، يظهر من جديد كالقوة الوحيدةالقادرة على الحد والتخفيف من الطاقة التدميرية والطهرانية للحداثة[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]. ولذلك، لم يجانبتوماس باور الصواب وهو يصف سيرورة الحداثة "بالحرب الصليبية الثقافية"،التي رمت إلى تدمير القيم الثقافية الأخرى. إن كتاب باور لا يتعرض فقط بالتفصيل لمختلف تمظهرات التسامح مع الإلتباس داخل الثقافةالإسلامية الكلاسية، بل هو يكتب في الآن نفسه تاريخا موازيا، وأعني تاريخ الحداثة،الذي لا يمكن فهمه دون تفكيك علاقة الحداثة بالأطراف، الحداثة كحقيقة غازية وواضحةوشمولية ومعادية للالتباس والتي هدفت إلى تدجين المخلتف وإلحاقه بها، عكس الثقافةالإسلامية التي لم تطلب تدمير الالتباس بل في أسوء الأحوال كبح جماحه. إن أهم مثاليقدمه باور في نظري هو التعامل مع الرغبة الجنسية أو مع الجنس عموما. إن اقتصادالجنس اليوم في العالم الإسلامي أبعد ما يكون عن التسامح، لكن بالنسبة لباور فإنهذا الرفض وهذه الإدانة للجسد واللذة والمؤنث في إسلام اليوم ليس أكثر من ردة فعلعلى التحدي الغربي. فالجواب الذي يقدمه العالم الإسلامي اليوم إما جوابا متطرفا أوجوابا يعيد إنتاج الحقيقة الغربية، والجوابين معا يؤكدان الخوف المرضي من التباسالجنس. لقد قام الغرب بفرض خطابه عن الجنس على الشعوب الأخرى، وهو خطاب هدف الىقبر عفوية الجنس، كما أوضح ميشيل فوكو. فإذا كان رجل الدين المسيحي يقحم أنفه فيالقرن السادس عشر حتى في طريقة ممارسة الجنس والوضعية التي يتخدها الزوجان خلالالمضاجعة كما أوضح باور نقلا عن الفرنسي روبرت موشمبليد، فإن سيرورة العلمنة ستعيدإنتاج نفس العملية، وهي تحاول، لكن هذه المرة في لغة العلم، تحديد حقيقة الجنس،وبدلا من الحديث عن الذنب والتحذير من العقاب الإلهي سيتم الحديث في هذا الخطاب عنالحياة الجنسية الصحية والتخويف من المرض والموت. لكن الجنس في الثقافة الكلاسيةللإسلام لم يكن بالأمر الخطير، بل حتى بالنسبة لمفكر تقليدي كالغزالي، كان دورالجنس، كما كتب في إحياء علوم الدين، هوتعريف المؤمنين أولا بما ينتظرهم من خيرات في الجنة، وثانيا المحافظة على النوعالبشري. فما كان ينظر إليه كأمر عادي فيثقافة الإسلام الكلاسية فيما يتعلق بالجنس، كمعاشرة الغلمان والتشبب بهم مثلا،أضحى رمزا للانحراف، يتوجب مقاومته وعلاجه. ألم يبرر نابوليون حملته على مصر برغبته في تحريرها من انحطاط الأتراك وألمتكن المهمة التحضيرية تهدف أيضا إلى إصلاح البناء الجنسي في الشرق الأوسط، وبلغةأخرى إلى تدمير الحرية والالتباس الجنسيين؟ يتساءل باور، وليس نابوليون وحده، فهذاالإثنولوجي الألماني ميشائيل روس يكتب بأنالإسبان برروا حقهم في فرض سيطرتهم على أمريكا اللاتينية باسم الدين، مدعين بأنالهنود يمارسون اللواط الذي كانوا يعتبرونه ضد الطبيعة. وطبعا فإن الاسبان لميكونوا ليعاملوا من يتصرف ضد الطبيعة على أنه انسان. ويذكر روس رأي رجل الدينالفرنسي جوزيف فرنسوا لافيتان الذي انتقد البرداخ في كتابه الصادر سنة 1724 (هنودحمر مخنثين كانوا يتمتعون بقداسة) بسبب سلوكهم الأنثوي، ويقول روس، بأن رجل الدينهذا انطلق في رفضه للبرداخ من وجهة نظر أوروبية حول الأنوثة، نظرة تنظر إلىالأنوثة كشيء منحط مقابل الرجولة التي تجترح البطولات، أو بلغة روس التي تجترحالحرب في مقابل الأنوثة التي لا تستطيع أن تحارب والتي