كتاب جدل العقلانيّة في مدرسة فرانكفورت

جدل العقلانيّة في مدرسة فرانكفورت... أدوات السيطرة على الإنسان
صدر أخيراً عن «منشورات الاختلاف» وعن «الدار العربية للعلوم ناشرون» وعن «مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم» كتاب «جدل العقلانية في النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت» للكاتب الجزائري كمال بومنير.

قسَّم بومنير دراسته إلى مقدمة وخمسة فصول وخاتمة، فركز الفصل الأول بعنوان «مسألة العقلانية وأشكالها لدى مدرسة فرانكفورت» على دراسة مفهوم العقلانية لدى رواد مدرسة فرانكفورت، خصوصاً ماكس هوركماير وتيودور أدورنو، وهما يمثلان مع ماركوز رعيل النظرية النقدية الأول، وإحدى أولى مهام هؤلاء كانت نقد العقلانية الأداتية التي أصبحت توظف في المجتمعات المتقدمة صناعياً للسيطرة على الإنسان على منوال يخدم القوى والمؤسسات السياسية والاقتصادية القائمة.

أما القسم الثاني من الكتاب، فجاء بعنوان «العقلانية التكنولوجية ومنطق السيطرة»، ويتناول فيه الكاتب بالدراسة والتحليل العقلانية التكنولوجية التي اتخذت شكل بناء علمي وتقني لتنظيم الطبيعة ومعرفة قوانينها قصد السيطرة عليها، والتي سخرها كثر لخدمة مصالح الإنسان، غير أن المعرفة العلمية والتقنية التي وُجهت للسيطرة على الطبيعة والتحكم فيها استخدمت أيضاً للسيطرة على الإنسان، بمعنى أن نظام السيطرة نُقل من مجال الطبيعة إلى المجال الإنساني.

السيطرة

يتناول الفصل الثالث بعنوان «آليات السيطرة في ظل العقلانية التكنولوجية» الآليات الأساسية التي ترتكز عليها العقلانية التكنولوجية في سيطرتها على الإنسان داخل المجتمعات المتقدمة صناعياً، وقد وظف ماركوز المقولات الفرويدية للكشف عن الآليات السيكولوجية التي أنتجت ما يسميه بالقمع، لذا ركز اهتمامه لتبيان أنه وفي ظل العقلانية التكنولوجية لم يعد القمع المسلط على الإنسان يتم على المستوى الخارجي أي على المستوى الاجتماعي والسياسي، بل امتد إلى المستوى الداخلي ولحق حياته النفسية والذهنية والغريزية من خلال توجيه الثقافة والفن وتشيؤ اللغة، إضافة طبعاً إلى الاحتواء السياسي الذي أصبحت تعرفه المجتمعات الغربية التي تدعي أنها متسامحة وديمقراطية، فيما هي تبطن السيطرة السياسية والاقتصادية كما ذهب ماركوز في تحليله لهذه المسألة.

أما الفصل الرابع بعنوان «العقلانية التكنولوجية والتحرر»، فيركز فيه المؤلف على طرح ماركوز للإمكانات التي تتضمنها العقلانية التكنولوجية في تحقيق التحرر الإنساني، ذلك أن الارتباط الذي قام بين هذه العقلانية والسيطرة على الإنسان والتحكم فيه كان نتيجة شروط وعوامل تاريخية، تحديداً شروط اقتصادية وسياسية أنتجت ما يسميه ماركوز «التوجه السياسي» الذي تقف من ورائه قوى ومؤسسات اقتصادية وسياسية داخل المجتمعات المتقدمة صناعياً التي تمارس عملية السيطرة، لذلك فهو لا يدعو إلى التنازل عن مكتسبات تحققت بفضل التقدم العلمي والتكنولوجي، بل إن قوام التحرر الإنساني المنشود لديه هو استخدام متزايد دوماً لنجاحات هذا التقدم العلمي والتكنولوجي ومكتسباته.

كذلك يتناول الفصل الخامس بعنوان «رؤية نقدية لمسألة العقلانية التكنولوجية عند هربرت ماركوز»، نقداً للأخير وخصوصاً في مفهومه للتكنولوجيا الجديدة، إذ يجد الباحث صعوبة في القول بإمكان انبثاق مثل هذه التكنولوجيا في ظل الشروط التاريخية الحالية، وضمن السياق الاقتصادي والسياسي الذي عرفته المجتمعات المتقدمة صناعياً، لا سيما أنها مرتبطة بجملة مصالح القوى المسيطرة وأجهزتها ومؤسساتها. أما الخاتمة فقد تضمنت بعض النتائج التي أسفرت عنها هذه الدراسة.

