الفن الإسلامي الوسيط ... مقاربة نقدية لتصور الذات والمعقولية

[rtl]      يرى العديد من المفكرين والباحثين ، تاريخ تطور ( الفن ) يميزه فترتين مهمين أكثر شهرة ورواجا في تاريخ الإنسانية عموما، وهما الفن الإسلامي ( من القرن السابع الميلادي إلى القرن الثامن عشر ميلادي ) ، والذي امتد من خليج " البنغال " في الهند شرقا إلى أقصى المغرب العربي غربا ، والفن الغربي مع بداية عصر النهضة في أوروبا – وبالتحديد في مدينة " فلورنسا " الايطالية – في القرن الثامن عشر . وهذا الأخير قد تميز بعدّة مفاهيم ، تعبر عن الحداثة الجمالية من خلال التحرر من سلطة الكنيسة والتقاليد المسيحية القديمة ، نذكر منها : حرية الذات ، الاهتمام بالإنسان ، تحكيم العقل ، تفعيل النقد ، الرياضيات ، ... الخ ، فأصبح الفن الغربي كقوة نقدية للواقع والحياة السائدة إلى جانب الحدثات الاجتماعية والثقافية . ولكن بلوغ الفن الغربي إلى هذه الدرجة من التطور والرقي ، لم يكن إلاّ بفضل – والتاريخ شاهد على ذلك – تأثره واحتكاكه ، من خلال رحالات تجارية أو استشراقية أو حملات عسكرية ، بالحضارة العربية الإسلامية من علم وفلسفة وفن . وهذا الأخير كان أشد تأثيرا من خلال تنوع مجالاته من : فن التصوير ، الزخرفة التجريدية ( الارآبيسك ) ، النقش والتزويق ، فن العمران ، الترقين ، والخط العربي ...الخ . [/rtl]
[rtl]   فمن خلال هذه النقطة ، يمكن أن نطرح الأسئلة التالية : كيف يمكن تبرير تأثير الفن الإسلامي على الفن الغربي ؟ ، وهذا الأخير ما يحمله من مفاهيم حداثية، هل يمكن أن نجدها داخل الفن الإسلامي؟.[/rtl]
[rtl]    إذا أردنا أن نقدم تعريفا بسيط للفن الإسلامي ، يمكن القول هو ليس بالضرورة أن يكون الفن الذي يتحدث عن الإسلام ، فليس هو الوعظ والإرشاد ، وإنما هو الفن الذي يرسم صورة الوجود من زاوية التصور الإسلامي لهذا الوجود . فهو الفن الذي يجمع بين " الجمال " و "الحق " ، فالجمال حقيقة في هذا الكون ، والحق هو ذروة الجمال ، من هنا يلتقيان في القمة التي تلتقي عندها كل حقائق الوجود .[/rtl]
[rtl] فقليلون أولئك الذين تصدّوا للفن الإسلامي، وذلك أن جلّ الكتّاب المسلمين أغلقوا هذا الجانب من حضارتهم ، لتخوف الكثير منهم التعرض لهذه المواضيع التي يتجادل العلماء والفقهاء في جوازها أو تحريمها . ولكن في حقيقة الأمر ، خصوصا من بعدها الفلسفي النقدي ، هو فن ذو مضامين فكرية وفلسفية ،وأيضا ذو جوانب روحية وجدانية ، فهو لا يقوم على المعرفة العقلية بقدر ما يقوم على الكشف والمعرفة الحدسية – وهي أسمى درجات المعرفة – تجعله فن حدسي المنشأ ميتافيزيقي المقصد ، ولهذا كان فنا تجريديا يقوم على المطلق والمجرد لا على المحاكاة والتقليد ،ولقد عبّر عنه ( أبو حيان التوحيدي ) بقوله : " أنّه هندسة روحانية بآلة جسمانية".[/rtl]
[rtl]   لقد اعتبر القرنين 13 و 14 م ، فترة بلوغ ذروة الفن الإسلامي الوسيط ، وهذا نتيجة ظهور وانتشار عدّة مدراس كبيرة في ذاك الوقت اهتمت به على غرار : "مدرسة بغداد" بالعراق التي اشتهرت بـ ( فن التصوير) ، ومن أشهر مؤسسيها " يحي بن محمد الواسطي " صاحب رسوم كتاب ( مقامات الحريري ). كما نجد " المدرسة التيمورية " بفارس – وبالتحديد بشيراز – في القرن 15م ، ومن أشهر فنانيها " كمال بهزاد " صاحب المخطوطين في فن التصوير هما :( المنظمات الخمس ) و ( كتاب البستان). [/rtl]