يتوجب طبقا لذلك السيطرةعليها. لكن الهنود الحمر نظروا إلى أبناء جلدتهم المخنثين كأشخاص مقدسين يحظونباحترام كبير ويشاركون في كل الطقوس الدينية. إن الآخر يظل وفق النظرة الأوروبية المركزية موضوعا للسيطرة و يستحقالتنقيص من قيمته، لأنه مختلف أو لأننا لا نستطيع إقحامه بنظام الأنا. وطبعا، يقول روس، في ثقافة لا تعرف إلا جنسين:المؤنث والمذكر، لا يمكنها أن تنظر إلى جنس ثالث كأمر طبيعي، بل لا يمكنها إلا أنتدينه وتعاقبه. [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] وحتى نفهم أهمية النقلة البراديغمية التي أنجزها البروفيسور توماس باور ، أقترح إلقاء نظرة على نموذج آخر من الكتب التي ينجزها الاستشراق الألماني وسأقدم مثلا بسيطا في هذا السياق، وهو كتاب للمستشرق الألماني ستيفان فايدنر، سبقوترجم الى العربية، يحمل في نسخته الألمانية عنوانا مثيرا، لأن العناوين المثيرةتطلبها السوق، لكن الأمر لا يتعلق هنابمنطق السوق فقط ولكن بفهم خاطئ للهوية، يربطها بثقافة رائدة أو رسمية في ألمانياـ وليس فقط في ألمانيا ـ تقوم خصوصا على طرد كل ما هو أجنبي ومختلف مما يمكن أننسميه بالحقل الشرعي للهوية. لكن لنعد إلىستيفان فايدنر، الذي عنون كتابه بـ "إغراءات محمدية"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]. ماذا يقول في هذا الكتاب؟ إنه يبحث عن جذور التخلف الحالي الذي تعيشهالمجتمعات الإسلامية في الدين، وهو يشير إلى أن الإسلام، كما الأديان الأخرى يحملتشوهات ولادية. إن نظرته الثقافوية تتناسى أن الإسلام ابن سياقه التاريخي، إنهاتنظر إليه كدين مشوه أو مليء بالعيوب، لأنها نظرة سجينة ثقافتها الغربية التيأنتجتها، والتي درجت على سجن المختلف والمغاير في باب اللامعقول. إنها ثقافة كانت قد حكمت على الدين، أي دين،كنظرة إلى العالم تجاوزها التنوير. لكن إعمال المبضع العقلاني بالإسلام، مبضعالعقل التنويري لا يمكن إلا أن يكون عنيفا ويذكرنا بالرسالة التحضيرية للاستعمار،وبعنف العقل الذي وصفه فوكو بالجلاد، فإحالة الدين على محكمة العقل والعقلالتنويري خصوصا، غير شرعية، لأنها تبخس الدين، أي دين حقه، تحرمه لغته وتفرض عليهلغتها. وهي في أحسن الأحوال، تزعم "الرقي" به إلى مستوى العقل، وإخضاعهلدولة العقل. لكن الدولة الليبرالية وفي مقابل دولة العقل، تريدنا مواطنين فيعوالم ووجهات نظر مختلفة، والدين أحدها، كما يقول الفيلسوف الألماني أودوماركفارد. إن موقف فايدنر الذي ظل سجينعقله التنويري ولاشعوره الكولونيالي، هو موقف يعيد إنتاج موقف التنوير من الدينوموقف المدرسة الاستشراقية، فحين ينتقد القرآن لأنه في نظره "يضجبالمتخالفات"، يغفل أن غنى القرآن يكمن في تناقضاته، تلك التناقضات التي لايفهمها عقل الأنوار والتي يرفض الأصوليون المتزمتون الاعتراف بوجودها، فوحدة الدينفي تعدد أصواته، في تناقضاته، في لبسه ووضوحه، ركاكته وبلاغته، غناه وفقره ولم لافي محاسنه وتشوهاته.. ومثل رؤية فايدنر، ما ينتقده توماس باور وهو يتحدث عن حداثةمعادية للالتباس وخائفة منه، وهو موقف كان قد انتقده وإن في سياق آخر، الفيلسوفالألماني يوهان عوتفريد هردر في كتابه المشهور "فلسفة أخرى للتاريخ"الصادر عام 1774، وهو كتاب ينتقد فكرة التقدم وربطها بالعقل وتطور العالم لدىفلاسفة الأنوار. مؤكدا بأنه لا يمكنمقارنة ثقافة تنتمي الى حقبة معينة بثقافة من