النوم سر عجيب على بساطته وعفويته, ومازالت أبحاث العلماء تدور وتبحر في سحره و أسراره. فالروح تخرج فيه من عالم المحسوس إلى عالم اللاوعي , وتُبحر بك في دنيا الأحلام . فالإنسان ليس له مفر من النوم, لأنه سنة من سنن الحياة ولِتذكره دوما بأنه بشر !.
كلنا يحتاج إلى النوم ليجدد نشاطه وطاقته. أضف إلى ذلك انه يخفف من الضغوط النفسية التي نعاني منها في دوامة الحياة المستمرة. ولكن,عندما يتحول النوم إلى مسابقة ومنافسة ! فذلك عبث وضياع للوقت وإهدار للطاقات والقدرات. إن من بيننا وللأسف الشديد من يتفنن في كثرة النوم , و يعتبر أن يومه قد ضاع سدى إذا لم ينم اثنتي عشر ساعة , وأشد من ذلك من يتباهى بكثرة النوم ! .
إن ساعات النوم قد تتفاوت من شخص إلى آخر وهذا أمر بديهي, والذي يتأمل في النوم يجد أن من ست إلى ثمان ساعات في اليوم هو المعدل الطبيعي , أما أكثر من ذلك فهو إسراف وترف. وأما أصحاب الهمم من العلماء والمفكرين ومن سار على نهجهم, فلسان حالهم يدل على أن كثرة النوم فيه تبذير وكسل !.
تقول زوجة أديسون أنه كان ينام مثل الطفل على الكرسي في شرفة البيت , لأنه كان يقضي أكثر من ستة عشر ساعة في العمل ! , و كان ينام اقل من خمس ساعات في اليوم, فهل قصّر في الأعمار طول العمل؟ كلا فقد عاش حتى بلغ من العمر أربع وثمانين عاما. ولقد سئل أحد المحاضرين المشهورين على مستوى العالم العربي عن كيفية إيجاده للوقت لإلقاء المحاضرات و إصدار الأشرطة الصوتية والسمعية, وحضور البرامج الفضائية, بالإضافة إلى تأليفه للكتب فقال " أنا لا أنام إلا أربع ساعات في اليوم وهي كفاية ! "
وأما نيوتن فكان طوال الليل يقرا ويكتب, فإذا شعر بالنوم نام لمدة ساعتين ثم يستيقظ ليكمل عمله, ولهذا السبب كان مشهور عنه في عصره, و بين الأوساط العلمية أن نيوتن لا ينام. وقد مات بعد أن تجاوز الثمانين من العمر. وليس ذلك مختص فقط بالعلماء والمخترعين , فالقادة أيضا لهم نمط مشابه , فتشرشل رئيس وزراء بريطانيا كان أثناء الحرب العالمية الثانية يعمل ستة عشر ساعة في اليوم , وينام على فترات متقطّعة من خمس إلى ست ساعات وقد عمّر حتى بلغ التسعين !. وقد سبقه بذلك القائد الذي اتعب أوروبا بالحروب , والذي كان يوما إمبراطورها بلا منازع , إنه نابليون بونابرت الذي كان ينام أربع ساعات على فترتين في الليلة الواحدة.
والمتأمل في تاريخنا الخالد يجد من أمثال هؤلاء الكثير يوم كان النوم آخر همومنا !. فقد رُوى عن الجهبذ صاحب الهمة العالية البخاري رحمه الله أنه كان يستيقظ في الليل فيوقد السراج ثم يكتب الخاطرة, ثم يعود للنوم, ثم يقوم مرة أخرى ليكتب خاطرة جديدة, ويكرر ذلك أكثر من عشرين مرة في الليلة الواحدة!
والأكيد ولو تتبعانا سير العظماء والمفكرين لوجدنا أن شعارهم قلة النوم , وليس ذلك كره في النوم لذاته , بل لأنهم يستمتعون بالحياة و بما يعملون , ولعل هذا هو السر في قلة النوم.
فأصحاب الهمم والقمم لهم هدف محدد, هم يسهرون و ينامون و يحلمون بمعانقته, وستصبح أنت يوما واحدا منهم إذا كان لك هدف تسهر وتنام وأنت تحلم به.
وقد تكون أذكى من نيوتن, ولكنك أكثر منه نوما