العقل العربي والإسلامي : حوار مع الطرح الأركوني والجابري.
للكاتب حسين بوبيدي
بين العقل العربي ذو الجذور والتجليات الأعرابية الممتد عبر التاريخ من خلال رؤية الجابري، والعقل الإسلامي الأصولي المقولب من خلال تأسيس علم الأصول من قبل الشافعي بكتاب " الرسالة" التي وضعت آليات الإستنباط لتنقل التقديس من النص إلى الفهوم المتعلقة به من الفقهاءحسب الطرح الأركوني ، بين هذين أكتب هذه المحاولة:
تبدأ المفارقة بين الرؤية الجابرية والأركونية للعقلين العربي والإسلامي من التسمية ، ولكنها ليست مفارقة حقيقية أكيدة ، فلفظ عربي عند الجابري لا تعدو عند أركون سوى عجزا عن التصريح بالمضمون الحقيقي للمشروع الجابري وهو " العقل الإسلامي " نتيجة الضغوط السياسية والإجتماعية والثقافية التي يكتب فيها المفكر المغربي ، ومن ثم فعروبة العقل عند الجابري هي حسب أركون ستارا لإسلاميته ، وإن سلمنا أن المشروعين الجابري والأركوني مختلفين حقيقة وليس اضطرارا ، فسيكونان مشروعين متناقضتين ، اللهم إلا باعتبار الطرح الجابري ينحى منحى أنتروبولوجي ما قبل إسلامي من خلال استمرارية عقل في جغرافيا محددة، والطرح الأركوني ينحى منحى تفكيكي لمسار الفكر الإسلامي من خلال التأكيد على فاعلية العقل في قولبة مضمون ومفهوم النص الديني من خلال نموذج الرسالة للشافعي ، وإذا تجاوزنا هذا أعتقد أن الطرحين فيهما نوع من الإختزالية.
وقبل أن أكتب وجهة نظري أقول أن أهم الآليات التي يدعوا إليها التيار الحداثي في تفكيك التراث ينبغي أن تطبق على إنجاز هذا التيار ذاته ، ينبغي إخضاع فكرالجابري وأركون للتفكيك ، ووضعه في السياق التاريخي له ، وربطه بالمسار الفكري والاكاديمي التكويني لهما ، أقول هذا وأنا أرى أن بعض مثقفينا غير قادرين على التعامل مع هذا الفكر من منطلق النقد ، بل من منطلق أنه فكر متعالي محلق في سماء التنظير،.
إن منطلق العقل العربي الأعرابي بقدر ما هو اختزال لمسارات الإنسان المسلم وتشكل عقله من خلال التداخل الكبير الذي حدث بين الإثنيات والثقافات والجغرافيا والسياسة و....بقدر ما هو ركون إلى ثبات القيم المشكلة في إطار زمني محدد وقدرتها على اختراق آفاق الزمان والمكان ، وهو ما يلغي التحولات التي تطٍرأ على الفكر من خلال التحول في البيئة الحاضنة له ، وتنتج بدلك تصورات جديدة قد تتباين قليلا أو كثيرا مع ما سبقها ، وقد تشكل قطيعة معها ، ومثل هذا الطرح بجذوره الماركسية حاضر جدا لدى مختلف الحداثيين من الجابري إلى أركون إلى .... ولكنه لا يحضر في النتائج التي غالبا ما تبدو خارج مقدماتها ، ومن ثم أعتقد أن لفظ عقل عربي ببعده الأعرابي فيه ما فيه من الإنسياق وراء التوسيعات الإستنتاجية للحوادث التاريخية والأفكار المنبلجة في سياق محدد ، أما الحديث عن العقل الإسلامي إنطلاقا من رسالة الشافعي وهو الطرح الذي يدافع عليه أركون في كل كتاباته ، فإنني لا أزعم أنه يمكن تجاوز الرسالة في قضية التشكل والتبلور لهذا العقل ، لأنها أحد أهم الإنجازات الفكرية التي ألقت بظلالها على ما بعدها ، ولكني أعتقد أن هذا التعميم مما يخل بالطرح الأركوني ذاته الذي كثيرا ما اشتكى من أن التصور المقدم من الإستشراق التقليدي لتاريخ الفكر غالبا ما يركز على قضايا ويغفل أخرى لا تقل أهمية عنها ثم يعطي استنتاجات تشمل المهتم به والمهمش على السواء -ومثاله عند أركون التركيزعلى الحواضر ذات الثقافة الكتابية وإلغاء الاطراف من التحليل وبناء النتائج الفكرية- وهوما ينطبق على مثال الرسالة فهي وإن كانت صاغت منهج الإستنباط واستطاعت أن تدفع به بعيدا من خلال اعتبار نتائجه تمتلك نفس القداسة مع النص - أعني هنا سلطة التحليل والتحريم لا سلطة التعالي لإمكانية الخلاف في الأحكام بحسب الإجتهاد- ، فإن النقاشات المستمرة المرتبطة بالأصول تبرز أن تلك القواعد كانت دوما محط خلاف بين المذاهب والفرق ، لأن أركون مع الأسف غالبا ما جعل غاية التفكيك للعقل الإسلامي منطلقا من السعي لكسر الدوغمائية الدينية داخل الخط السني، مع أن لفظ السنة ذاته حوله الكثير من الإشكالات، بداية من المذاهب الباقية إلى المنقرضة إلى التفرقة بين تيار النص وتيار الرأي إلى الأشاعرة والماتريدية ، إلى الواقع الفكري قبل الغزالي وبعده ، إلى ..... ومن ثم أرى أن العقل الموجود عند العرب والمسلمين لا زال يحتاج إلى نقد وتحليل حقيقي بمنهج يحترم الخصوصية التاريخية للمسار الإسلامي من حيث كم التعدد الهائل الموجود في قراءاته بعيدا عن قولبة كتاب الفرق والمقالات التي لا تعبر عن الحقيقة ، وهذا الأمر الأخير هو ما يؤكد عليه أركون دائما ولكن النتائج تبدو غالبا بعيدة عن مقدماتها ، إلى الحد الذي يجعلك وأنت تقرأ في تفكيك أركون للفهوم سعيا منه لتفكيك بل هدم الدين ذاته .
حسين بوبيدي