مـقـدمـة:
هناك فواصل تاريخية كبيرة في مسار الزمن وهي متباينة في الأهمية القيمة التاريخية والحضارية ,منها نقاط تحول كبرى في التاريخ التي هي على شكل الحروب المدمرة كالتي غيرت وجه التاريخ كسقوط روما أو فتح القسطنطينية ,أو الثورة الفرنسية ,ومن الفواصل التاريخية الكبرى أيضا تلك التي كانت على شكل تحولات كبرى من الجانب الفكري والحضاري,ومثل ذلك اكتشاف الكتابة أو اكتشاف القارة الأمريكية ,ولكن المؤرخين يتجاهلون الثورات الأولى الفكرية والإنسانية مثل تحول الإنسان إلى الزراعة وخدمة الأرض ,للأهمية الكبرى لهذا الموضوع المُغْفَلْ أردنا أن نتكفل بهذا العنوان لننجز عرضا بسيطا في مقياس المظاهر الحضرية للعالم القديم ,وقد اعتمدنا على خطة ضمناها ثلاث فصول :لأولها هو التطرق للزراعة من حيث تعريفها في العصر القديم والعصر الحجري الذي هو غير تعريفها في وقتنا الحاضر,ثم تعريفها من الجانب الجغرافي بين الشرق والغرب في ذلك الوقت,ثم واقع الزراعة في بلاد المغرب القديم (نوميديا وقرطاجة وفي العهد الروماني),ثم الفصل الأخير الذي يتناول نماذج من المنتجات المغربية ذات الأهمية الكبيرة في ذلك الوقت.
وقد اعتمدت على بعض المراجع مثل كتاب محمد الهادي حارش:ا التوسع الفينيقي في غرب المتوسط ,وكتاب محمد البشير الشنيتي : التغيرات الاقتصادية في بلاد المغرب أثناء الاحتلال الروماني ودورها في أحداث القرن 4ميلادي,وكتاب محمد الصغير غانم :مواقع وحضارات ماقبل التاريخ ,وكتاب أحمد صفر :مدنية المغرب,ومراجع أخرى مثل المنجد العربي في الأعلام...
وقد واجهتُ بعض الصعوبات التي لا تكاد تذكر منها قلة المصادر وقلة المراجع التي تتكلم عن الزراعة واكتفاء الكثير منها بذكر العموميات والبديهيات والعدول عن ذكر التفاصيل المفيدة والحقائق التاريخية المتعلقة تأثير الزراعة في مجرات التاريخ,أخيرا نتوجه بالشكر الجزيل للأستاذ الكبير عن النصائح المفيدة التي يقدمها لنا في كل فرصة ولاعتنائه الخاص بفوج التخصص القديم والذي نتمنى أن يستفيد من اعرض هذا
الفصل الأول :ماهية الزراعة وأهميتها :
المبحث الأول :تعريف الزراعة :
تتعتبر الزراعة من أهم النشاط الإنساني ,من أقدم إضافة إلى القنص والصيد ,ولما كانت الزراعة خطوة متقدمة نحو الاستقرار والإنتاج سميت بثورة إنتاج الطعام ,وقد عاصر هذه الثورة العديد من الصناعات العتيقة,:الفخارية والحجرية والعظمية ,وكذا استئناس الكثير من الحيوانات ,وقد كان الإنسان في العهد الغابر القديم يعتمد على الزراعة في تأمين غذائه فقط ,وقد نتج عن هذا كله استقرار الإنسان وعدوله عن الترحال مما كون فيما بعد التكتل الإنساني,في إطار القبيلة التي هي النموذج المتطور للمدينة ,ورغم أن الدافع الأول للزراعة هو إشباع حاجة الإنسان الجائع فإنها تحولت فيما بعد إلى عمل مستقل تقوم عليه اقتصاديات الدول الكبرى فيما بعد ,وأصبحت الزراعة مرتبطة ارتباطا وثيقا بحركة التجارة العالمية ,ثم أنها كانت كثيرة التداخل مع الأمور السياسية السائدة آنذاك من أوضاع حرب وسلم ,واحتلال ومقاومة...