حقبة أخرى رافضا الاعتراف بأي أفضليةلحقبة الأنوار. "فكل ثقافة، يقول الفيلسوف الفرنسي ألان رونو مؤكدا كلامهردر، تعبر بطريقتها عن الإنسانية"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]3ـ ثلاثة أسئلة لكن السؤال الذي لم يخطر في بال توماس باور، والذييمتلك مشروعية مركزية في هذا السياق، هو لماذا انهار هذا العالم الإسلامي المتعددوالمتسامح مع الالتباس، أمام المشروع الغربي للحقيقة الواحدة، إن لم يكن بالفعلعالما أكله الوهن واستبد به العجز ونخره الاستبداد؟ سؤال من شأنه أن يقودنا بالضرورةإلى التساؤل عن العناصر والعوامل الداخلية، التي أغفل توماس باور دراستها والتيساهمت أكثر من غيرها في تدمير الالتباس داخل الحضارة الإسلامية وخلقت، في لغة مالكبن نبي، نوعا من "القابلية للاستعمار"، ومنها ، لا ريب، الاستبدادالسياسي، والتحجر الديني ومحاصرة الاجتهاد، وقتل "الزنادقة" وقهر المرأةوغيرها من تلك الظواهر التي لم تأت بها طبعا "صدمة الحداثة"، بل، لربمالم يتحقق الوعي بها، إلا بفضل هذه الصدمة. سؤال آخر يلح علينا في هذا السياق، ويتعلقبهذا االلامنتو أو البكائية المستمرة لمابعد الحداثيين، الذين ينطلقون من مفهومجوهراني للحداثة. إن الحداثة لا يمكن ربطها فقط بفكرة التقدم ولا الحكم عليهاوبشكل مطلق بأنها معادية للالتباس واختزالها في المشروع الإستعماري، بل إن ما يسمىبمابعد الحداثة هو نتاج للروح النقدية والمتمردة لهذه الحداثة ولصراعاتها الداخليةوقدرتها على اجتراح النقد الذاتي ولهذا لا يمكن الحديث عن الحداثة بلغة المفرد. ويكفي أن نقدم بعض الأمثلة من الثقافةالألمانية الحديثة التي تبرز إلى أي حد لايمكن أن نصدر على الحداثة حكما نهائيا، يسمها برفض كل ما هو آخر ومختلف. وأعنيبالأمثلة الثلاث، غوته وليسينغ وهردر. فغوته الذي حاول النقد الأدبي الرسمي في ألمانيا ربطه بالقومية الألمانية، هو غوته نفسه الذيتأثر عميقا بالشرق والإسلام خاصة. لقد كانتنظرته إلى الشرق وبخلاف مثقفي عصره حرة من كل نزعة استعلائية كما بينت إحدى أهمالمتخصصات في علاقة غوته بالعالم الإسلامي، كتارينا مومزن، نظرة نافدة إلى روح هذاالشرق وثقافته وروح كتابه المؤسس، فلا عجب أن يكتب غوته وهو بعد في الثالثةوالعشرين من عمره قصيدة يمدح فيها الرسول العربي وأن يظل وفيا لموقفه وهو في سنالسبعين، حين أكد بأنه يحتفل دائما بليلة القدر. وسيقف غوته مندهشا أمام آيات منسورة العنكبوت تحض على التسامح والحوار بالحسنى مع أهل الكتاب، وقد بدأ اهتمامغوته بالقرآن بين عامي 1771 و1772، وذلكفي الوقت الذي بدأ فيه يشكك بالعديد من المعتقدات الكاثوليكية. في الفصل الأخير منكتابها "غوته والإسلام" كتبت كتارينا مومزن:" وجد غوته في الرسولمحمد رفيقا في الاعتقاد بوحدانية الإله واكتشف في الثقافة الإسلامية جذور الأنوارالأوروبية"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]. ولم يكن موقف غوته استثناء، إذ يكفي أن نذكر بليسينغ ومسرحيته"ناتان الحكيم"، الذي وجد فيالرسول العربي رمزا كبيرا للتسامح الديني وفي الإسلام دينا للعقل. وكذلك الشأن معهيردر في كتابه "أفكار حول فلسفة تاريخ الإنسانية"، الذي رأى في النبيمحمد ممثلا لوحدانية الإله ومتمما للديانتين اليهودية والمسيحية. أما سؤالي الثالثفيتعلق بالتاريخ الإستعماري، والذي يتوجب النظر إليه اليوم وفق منظور مختلف بعدسقوط إيديولوجيات الكفاح أو تحولها إلى ديكتاتوريات، وسقوط روايتها الرسمية..