هل النخبة المفكرة والسياسية في إسبانيا مستعدة لتقبل هذه المطالب؟
يجيب الدكتور عبد الرؤوف سوردو، وهو من أفراد الخلية المؤسسة لـ«جمعية
ذاكرة الأندلسيين المهجرين»، بأن المعلومات المتوفرة من خلال «جلسات مع
خبراء مغاربة متخصصين في التاريخ الإسباني، والموريسكي تحديدا، تظهر أن
هناك اهتماما كبيرا لدى الإسبان بالموضوع، وأن أبحاثهم كثيرة على الأقل من
الناحية العلمية».
المغاربة يشهدون أن هناك رجوعا إلى القراءة الموضوعية للتاريخ الإسباني،
بما في ذلك المحنة الموريسكية، وهذا يبين، حسب المصادر التي تحدثت لـ«الشرق
الأوسط» في الموضوع، أن هناك أرضية فكرية خصبة قابلة لأن تشكل فضاء
للحوار.
ليس وحدهم المفكرون والأكاديميون والمؤرخون الإسبان من يهتم بهذا الجانب من
المسألة الأندلسية؛ فحسب هذه المصادر، هناك جمعيات من المجتمع المدني
الإسباني لها اهتمام بالموضوع، وهي جمعيات أسسها إسبانيون من المنطقة
الأندلسية، وأكيد أن لهم جذورا إسلامية
على المستوى السياسي في إسبانيا، يقول عبد الرءوف سوردو: «باستثناء الحزب
الشعبي الذي له رأي مخالف للأحزاب السياسية اليسارية والاشتراكية، كان هناك
توجه حتى داخل البرلمان من أجل الاعتراف بما تعرض له الأندلسيون».
محمد بركاش، واحد من أحفاد الأندلسيين المهجرين أو المرحلين الذين التقتهم
«الشرق الأوسط»، يرى أن لبسا كبيرا يكتنف استعمال كلمة الموريسكي أو
الموريسكيين من حيث المعنى والهوية والتاريخ. ويستدل مشيدا بالدستور
المغربي الجديد الذي أشار في ديباجته إلى البعد الأندلسي في الهوية
المغربية، قائلا إن الدستور ذكر الأندلسيين وليس الموريسكيين، بنفس المنطق
الذي فضل اختيار عبارة الأمازيغية وليس البربرية.
يعتبر محمد بركاش نفسه من عائلة إسبانية كانت مسيحية ثم أسلمت، ويقدر تاريخ
ظهور اسم عائلته أول مرة في إسبانيا بأزيد من 900 سنة. وكان لعائلة بركاش
دور بعد التهجير إلى المغرب، حيث اضطلع جده برئاسة ما سمي في تاريخ مدينة
سلا المجاورة للعاصمة الرباط، بديوان سلا الجديدة، الذي كان يشن هجمات
حربية ضد السفن المسيحية في إطار ما عرف في الأدبيات الأوروبية بالقرصنة
وبالجهاد البحري في الأدبيات التاريخية. ومحمد بركاش من الشخصيات التي
اهتمت بالمسألة الأندلسية مبكرا.
يقول بركاش: «إن لفظة الموريسكي أو الموريسكيين تم إطلاقها عام 1521 على
المسلمين الذين ارتدوا وعادوا إلى المسيحية». وبالتالي يكون «المؤرخون
مجانبين للحقيقة باستعمالهم هذا النعت القدحي قبل التاريخ المذكور في حق
المسيحيين الذين أسلموا وتعرضوا للاضطهاد بسبب حفاظهم على دينهم الجديد
الإسلام». ويضيف بركاش أنه لم يسبق له أن كان « عربيا ولا أمازيغيا، وإنما
هو إسباني أسلم».
ووفق حكاية بركاش فإن «الموريسكيين يعيشون في إسبانيا وليسوا معنيين بما
نحن بصدد القيام به»، ويتوقع أن تعمق الجمعية المزمع تأسيسها في غضون أيام
البحث والتوضيح بشأن من يكون الموريسكي والأندلسي وغيره. ونتبنى هنا كلمة
الموريسكي أو الموريسكيين عملا بقاعدة «خطأ شائع خير من صواب مجهول».
الموريسكيون أو الأندلسيون كانوا، حسب رواية أوريد، «القربان الذي أدى إلى
جزر الحضارة الإسلامية، وكبش الفداء الذي نصبته إسبانيا محاكم التفتيش.
كانت هويتها تمر عبر محو الحضارة العربية الإسلامية ومخلفاتها التي يمثلها
الموريسكيون.. والحال أن الموريسكيين لم يكونوا من حيث العقيدة ولا
الممارسة الدينية وحدة منسجمة، ولكن الآيديولوجية الطهرانية لمحاكم التفتيش
التي كانت تأخذ بها الدولة الإسبانية كانت ترفض كل أشكال التلاقح
والتفاعل. كان أغلب الموريسكيين مسيحيين جددا، مثلما كان يطلق عليهم في
أدبيات إسبانيا آنذاك، ولأنهم كذلك فهم زائغون عن الجادة أو مهرطقون.. لا
مكان إلا للمسيحية (الصافية) التي تقرها الكنيسة وتشهد عليها محاكم
التفتيش».
... يتبع ...