الفلسفة ......... والتفلسف ...........(2)
تناولنا بالأمس إشكالية الفلسفة والتفلسف.... واليوم نتناول لماذا يبعد الإنسان عن الفلسفة ؟ ولماذا لا يوجد فلاسفة فى العصر الحاضر ؟
** من المسلم به أن العقل هو الأمانة التى أعطاها الله سبحانه وتعالى للإنسان وميزه بها عن ثائر المخلوقات ، بل العقل هو منوط التكليف والسؤال فى الآخرة عما فعل الإنسان بهذه الأمانة ضلته أم اهتدى بها........ ومع ذلك فالإنسان يبعد عن الفلسفة وأرى أن السبب فى ذلك يرجع إلى المشتغلين بالفلسفة من حيث عدم فهم الفلسفات السابقة وتفسيرها وتوضيحها والعجز الكامل بل والشلل التام فى القدرة على توصيلها إلى الآخريين والمتلقين من العامة وطلابها والراغبين فى دراستها والتعلق بها، ويرجع ذلك من وجهة نظرى إلى عدة أسباب:
أولها: الترجمة وعدم القدرة على فهم المصطلح الفلسفي ودلالته عند من نترجم له من الفلاسفة وكأنه قرءان " يقولون هو يقصد ذلك وهذا هو المعنى" فعند عجز المشتغل بالفلسفة يعرب اللفظ والمصطلح الفلسفي كما هو بلغته او كما يقرأه بالعربية على سبيل المثال كتب الترجمة القديمة تقول سيلوجيسم ,وأصلها syllogism ,ومعناها القياس المنطقي...... والإنفرنسية وأصلها Inference , ومعناها الإستدلال.... وهكذا.
ثانيها : عدم الفهم بأن لكل منا فلسفته والتى تتشكل من عدة منطلقات حياتية وبيئية وسياسية ومجتمعية وثقافية خاصة بكل فيلسوف ويعرضونها وكأنها شيئ عام ينطبق على كل البيئات والثقافات ..... فالفيلسوف هو مرآة عصره ، وناقد عصره الذى يبحث عن حقيقة الشيئ وليست ضلالاته..... مثل سقراط الذى حاول جاهدا نقد المجتمع الأثينى وسياسته وثقافته المتناقضة على أيدى السوفسطائيين ، ولم يكتفى بالنقد ولكن تقديم الحلول ومواجهة مشكلات عصره كما فعل فى إيقاظ ونهضة العقل اليوناني.
ثالثها: الإستهانة والتعالى لمتخصصينا على دارسيهم وكأنهم يملكون الأفق ، ويرجع هذا من وجهة نظرى إلى رفض الحوار والسؤال والعصف الذهنى خوفا من كشف المستور ، وهو الإستقواء بجزء من المعرفة يعد هامشيا ، والإكتفاء بهذه المعلومات وعدم تطويرها، وعدم إيمان الأستاذ بأنه من الممكن أنه يستفيد من طلابه أكثر من إفادته لهم " ويقولون أنت حتعدل عليا .......... ده أنا قرأت كتب بعمرك كله" علينا نعالج أنفسنا قبل أن نكون أطباء نشفى أصحاب العقول الضعيفة................
رابعها: رفض الأسس الفلسفية التى شكلت فلاسفة الماضى من حوار ودهشة وتأمل وعصف ذهني وإتاحة الفرصة لطلابنا لممارسة الفلسفة وتكوين عقلية فلسفية جادة بعيدا عن الحفظ والصم ودراسة أنساق نظرية بحتة دون النظر إلى الواقع ..... فبعد بدأ الحوار بسؤال وإتاحة الفرصة للتفكير وسمع وجهة نظر كل طالب وإتاحة الفرصة لفهم نفسه ومعرفتها " المنهج السقراطي اعرف نفسك"
خامسها: عدم رغبة طلاب العصر الراهن فى التمسك بالعلم والعناء من أجله يطلبون التيك واي " الوجبة العلمية السريعة غير المفيدة" فأصاب السقم كل شيئ فكراً وجسداً...........
اصنعوا عقولكم .......... إذا أردتم أن يكون لكم مستقبلاً...............
وللحديث بقية..........
د/ محمد الكيلانى