ولهذا أعتقد في ختام هذه الملاحظات أو هذه الإسئلة،ضرورة التفريق بين حداثة ملتبسة، لم تخف لقاء الآخر والتحاور معه وحداثة كفاحيةكما تمثلت في فكرة التقدم وفي السياسات الاستعمارية والعقل الأداتي. لقد كتبأنطوان كومبانيو "بأن معارضي الحداثة الحقيقيين هم في الآن نفسه حداثيين،أيضا ودائما حداثيين، أو حداثيين على الرغم منهم"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]4ـ ملحق لا أبالغ إذا قلت بأن كتابباور الأخير هو استمرار بشكل أو بآخر لكتاب الاستشراق لإدوارد سعيد، وفيهذا السياق أيضا تندرج كتب أخرى، تظل في غالب الأحيان مهمشة وبعيدة عن اهتمام الثقافة الرسمية، لعل أبرزها في السنوات الأخيرة هوكتاب الاثنولوجيتين كريستينا فون براونوبيتينا ماتيس:"الواقع المحتجب: المرأة، الإسلام والغرب"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] الذي يفكك المسلمات التيتنطلق منها الرؤية الغربية في قراءتها للإسلام ولوضعية المرأة المسلمة خصوصا. إن الأطروحة الأساسية التي يدافع عنها هذاالكتاب، الذي يمكن أن نعتبره استمرارا لكتاب "الاستشراق" لإدوراد سعيد،لكن بوسائل نسوية، تقول بأن المرأة الغربية في رغبتها المحمومة إلى نزع حجابالمرأة الشرقية أو "تحريرها" كما تزعم، يجب النظر إليها أيضا في سياقالنظام الجنسي الغربي، وبالنظر إلى وضعية المرأة الغربية نفسها في المجتمعاتالغربية. إن صورة "المرأة الشرقية"، التي انتشرت في هذه الكتاباتالغربية منذ القرن التاسع عشر تتوافق صميميا مع القطائع والاستمراريات المتعلقةبصور النساء في البلدان الأوروبية الأصلية لهاته الباحثات. وبدلا من أن توجهالباحثات الغربيات سهام نقدهن للفكر التنويري الذي رغم دفاعه عن أولوية العقل علىالإيمان واعترافه بالفردية، إلا أنه يقوم على فهم للعلاقة بين الجنسين، ترى فيالرجل ممثلا للذات الكونية، في حين تبقى المرأة تجسيدا للانحراف واللاعقلوالطبيعة، لجأن إلى التحايل على وضعيتهن في المجتمع الغربي، عن طريق إسقاط كلالقمع الذي تعانينه في هذا المجتمع على المرأة الشرقية. إن العلاقة مع المرأةالشرقية تمنح المرأة الغربية إحساسا بالتفوق والحرية والكونية، أي تحقق أمنيتها فيأن تخرج من الطبيعة إلى الثقافة. كما أن "تحرير" المرأة الشرقية يعنيقدرتها على أن تمارس سلطة مفهومية، هي لا تملكها داخل ثقافتها، إن ذلك يحولها إلىمركز ويخرجها من الهامش الذي تعيش فيه داخل مجتمعاتها:"ولهذا ليس من الخطأ ـنقرأ في "الواقع المحتجب"ـ أننزعم بأن الاعتراف بالمرأة الغربية كذات لم يتحقق إلا خارج حدودها الوطنية، فيالتقاءها بنظيرتها جنسيا، ولكن المختلفة عنها ثقافيا. وهنا تتحقق الاستمرارية بيننساء القرن التاسع عشر اللواتي فتحن أبواب الحريم أمام أعين غربية والناشطاتالنسويات اللواتي يعشن في الغرب ويحاولن اليوم تحرير المسلمات من الحجاب"،استمرارية تؤكد استمرار الأحكام المسبقة نفسها التي بلورتها الحركة التنويرية فيالغرب ضد الدين والإسلام خاصة من جهة، ومنجهة ثانية تفضح نزوع المرأة الغربية إلى إسقاط العنف الرمزي الذي تعيشه في مجتمعها،والذي يظل خفيا ومحتجبا ولكن ناجعا في آن، على المرأة المسلمة المتحجبة. لقد أكدتذلك جوليا كريستيفا وهي تتحدث عن المرأة الغربية كغريبة في ثقافتها، إنها