مجلة النهضة :مجلة عربية جامعة تصدر ك شهر عن جمعية النهضة للإصلاح الثقافي والاجتماعي المكان حي الإخوة عباس في قسنطينة رئيس التحري محمد الهادي عثمانية العدد6 تاريخ الصدور جمادى الثانية نوفمبر 1990م. ص31.
عنوان المقال الجزائر بين الأصالة والتحريف الاستعماري بقلم الدكتور صالح فركوس.
اللغة أو المنظومة التربوية الاستعمارية: كانت حركة المستعمر التعليمية والثقافية تفرض رؤية أخرى وتصورا آخرا غريبا عن تفكير أمتنا فالثقافة الفرنسية بمختلف مجالاتها تسعى لتحقيق هدف واحد هو علمنة المجتمع الجزائري وفرنسته ,لقد كان تصميم فرنسا لتحقيق ذلك واضحا حيث أكدته القرارات والمراسيم لأن الأمر يتعلق بقضية السيادة ,فالدوق ديروفيغو في بداية الاحتلال صرح قائلا :{إن المعجزة الحقيقية التي يمكن صناعتها تكون في إحلال اللغة الفرنسية شيء فشيئا مكان اللغة العربية:ما جاء أيضا في أحد التقارير الفرنسية :أن التعليم الفرنسي يذهب الأخلاق ويلين القلوب القاسية ...فيربطها بالحكومة بعد استطلاع الشباب الجزائري على حضارتنا وتقاليدنا وكل معارفنا ليصبحوا عناصر مفيدة ووسطاء بيننا وبين إخوانهم في الدين حتى ينقلوا إليهم الفكرة الصحيحة لكبر ونفوذ بلدنا}.
تلك هي الفكرة الاستعمارية الصليبية التي لاتريد للأمة سوى إتباع ملة النصارى فدبرت المكية إذا وأحكمت خيوطها , وهناك الآن من يعمل على تنفيذها فالإسلام والعربية اليوم يجدان مناهضة كبيرة وأن خصومهما أدركوا أن بقاءهما لا يكون إلا في شكل منظومة تربوية أصلية تنطلق من مشروع إيلامي وحضاري لا يخرج أو يحيد عن ثوابت الأمة لذلك ناصبوهما العداء في حين تجد الأمازيغية والفرنسية والعلمانية التأييد المادي والمعنوي لكن حينما تحيط بنا النوائب نذكر مقولة عثمان إذ قال :يزرع الله بالسلطان ما لا يزرع بالقرآن .ونردد أيضا قول الشاعر:
والجمع لابد له من قائد *** يقوده لتحصل الفوائد
أم نقول ما قاله الشاعر :
نعوذ بالله من القيادة وإن *** غدت في عصرنا سيادة.
2:محاولة جعل الجزائر فرنسية :إن أول تحريف خطير وقع في تاريخية الجزائرية هو محاولة جعل الجزائر فرنسية ولتأكيد هذا الاتجاه الاستعماري فإننا نجد فرنسا عام 1834م تفكر وبعجالة في ربط الجزائر ماديا وفكريا بمؤسساتها الإدارة والاجتماعية والثقافية و وقد أدت تلك السياسة إلى ظهور جماعة من الشبان الجزائرية في مطلع القرن العشرين بعد الحرب العالمية الأولى تطالب بالاندماج التام وهذه الجماعة مقسمة إلى فئتين :
الأولى وهي صغيرة تطالب بالموطنة الفرنسية دون الارتباط بالقوانين الإسلامية وهي فئة لائكيه علمانية تريد الذوبان الكلي في المجتمع الفرنسي ,أما الفئة الثانية فكانت تطالب بالمساواة السياسية مع البقاء بالتعامل بالقانون الإسلامي ,وقد كان يمثلنها حفيد الأمير عبد القادر الأمير خالد الذي عرض برنامجه في بجريدة الإقدام وهي نزعة تستهدف فصل الدين على العدالة بل حدث ما هو أدهى من ذلك لولا فضل الله علينا لتحققت أمنية فرنسا حيث صرح فرحات عباس قائلا إن الأمة الإسلامية الجزائرية مجمعة على اعتبار نفسها امة فرنسية بحتة لا وطن لها إلا الوطن الفرنسي ولا غاية لهل إلا الاندماج الفعلي بفرنسا و وقد كان رد فعل جمعية العلماء وتصديها لسياسة الإدماج والتنصير والفرنسة حازما لا ينكره إلا جاحد أو متنكر للحقائق التاريخية فكتبت تقول أن كل شيء يتطور حتى الإلحاد والكفر فبعض المتصوفة بالأمس يقول : فتشت عليك يالله فوجدت نفسي أنا الله ,واليوم يقول في السياسة يقول فتشت عليك يافرنسا وجدت روحي أنا فرنسا وهكذا فإن ظهور جمعية العلماء رائدة التجديد الإسلامي في الجزائر قد حطم أحلام فرنسا ومشروعها الاستعماري الصليبي في جعل الجزائر فرنسية .
3التشريع وجهاده القضائي :لقد بين المستعمر موقفه من التشريع الإسلامي وجهازه القضائي عام 1834م على لسان الحاكم العام أن الشريعة الإسلامية لاينكن أن تظل بهذه البلاد لأنها تتناقض مع السيادة الفرنسية وعنصر التطور,وفي 28/2/1841م تم فصل القانون الجنائي عن القانون المدني في حين صدر في الفاتح من أكتوبر قرار إمبراطوري يأمر بإعادة تكييف القضاء الإسلامي حتى يتسنى للاستعمار إخضاع الجزائريين للقانون النابليوني وأكد الغزاة الصليبيون موقفهم من ذلك صراحة : يجب أن يزول القاضي المسلم أمام القاضي الفرنسي ,إننا نحن الغالبون .
وقد تصدت جمعية العلماء المسلمين لهذا العمل التخريبي بكل قوة ,مبينة أن القضاء بين المسلمين في أحوالهم الشخصية والمالية والجنائية جزء لا يتجزأ من دينهم لأن الحكم بينهم فيها حكم من الله .
والخلاصة, هل نستطيع أن نواجه بجرأة واقعنا المعاصر فنقول أن الغزو الفرنسي بالجزائر قد ترك آثاره المتعفنة ومواريثه الساقطة.......................