كما أنها تأثرت بالموقع الجغرافي والفلكي وطبوغرافيا المكان وحالات الطقس والمناخ وكذا السيول والمجاري المائية .
المبحث الثاني:علاقة الزراعة بالعصر الحجري الحديث:
يعتبر العصر الحجري الوسيط(الميزوليتي) همزة وصل بين العصرين الحجريين القديم(الباليوليت) والحديث(النيوليت),لذا فإنه غير ذا أهمية كالتي يملكها هذا الأخير , وتكمن أهمية العصر الحجري الحديث ,في كونه الممهد لعصور فجر التاريخ والعصور المعدنية ,ويقال أن العصر الحجري الحديث ظهر بالمشرق قبل المغرب بألف عام وذلك لظهور الزراعة فيه , إلا أن ذلك غير صحيح ,فإن كان المشرق قد عرف الزراعة في ذلك الوقت فإن المغرب أيضا قد عرف استئناس الحيوانات وذلك في منطقة الصحراء حاليا وعلى السواحل المغربية ,وتعتبر بلاد النوبية في أعالي النيل الأصل الأول للماعز وهي أولى الحيوانات التي استأنسها الإنسان القديم ,في حين أن أولى مناطق الاستقرار لزراعي في المشرق هو موقع جير يكو بفلسطين وهو من أقدم الأماكن التي دجنت فيها الزراعة إضافة إلى موقع شنيدار بشمال العراق وسيالك بشمال إيران ,وكلها كانت محطات الزراعة في الحجري الحديث ,ولكن هذا ليس دالا على انعدام الزراعة في العصر الحجري الحديث في بلاد المغرب فقد وجدث الكثير من المواقع الدالة على وجود الزراعة في ذلك الوقت مثل موقع الداموس الأحمر بالقرب من تبسة .
علاقة الزراعة بالصناعة والرعي :
يعتبر الرعي الإرهاص الأولي للزراعة ,فإن الإنسان القديم كان يتنقل في البراري بحثا عن الكلأ والماء إلا انه قد يتوجه لخدمة الأرض من أجل إنتاج طعام الماشية ,وتدل الاكتشافات الأثرية أن بلاد المغرب القديم كانت تعج بالحيوانات البرية الصالحة للصيد ,وكذا الأليفة كالأبقار والأغنام ,ولا تزال إلى يومنا هذا بل وحتى الحيوانات المفترسة ,وقد ورد ذلك في كتب المؤرخين الإغريق والرومان عن بلاد المغرب مثل هيرودوثس ,وقد حفظت لنا الرسومات الصخرية في الكهوف والمغاور والصخور على أنماط الزراعة والري في بلاد المغرب الشمالية ,وكذا المنطقة الصحراوية ,غير أنه لا نفهم من هذا أن استئناس الحيوان كان محصورا فقط في المناطق التي توفرت فيها الرسوم الصخرية ,كما أن للزراعة علاقة وثيقة مع الصناعة فهذه الأخيرة وإن كانت أسبق من الأخرى ,كانت لها دخل كبير في الزراعة خاصة وأن في كثير من الحالات تساهم الصناعة في إمداد الزراعة بالأسلحة المختلفة والآلات ومنها المحاريث بأنواعها الخشبية والحجرية والمناجل وأدوات الطحن وأدوات عصر الزيتون واستخراج الزيت.
الفصل الثاني:الزراعة في العالم القديم بين المشرق والمغرب:
المبحث الأول:واقع الزراعة في المشرق:
تعتبر المناطق الشرقية من أهم المواقع التي ظهرت فيها الحضارات الأولى وذلك في البلاد الواقعة مابين نهري:دجلة والفرات ,وكذلك دلتا النيل وضفافه ,وكذا حضارات اليمن التي اعتمدت على سد مأرب أما بلاد الرافدين فإن السومريون قد اشتغلوا بالزراعة منذ عهد متقدم ,يعود إلى ما قبل الأسرات ,ثم أنم ربطوها بإله الخصب وإله السماء والرعد والبرق,إلا أننا لم نستطع الوقوف على المكانة الدينية للرافدين رغم الأهمية الكبرى لهما في نهوض الحضارة العراقية القديمة .