آخرالعقل أو آخر الثقافة، المسجونة في الطبيعة التي طمح عقل الأنوار إلى تجاوزها كماطمح إلى ذلك الدين من قبله. إن زيارة الرحالات الغربيات إلى الحريم في القرنالتاسع عشر وبدايات القرن العشرين لم تكن مسكونة برغبة في التعرف على الآخر، ولكنبنزوع إلى التحرر من الذات، وإسقاط إخفاقاتهن على المرأة "الأخرى"، وتأكيدانتماءهن إلى "الثقافة" مقابل "الطبيعة" أو مقابل"الطبيعة الخالصة للنساء الشرقيات". ولتحقيق ذلك تطلق المرأة الغربيةالعنان لأحكامها المسبقة وأمراضها الداخلية وصورها العنصرية التي تنكر على المرأةالمسلمة إنسانيتها. فهاهي الرحالة الألمانية إيدا فون هنهان تكتب في رسالة إلىأخيها عن زيارتها للحريم قائلة:"أمر مرعب بالنسبة لي أن أرى هذه الكمية منالإناث المتوحشات" وتابعت:"أفضل رؤية قطيع من البقر أو الغنم، الحريمينزل بالمرأة إلى مستوى الحيوان". يشعر القارئ وهو يتابع كتابات الرحالاتالغربيات عن الشرق بهذه الرغبة المرضية في نزع صفة الإنسانية عن الآخر، وهي رغبة مازالت حاضرة بقوة في كتابات الحركةالنسوية في الغرب عن النساء المسلمات، ومن يسير على طريقها، وفي الخطاب الإعلاميالسائد، وهي رؤية تدخل في إطار أكبر:النزعة الكولونيالية التي فضح توماس باور عنفها الرمزي ورفضها المرضي للمختلفوالمغاير.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] ; “Intolerance of Ambiguity as anEmotional and Perceptual Personality Variable.” Journal of Personality18 (1949): 108–143.[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] Donald Nathan Levine; The Flight from Ambiguity: Essays in Social and Cultural Theory, University of Chicago Press; Auflage: Reprint (Juni 1988), p. 29, 37.[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] Thomas Bauer, Die Kultur der Ambiguität: Eine andere Geschichte des Islams, Verlag der Weltreligionen, 2011.[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] بين الهلال والصليب، دار الجمل، ترجمة معز الخلفاوي وإسلام إيده، صفحة 90[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] Zygmunt Bauman, Modernity and Ambivalence, Polity Press 1993, p. 90.[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] Michael Roes, Krieg und Tanz, Matthes&Seitz Berlin, Seiten 7-32.[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] Mohammedanische Versuchungen, Suhrkamp 2008[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] Alain Renaut, Un humanisme de la diversité, 2009, p.138.[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] Katharina Mommsen, Goethe und der Islam, Insel 2001[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] Antoine Compagnon, Les Antimodernes. de Joseph de Maistre à Roland Barthes, Paris, Gallimard, 2005, p.7.[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] Verschleierte Wirklichkeit: Die Frau, der Islam und der Westen, AufbauVerlag, 2007 سيرة الكاتب رشيد بوطيب، مفكر وكاتب مغربي، من مواليد عام1973، درس الأدب والفلسفة وعلم الاجتماع في المغرب وألمانيا وهو يعد حاليا شهادة الدكتوراه في الفلسفة المعاصرة
| |
|