[rtl] فمن خلال أعمال هذين النموذجين ،يتبين لنا أن الفنان المسلم ، في العصر الوسيط ، كان يلجأ إلى التجريد لكي يرتفع بنفسه فوق مرتبة التقليد ، وهو بذلك يتجه اتجاها جديدا لم يكن معروفا من قبل ، ومعنى ذلك أن الفن ليس نقلا صادقا للطبيعة وللواقع بل هو ابتداع صورة جديدة تخضع للتحول والقيم الجمالية . ومنه نستنتج أن الفن كان ينطوي على جانب كبير من مفاهيم الحداثة والمعاصرة ، حيث حمل ملامح والاتجاهات الفنية التي نراها اليوم في مدراس الفن – فمثلا " محمد راسم " الفنان الجزائري من خلال أعماله الفنية توحي بإعجابه وتأثره بأسلوب الواسطي – حيث بالغ العالمية فلم يبقى في حدود المحلية الضيّقة ، وهذا ما جعله دوما مواكبا لكل عصر وزمان .وعليه ، فإن الجمالية الإسلامية قد حملت في مضمونها معاني ومفاهيم حداثية ، مهّدت لبناء معقولية حداثية إسلامية ، نذكر منها : الذاتية – التجريد – الوحدة والتنوع – العقلانية – التعبير والحرية – الراهنية - المتخيل .[/rtl]
[rtl]    وانطلاقا من كل ما سبق، نستنتج أن الفن الإسلامي الوسيط قد لعب دورا أساسيا كحلقة من حلقات تطور الفن العالمي ، وأهميته برزت من جانبين : داخلي و خارجي . فأما الداخلي كان بمثابة " أيقونة العرب والمسلمين " – بتعبير تيثوس بوركهارت – حيث تجد فيه إشارات ورموز تدّل على أصالة هذه الثقافة العريقة الممتدة إلى فجر الإسلام ، من عقيدة و منهج حياة ، أما الخارجي فيعتبر الفن الإسلامي الطاقة المحررة التي استعملها الفنان الغربي من أجل تغيير نمط الحياة السائدة آنذاك بسبب سلطة الكنيسة التعسفية و المقيّدة للعقل . فكل العلماء والباحثين الغربيين على غرار: " غوستاف لوبون " ، " جورج مارسييه " ، " مارتن بريجز" ، لينورمان " وغيرهم ، اعتبروا بأن الفن الإسلامي شأنه شأن العلوم والفلسفة التي أخذها الغرب من الحضارة العربية الإسلامية في العصور الوسطى، فهذا " بيكاسو" نفسه يعترف ، قائلا : " أن أقصى نقطة أردت الوصول إليها في فن التصوير، وجدت الخط الإسلامي قد سبقني إليها منذ أمد بعيد" .[/rtl]
[rtl]   وعليه ، فمن النقاط التي يمكن أن نلخصها حول بعض الخصائص التي تميزت بها الجمالية الإسلامية ، من بعدها الفلسفي ، نذكر ما يلي : [/rtl]
[rtl]1- حملت أعمال بعض الفنانين المسلمين ، على غرار أعمال الواسطي ، مفاهيم ثورية تتضمن تصورات جديدة ، تعبر عن التمرد على تحريم الفقهاء للتجسيم ( تحرير الذات ) .[/rtl]
[rtl]2- تجاوز الفن الإسلامي حالة التقليد للفن اليوناني والبيزنطي ... ، وتجاوزته من خلال فن مبني على مفاهيم : الذاتية، الحرية ،المعقولية المنفتحة، الاعتماد على التنوع والتغير للإشارة على فكرة الوحدة، مد الجسور بين المادي والروحي ،جعل اللغة والخط العربي أرضية للتأمل والتفكير في الوجود ( وهذا ما نجده في صوفية ابن عربي )[/rtl]
[rtl]3- الحوار والمصالحة بين العقل والدين داخل الزخرفة التي تحترم قواعد العقل والهندسة .[/rtl]
[rtl]المراجع :[/rtl]
[rtl]1- عبد اللطيف سلمان،تاريخ الفن والتصميم(02) ... الفن الإسلامي ،الجامعة الدولية الخاصة للعلوم والتكنولوجيا.[/rtl]
[rtl]2- إيناس حسني ،الفن الإسلامي... قيم جمالية متجددة، جريدة الفنون-مصر،الطبعة السادسة2006. [/rtl]
[rtl]   [/rtl]
[rtl]                        [/rtl]

» الحروب الصليبية في العصر الوسيط
» الحضور الصوفي في الجزائر العثمانية، مقاربة تاريخية
» الذات و الصفات بين المعتزلة و الاشاعرة
» الفن في الحضارة الاسلامية
» الاستشراق إعداد الندوة العالمية للشباب الإسلامي