أما الفينيقيون فقد كانوا تجارا لكنهم لم يهملوا الجانب الزراعي ,رغم ضيق بلادهم ,ففينييقيا ساحل مستطيل ضيق تتعاقب على شواطئه السهول الرسوبية ,والرؤوس الصخرية ,وتغطي الغابات جباله وقد تخصصت بلاد فينيقيا في إنتاج الخضار والحبوب والنخيل, وكذا الكرمة والزيتون وقد كانت على قدر كبير من التطور فقد استعملوا المناجل المربوطة إلى الحجر وكذا السكة الج,وفة لبدر الحبوب ,تجرها الثيران والأبقار أو الإنسان إذا لزم الأمر .
وقد نالت الدول اليمنية القديمة نجاحا كبيرا من التطور ,ولازالت حتى الآن آثار الري متواجدة في الكثير من المناطق الأثرية في بلاد اليمن .
وهذا ما يدل على تطور الزراعة في العالم القديم وكان الشرق هو الرائد في هذا المجال والسباق إليه.
المبحث الثاني:واقع الزراعة في المغرب:
إذا كانت المناطق الشرقية تتميز بتطور الحضارات القديمة القائمة على الزراعة فإن المغرب قد تميز بظهور أولى التجمعات الإنسانية ,فقد وجدت بقايا الإنسان المغاربي في شكل عظام متحجرة ,وإن كان المشرق القديم قد مهد لأولى الزراعات في العالم ,أما المغرب فهو الأول السابق لاستئناس الحيوان ,فقد وجدت في المغرب أدوات تعود إلى العصر الحجري القديم الأوسط ,منها مناجل حجرية ومحاريث وغيرها من أدوات الزراعة .
إلا أن النشاط الرئيس للسكان المغاربة هو الرعي لقطعان الماعز والبقر والأغنام والإبل لدى الجيتول والصحراويين .
وقد تطورت الزراعة في العصور الذهبية للممالك المغربية,لاسيما في العهد القرطاجي لما ارتبطت الزراعة بالعلوم الحديثة التجريبية ,وكان عهد ماسينيسا هو العصر الذهبي التي وصلت فيه الزراعة إلى أرقى الدرجات .
وكانت الزراعة الساحلية أي في المناطق ذات المناخ المعتدل قد تطورت أساسا في العهد اللوبي البونيقي وهي نتاج مشترك بين كل المغاربة والفينيقيين .
وكانت الزراعة قبل ذلك تتمركز حول المناطق التجارية ,وقد اشتهرت بلاد المغرب بالكثير من المنتجات مثل القمح والزيتون والكروم .
المبحث الثالث :أهم المواقع الزراعية في بلاد المغرب القديم :
تعتبر المناطق الساحلية الضيقة على ضفاف البحر المتوسط عي الأهم في العالم ممن ناحية الخصوبة سواء ذلك في المغرب حيث نذكر رأس بونة بنواحي عنابة ,وهي منطقة على شكل شبه جزيرة وأراضي متيجة الخصبة ,وكذا إقليم حضرموت في الداخل التونسي ,أين كون القرطاجيون بساتين جميلة ومروج خضراء وربطوها بآلهة الريف والزراعة ,وكذا مناطق تازبنت والتي هي مربعات على شكل فدان لاستغلالها في الزراعة ,وقد كانت نوميديا الشرقية أكثر خصبا من نوميديا الغربية ,وذلك على حد زعم سالوست في كتاب حروب يوغرطة ,لذا فإن ماسينيسا قد اهتم بالزراعة كثيرا لاسيما في الجزء الشرقي في نوميديا الموحدة,وكانت مناطق الأوراس والحضنة بها زراعة القمح والشعير على نطاق واسع تمارس الزراعة جنبا إلى جبن مع الرعي .