ويعتبر بومنير أن ما يثير التساؤل هنا أننا نجد في بعض النصوص الفلسفية الماركوزية موقفاً آخر تجاه العقلانية التكنولوجية يعتبر فيها أن هذه الأخيرة هي أداة تحرر الإنسان وانعتاقه من السيطرة، وأن قوام هذا التحرر والانعتاق هو استخدام متزايد دوماً للمعرفة العلمية والتكنولوجية في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والحضارية العامة. ويسجل الكاتب هنا تردد ماركوز في هذه المسألة، فمن جهة يبدو لنا أن العقلانية التكنولوجية بالنسبة إليه أداة تحكم وسيطرة على الإنسان، لكن من جهة أخرى يعتبرها أداة تحرر وانعتاق، ويتساءل الكاتب، هل نحن أمام تناقض في فكر ماركوز؟

يحاول بومنير في دراسته هذه تبيان أن موقف ماركوز من مسألة العقلانية التكنولوجية لا يتضمن أي تناقض داخلي في فكره، بل على العكس من ذلك، يمكن إثبات وجود وحدة فكرية منسجمة، إذ يرى أن الارتباط القائم بين العقلانية التكنولوجية والسيطرة كان في حقيقة الأمر نتيجة التوجيه السياسي الذي كرس هذه السيطرة، وهو توجيه مصدره تلك القوى والمصالح المحركة لهذه العقلانية، وبما أن السيطرة القائمة كانت نتيجة عوامل وشروط اقتصادية وسياسية، وهي شروط تاريخية، يمكن القول مع ماركوز إن تغير هذه العوامل والشروط المتحكمة في وضع الإنسان في المجتمعات المتقدمة صناعياً أصبح أمراً ضرورياً ولازماً غير أنه ليس كافياً لكسر حلقة القمع والسيطرة التي تمارسها تلك القوى المهيمنة، بل لا بد من أن يصل التغير إلى بعد الوجود الإنساني الذي تعلق به حاجات الإنسان ورغباته ودوافعه الغريزية، علماً بأنه قد أصبح من الممكن تحقيق هذا اليوم بفضل الإمكانات والإنجازت العلمية والتكنولوجية التي أصبحت تتمتع بها المجتمعات المتقدمة صناعياً، خصوصاً إذا وجهت نحو الغايات التي تخدم الإنسان وتحرره من مختلف أشكال السيطرة التي لا يزال يعانيها، وعلى هذا قد يظهر واقع إنساني جديد مغاير نوعياً للواقع القائم، غير أن ما يؤكده المؤلف هنا أن هذا التغيير المنشود لا يتحقق بالعقلانية التكنولوجية وبالإمكانات العلمية والتقنية وحدها، ذلك أن تغير الوضع الإنساني حسب ماركوز، يقتضي بأن يؤدي الفن دوراً نقدياً، لأن للفن وظيفة نقدية وتحررية، فهو يعمل على نقد الواقع وتغييره، من خلال تشكيله صوراً خيالية وجمالية ترفض السيطرة التي ارتبطت بها العقلانية التكنولوجية، في سياق الشروط الاقتصادية والسياسية القائمة التي عرفتها المجتمعات المتقدمة صناعياً.

من هنا يستنتج بومنير ألا وجود لتناقض في فكره، في ما يخص مسألة العقلانية التكنولوجية، ذلك أن الأخيرة عندما ترتبط بالقوى التي تستخدم الوسائل العلمية والتقنية والاقتصادية والسياسية كافة بقصد السيطرة على الإنسان، فإن هذه العقلانية تكون فعلاً قائمة على منطق السيطرة، أما إذا كانت هذه العقلانية مستقلة عن القوى والمصالح القائمة، وكانت موجهة نحو ما يخدم الإنسان ويحقق تحرره وسعادته، أي ما قد يحقق الغايات الإنسانية فيمكن القول إن هذه العقلانية ذات طابع تحرري.

وفيما يؤكد بومنير أنه من الصعوبة بمكان القول بوجود تناقض في فكر ماركوز حول مسألة العقلانية التكنولوجية، يعتبر أنه لا يمكن نفي بعض الغموض عنه، كقوله بإمكان انبثاق تكنولوجيا جديدة غير مرتبطة بالسيطرة، إذ نلحظ وجود صعوبة معلقة بالطرح الماركوزي لهذه التكنولوجيا الجديدة التي قد تحرر الإنسان من السيطرة القائمة بطريقة تلقائية، إذ ستنبثق من التكنولوجيا القائمة اليوم في المجتمعات المتقدمة صناعياً. وبما أن التكنولوجيا وثيقة الصلة بمصالح القوى الاقتصادية والسياسية القائمة، فإنه لا يمكن أن تكون في خدمة الإنسان إلا من خلال توجيهها نحو القيم والغايات الإنسانية.

ويختم بومنير كتابه بقوله إن أهمية مسألة العقلانية التكنولوجية لدى ماركوز تكمن في طرحه النقدي لها، ذلك أن التأكيد على هذا الطرح كان الغرض منه تجاوز الواقع القائم على السيطرة بقصد تحقيق التحرر الإنساني المنشود.

شكرا على المقال بارك الله فيك

شكرا أستاذ على هذا التعريف بالكتاب.

مع الشكر والتقدير

مشكور استادي الكريم

بارك الله فيك أستاذي القدير على هذا التقديم المختصر للكتاب .

merci beaucoup

» استفادة أكسل هونيث من مدرسة فرانكفورت (منهجيا)
» ملخص مذكرة : ( النظرية النقدية ومفهوم الحداثة في مدرسة فرانكفورت - أدورنو وهابرماس أنموذجان - )
» أخر كتاب قرأته .
» كتاب نفح الطيب
» حمل كتاب نحن وأوروبا