الفرق بين "النسق المغلق" و"النسق المفتوح"... د.محمد شوقي الزين

د.محمد شوقي الزين

هناك فرق بين "النسق المغلق" و"النسق المفتوح"

النسق المغلق كانت تتمتع به
الفلسفات القديمة وحتى هيغل، لأنه يبتغي الوحدة وصهر عناصر النسق في فكرة
متعالية. كان هنالك مفهوم واحد يُدبّر الهيكل العام للنسق في شكل فكرة
غالبة أو مهيمنة (الكينونة عند الإغريق، اللاهوت
في المسيحية، الدولة عند هيغل التي جعلها نهاية التاريخ). أما النسق
المفتوح، فهو ما تتميّز به الفلسفات المعاصرة، لأن عناصر النسق تتعاضد في
فكرة جامعة ولكنها لا تنحو صوب الانغلاق، بل هناك تطعيم وإزاحة مستمرة في
عناصر الهيكل. فلا نجد مفهوما واحدا يُسيطر على النسق، بل مفاهيم متعدّدة
تتمفصل فيما بينها بالمعنى الطبي لتمفصل وحدات الهيكل العظمي ولكنها لا
تتّحد أو تذوب. وهذا شأن المفاهيم المتمفصلة في أنساق هايدغر وفوكو ودولوز
ودريدا وطه عبد الرحمن وعلي حرب... الأمر الذي أتاح الانتقال من النسق
المغلق إلى النسق المفتوح هو إعادة تحديد الفلسفة كإبداع في المفاهيم، لأن
من شأن الإبداع أن يجعل عناصر النسق في علاقة دينامية وجدلية، في مراجعة
مستمرة، تتمفصل ولا تتّحد، تتصارع ولا تنصهر، تضع فيما بينها مسافة لدرأ
الانغلاق الحتمي الذي يؤول إليه كل نسق. إذا كان لكل مفكر مجموعة من
المفاهيم المنسجمة بينها علاقات متحوّلة، فهو بالتعريف فيلسوف، والعديد من
الفلاسفة العرب المعاصرين لهم مجموعة من الأدوات المفهومية تُشكّل نسقاً
مفتوحاً يغتني بالقراءات والتوزيعات ويتلوّن بالسياقات والملابسات التي
يعكف على مقاربتها. لا يكون المفكر فيلسوفاً بكثرة التأليفات حتى وإن بلغت
100، بل يكون فيلسوفاً عندما يستطيع ابتكار مجموعة من الأدوات المفهومية
ويُحسن استعمالها في القراءات المتنوّعة، بحيث تتكرّر هذه المفاهيم من كتاب
إلى آخر، ولكن كل مرة هي في شأن جديد؛ لأن النسق بالتعريف معناه أن نستعمل
العناصر نفسها في سياقات مختلفة. قد يكون المفكر فيلسوفاً بكتابين أو
ثلاثة، لأنه استطاع أن يبتكر وحدة مفهومية منسجمة ويربط الفكرة بالواقعة
ينجرّ عنها كتابة أو خطاب.