ظهرت فرقة الجهمية في العراق . وتسميتها بهذا الاسم ترجع إلى مؤسسها الجهم بن صفوان الترمذي الذي قُتِلَ في سنة 128 هـ/745م على يد أحد قادة الأمويين وهو سلم بن أحوز المازنى بعد اشتراكه مع الحارث بن سريج (1 ) في الخروج عليهم.
وتُسمَّى أيضًا الجبرية ، وقد ظهرت في مقابل الذين أفرطوا في أمر (القدر) فأفرطت هي كل الإفراط.
ظهر الجهم بن صفوان في الكوفة مصرحاً باعتقاداته في الله وفي القرآن وفي الإيمان وفي الجنة والنار ورؤية الله في الآخرة ثم انتقل إلى خراسان ينشر عقيدته.
وتتلخّص معتقداته في الأُمور التالية:
1- نفي الصفات الإلهية كلّها، ويقول: لا يجوز أن يوصف الباري بصفة يوصف بها خلقه ، بدعوى تنزيه الله عز وجل عن مشابهة المخلوقين.
2-انّ الإنسان لا يقدر على شيء، ولا يوصف بالقدرة ولا بالاستطاعة .
3-ان الجنة والنار يفنيان وتنقطع حركات أهلهما.
4-أنّ من عرف الله ولم ينطق بالإيمان لم يكفر، لأنّ العلم لا يزول بالصمت وهو مؤمن مع ذلك.
وقد كفّره المعتزلة في نفي الاستطاعة، وكفّره أهل السنّة بنفي الصفات وخلق القرآن ونفي الرؤية.
5-وانفرد بجواز الخروج على السلطان الجائر.
6-وزعم أنّ علم الله حادث لا بصفة يوصف بها غيره. (2 )
7- نفي رؤية المؤمنين لله يوم القيامة الواردة في الكتاب والسنة .
8- إنكار أن يكون للمخلوق أي إرادة أو اختيار في أفعاله ، وأن جميع المخلوقين مجبورون على أفعالهم .
9- ان القرآن مخلوق.
10- القول بالجبر والإرجاء.
11- إنكار كثير من أمور اليوم الآخر مثل: الصراط ، الميزان ، رؤية الله ، عذاب القبر.
12- نفي أن يكون الله متكلما بكلام يليق بجلاله .
13- نفي أن يكون الله في جهة العلو.
14- القول بأن الله قريب بذاته ، وأن الله مع كل أحد بذاته ، وهذا هو المذهب الذي نبى عليه أهل الاتحاد والحلول أفكارهم (3 ).
وكان الجهم بن صفوان يقف على الجذامي ويشاهد ما هم فيهم من البلايا ويقول : أرحم الراحمين يفعل مثل هذا ، يعني أنه ليس هناك رحمة في الحقيقة ولا حكمة ، وأن الأمر راجع الجبر وإلي محض المشيئة الخالية عن الحكمة والرحمة ( 4) .
قال أبو الحسن الأشعري :" قول الجهمية الذي تفرد به جهم القول بأن الجنة والنار تبيدان وتفنيان وأن الإيمان هو المعرفة بالله فقط والكفر هو الجهل به فقط ، وأنه لا فعل لأحد في الحقيقة الا الله وحده وأنه هو الفاعل ، وأن الناس إنما تنسب إليهم أفعالهم على المجاز ، كما يقال : تحركت الشجرة ودارت السفينة وزالت الشمس ، وإنما فعل ذلك بالشجرة والسفينة والشمس ، الله سبحانه وتعالي ، وكان جهم ينتحل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر "( 5)
والظاهر انّ قاعدة مذهب الجهم أمران :
الأوّل: الجبر ونفي الاستطاعة، فجهم بن صفوان رأس الجبر وأساسه ويطلق على أتباعه الجبرية الخالصة في مقابل غير الخالص منها.
الثاني: تعطيل ذاته سبحانه عن التوصيف بصفات الجلال والجمال، ومن هنا نجمت المعطّلة .