شكرا لكن حتى تكتمل لبدا من ربطهما ببعض وظيفة الفيلسوف مع وظيفة الفلسفة
وظيفة الفلسفة :
يخطيء من أنّ الفلسفة علم يحلّق بعيداً عن الواقع , فالفيلسوف عندما يبدأ فى التفكير إنما ينطلق أساساً من ملاحظته الدقيقة للوجود المحيط من حوله عموماً , بدءاً من البحث فى الأصلين العظيمين ؛ أصل الكون وأصل الإنسان , ومروراً بمحاولة اكتشاف السُبُل والوسائل التى تمكّن الإنسان من الانتصار فى جولات صراعه مع الطبيعة , وانتهاءاً بوضع الأسس النظرية والقوانين التى تنظم علاقة الإنسان بأخيه الإنسان فى المجتمع .
ومن هنا يمكننا تعريف الفلسفة بأنها محاولة تفسير الوجود ومِنْ ثَمَّ استخلاص نتائج لهذا التفسير , حيث تتمثل هذه النتائج فى شكل نظريات علمية ومنظومات فكرية وظيفتها إشباع تساؤلات الإنسان وتمكينه من العيش فى هذه الحياة بأفضل صورة ممكنة . ويُلاحَظ أنّ هناك نوعان مِن الفلسفة : فلسفة مثالية ميتافيزيقية تهتم بالبحث فى الماوراء , وفلسفة أخرى مادية طبيعية فيزيقية لا تهتم إلا بالبحث فى المُشَاهَد فقط .
فأصحاب الفلسفة الأولى يروْنَ أنّ هناك شيئاً غيبياً يقف وراء هذا العالَم المحسوس , وأنه من المستحيل أنْ يقوم هذا العالَم المادى وحده وبنفسه , وحصل اتفاق بين أصحاب هذه الفلسفة على تسمية هذا الشىء الغيبى بـ"العلة الأولى" أو بـ"العقل المدبر" أو بـ"الخالق الأعظم" , ثم اختلفوا فيما بينهم بعد ذلك اختلافاً عظيماً حول ماهيّة هذا الخالق وحول حكمته مِن خلق البشر . بينما يؤمن أصحاب الفلسفة المادية بأزلية المادة وسرمديتها وعدم وجود أى غيبيات تقف وراءها , ويؤمنون أيضاً بأسبقية المادة على الفكر , وعدم وجود ما يسمى بالروح أو ما يسمى بالانتقال إلى العالَم الآخر .
وهكذا نرى اختلاف الفلسفتين فى الأصل العظيم ألا وهو تفسير نشأة الوجود , وبالتالى كان لابد قطعاً أن يترتب على هذا الاختلاف الرئيسى اختلاف آخَر حول وظيفة كل مِنَ الفلسفتين فى الحياة .
ففى مجال العلم مثلاً نجد أنّ بعض الفلسفات المثالية التى كانت موجودة فى العصور الوسطى كفلسفة الكنيسة المسيحية كانت وظيفتها متمثلة فى تحذير الناس من تصديق أى نظرية علمية تخالف الكتاب المقدس , وتنبيههم إلى أنّ الكتاب المقدس هو بمثابة دستور للحياة يحتوى على كل الحقائق , وأن كل ما يخالفه خاطىء مهما كان مغلفاً بنظريات علمية براقة .. وعلى العكس من ذلك كانت وظيفة الفلسفة المادية آنذاك هى تحرير عقول الناس من خرافات الكنيسة , ودعوة الناس إلى العلم التجريبى وحده واعتباره السبيل الوحيد لنهضة الإنسان . ولكن هناك وظائف أخرى للفلسفة تنطلق من مفاهيم إجتماعية أو اقتصادية أو سياسية , ففى المجال الاجتماعى مثلاً نجد فلسفة كالفلسفة الوجودية قد أخذتْ على عاتقها أن توصل للناس مفهوم سيادة الإنسان فى الأرض ومحاربة كل ما يهدد سعادته أو يقلل من شأنه أو يسفّه من وجوده , كما أكدت هذه الفلسفة على أهمية أن يكون الإنسان سيداً على نفسه لا أن يكون تابعاً لأحد أو تحت وصاية أحد . بينما نجد فلسفة كالشيوعية مثلاً أخذتْ على عاتقها تحرير طبقة البروليتاريا ومحاربة الظلم الاجتماعى الواقع عليهم وإيصالهم لكرسى الحكم , وبعدما يتمكنوا من الوصول إلى الحكم يبدأوا فى التقليل من حرية الفرد , والتأكيد على مفهوم الجماعة وتقديسه ودعوة جميع أفراد الشعب إلى الثقة فى الدولة والانقياد لها .. حتى إذا أصبح العالَم كله شيوعياً اختفى نظام الدولة والقانون تماماً وحلت مكانه لجان المصالحات لحل التناقضات الثانوية , ونجد فى هذه الفلسفة – أيضاً فى المجال الاجتماعى – الدعوة للرجوع إلى العصر البدائى الأول فى مشاعيته الجنسية , والتأكيد على أنّ نظام الأسرة يعوّق المجتمع كثيراً . أما إذا انتقلنا لوظيفة الفلسفة فى المجال الاقتصادى فنجد فلسفتين كبيرتين متقابلتين ؛ وهما فلسفة النظام الاشتراكى , وفلسفة النظام الرأسمالى .. فالاشتراكية تدعو إلى مساواة جميع الناس فى المال وتقرير الملكية العامة لوسائل الإنتاج , بينما يرى النظام الرأسمالى منطقية التفاوت بين البشر وضرورة وجود الملكية الخاصة لأن حب التملك فطرة فى الإنسان .
وهكذا تتفاوت الفلسفات المختلفة فى وظائفها بالمجتمع طبقاً لتفاوتها فى نظرتها إلى الوجود والإنسان , ولكن تبقى وظيفة الفلسفة الأساسية فى كل أنواعها ملخصة فى كلمتين : إشباع تساؤلات البشر حول تفسير الوجود , ووضع منظومات فكرية تنظم حياتهم وتوفر السعادة لهم فى هذه الحياة .