عمران المدينة والمجتمع في المغرب الكبير في العصر الحديث

المدينة والمجتمع في المغرب الكبير خلال العصر الحديث:

تعتبر المدينة تجمعا سكانيا متكاملا صالحا لتسيير الأحوال اليومية للأفراد،
فهو غني بتركيبته الديموغرافية، وتنوعه الإثني، واختلاف نشاطاته الاقتصادية،
وتختلف المدن في خصوصياتها ومميزاتها حسب اختلاف المناطق والثقافات والعتقادات
فالمدن في الصحراء ليست هي المدن التلية والمدينة الإسلامية غير المدينة الأوروبية
كما أن مدن المغرب غير مدن المشرق رغم التشابه الحاصل فيما بينهما.

ففي الوقت الذي كانت فيه مدنية الجزائر ووهران مثلا مدنا عسكرية كون الأولى
قاعدة الإيالة في الجزائر وكانت تواجه الكثير من الحملات الأوروبية حتى سقوطها في
يد الفرنسيين، والثانية التي عانت من الاحتلال الاسباني قرابة ثلاثة قرون، كانت
هناك مدنا أخرى احتضنت الحركة العلمية والأدبية في الجزائر والمغرب ككل في العصر
الحديث قسنطية و وتلمسان وتونس وفاس وغيرها، وعلى العموم فإن أهم الحواضر في
المغرب الكبير هي القيروان وتونس وقسنطينة وبجاية والجزائر والمدية ومعسكر ومازونة
وتلمسان وفاس ومكناس وسجلماسة، ومنها المدن القديمة كبجاية سجلماسة وفاس والقيروان
وأخرى قد ظهرت بعد تراجع بعض المدن في العصر الوسيط كالمسيلة وطبنة وقلعة بني حماد
وتيهرت والأشير (كانت في نواحي عين بوسيف بالمدية حاليا ومازالت بعض معالمها حتى
اليوم ).

وينقسم مجتمع المدينة إلى الكثير من الطبقات المتباينة فمنهم:

1- الحضر وهم الغالبية في المدينة وهم خليط من عرب وبربر وأندلسيين لا يجمع
بينهم إلا علاقات الجوار، وهم يمثلون الطبقة الوسطى في المجتمع قلما يشاركون في
تسيير دواليب الحكم لهم مميزات تميزهم عن غيرهم من السكان من حيث اللباس والعادات
والقاليد احتكروا بعض الحرف والمهن وكان الكثير منهم يشتغل في التجارة (وقد كتب
عنهم شيخ الإسلام عبد الكريم الفكون في كتابيه منشور الهداية ومحدد السنان في نحور
إخوان الدخان وعدد الكثير من صفاتهم الخلقية والعادات وهلم جرا).

2- الأقليات، ومنهم الأتراك وهي الفئة الحاكمة في المدينة وهم فئة لم تندمج
مع المجتمع ولم تنصهر فيه، وكذا الكراغلة وهم أكثر اندماجا في المجتمع إلا أنهم
أبعدوا عن السياسة في أواخر العهد العثماني (الكراغلة والأتراك فئة مقتصرة على مدن
الجزائر وتونس فحسب، عكس المغرب الأقصى ).

3- أقليات أخرى ذات وزن سياسي معتبر كالأعلاج وبعض الأسرى الذين نالوا بعض
المناصب الهامة في الجزائر وتونس ومعسكر وقسنطينة (مثلا "تيدينا" أحد
الأسرى في معسكر اشتغل خزناجي لدى الباي محمد الكبير ).

4- هناك أقليات وافدة إلى المدن كالعبيد وهم الزنوج والتجار الأفارقة
والميزابيين والبساكرة، لهم طابعهم الاقتصادي كالتاجرة والأعمال الشاقة كالعتالة
والتنضيف وهلم جرا.

كما كانت هناك فئات ذات سلطة روحية وهم رجال طريق القوم (وهم المتصوفة
ويسمونهم أهل الله والبهاليل والزهاد والصلاح والأولياء وهلم جرا) كذا الأشراف وهم
الذين رفعوا نسبهم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من فاطمة وعلي، وقد كانت لهم في
الجزائر نقابة متوارثة ولهم أوقافهم الخاصة، وقد تسابقت الكثير من العائلات
والقبائل محاولة رفع نسبهم إلى العلويين والى أماكن مقدسة كالساقية الحمراء ووادي
الذهب وغير ذلك.

مميزات المدينة المغاربية:

تمتاز المدن المغاربية بالصبغة الدينية الإسلامية، أو ما يسمى بالطراز
المعماري الاسلامي،وذلك واضح من خلال مبانيها وأزقتها ومؤسساتها العامة فمثلا لا
تخلو مدينة من المدن من وجود مسجد جامع يقع في وسط التجمع السكاني، وقلما تخلو
المدن من وجود زوايا ومدارس قرآنية وأضرحة دينية والمزارات.

كما أن الحياة اليومية في المدينة تستند إلى الشرع الإسلامي في الجوانب
التجارية والمعاملات بين الناس وذلك بصورة أكثر مما نراه اليوم في المدينة الحالية
في المغرب العربي، كما أن مختلف الجوانب العلمية والثقافية بل وحتى بعض الأمور
الإدارية والسياسية ترجع إلى الدين الإسلامي، وذلك واضح من خلال وثائق الأرشيف إذ
تبدأ كل الوثائق الإدارية والمدنية والرسائل التآليف بالحمدلة ثم التصلية إلى غير
ذلك.

بعض وأهم المصادر والمراجع:

- عبد الكريم الفكون: منشور الهداية.

- ابن حمادوش: لسان المقال.

- السلاوي الناصري: الاستقصا، ج5.

- محمد بن ميمون: التحفة المرضية.

- أبو القاسم سعد الله: تاريج الجزائر الثقافي.

- lois rinne : Khoans et marabuts

إنتهى مقال المدينة والمجتمع

إعداد فيصل مبرك

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

» المغرب في مستهل العصر الحديث حتى سنة 1603م
» ماهو مفهوم الديمقراطية في العصر الحديث ومن هم اهم الفلاسفة الدين يمثلون هدا المفهوم؟
» الدولة والمجتمع، من يتحمل مسؤولية الانحطاط
» المدينة التاريخية امداوروش
» اراء أهل المدينة الفاضلة عند الفارابي