الفصل الثالث :تطور الزراعة لدى الكيانات السياسية في بلاد المغرب القديم.
المبحث الأول :الزراعة في الممالك النوميدية :
1:مملكة نوميديا الشرقية :وهي التي تنسب إلى قبائل الماسيسيل والتي كان لها دور أساسي وكبير في الجانبين السياسي والحضاري والقومي وكذا الجانب الاقتصادي والتجاري,وقد كانت تفوق نوميديا الغربية في التطور الزراعي على حد زعم سالوست وقد كانت تغل مرتين في السنة وكانت أكثر المناطق خصوبة وأجودها تربة ومناخا وأوفرها ماءا .
2:أما الجزء الثاني من نوميديا فهو مملكة ماصيصيليا كانت هذه المملكة تمتد من وادي ملوية غربا إلى رأس تربتون شرقا,أو رأس بوقرعون ,في شبه جزيرة القل .
وكانت هذه المملكة كثيرة الحروب مع الجارة ماصييليا وهذا ما مكنها التوسع في بادئ الأمر إلى ما وراء نهر التريتيون ,والوادي الكبير وفي بعض الفترات يمكن أن نقول أن قيرطا العاصمة التاريخية لنوميديا الشرقية كانت ضمن الأراضي الماصيصيلية وهذا ما أكده لتيتيوس ليفيوس في كتابه:S أما امتدادها فقد وصل أقاليم جيتوليا وهو ما مكنها من حيازة البراري الواسعة الصالحة للرعي .
المبحث الثاني: الزراعة في قرطاجة :
تعتبر قرطاجة بأبعادها الحضارية والاقتصادية نموذجا متقدما من الصورة الأصلية الفينيقية ,سيما في الجانب العمراني والديني والثقافي ,وحتى الإقتصادي ,ورغم أن تركيزها في هذا الجانب يعتمد أساسا على النشاط التجاري البحري وكذلك الصناعة ,إلا أنهم لم يتخلوا عن الزراعة وغم ضيق مساحتها في بلاد فينيقيا وطغيان الغابات على معظم الأراضي الصالحة للزراعة ,وقد وجدت بالمنطقة الريفية المحيطة بقرطاجة بساتين جميلة ومروجا خضراء مع قطعان غزيرة من وكثيرة من الخيل والغنم طالما تأثر بها الرومان ,ولكنهم قاموا بتخريبها لإرهاب الناس كما قال بوليبيوس ,وعموما فإن قرطاجة قد تحولت إلى الاعتماد على الزراعة عوضا عن التوسع البحري في المتوسط وتجلى ذلك واضحا خاصة بعد معركة هيميرا 480ق م ,وقد لاحظ المؤرخون القدامى هذا التحول المفاجئ مثل تيودور الصقلي ,وقد برع القرطاجيون في ميدان الزراعة فظهر بينهم علماء مثل ماغون في القرن 3 ق م ,صاحب دائرة المعارف وهي 28 كتاب ضمنها خبرته العلمية في الزراعة ,بينت الشذرات المتبقية منها كيفية الزراعة في ذلك الوقت ,ولكن بقيت الزراعة حكرا عن الطبقة العلية في قرطاجة وبقي السواد الأعظم خداما للأرض أقنانا في درجات العبيد اعتبرهم الارستقراطيين ممتلكات تابعة للأرض 0
المبحث الثالث :الزراعة في المغرب القديم بعد الاحتلال الروماني للمنطقة:
جاء الرومان إلى بلاد المغرب القديم برغبة استعمارية توسعية قائمة على السلب والنهب لذا فإنها انتهجت أساليب معينة فرصت قوانين مختلفة لتغيير الواقع السياسي والعسكري والاقتصادي لصالح لمسعاها الاستعماري ,وكانت الإرهاصات الأولى للاحتلال هي الحروب البونية الثلاث ,ويرى محمد الصغير غانم وغالبية المؤرخين ,أن من أسباب اجتياح الرومان لبلاد المغرب هو نقمتهم على القرطاجيين الذين حققوا ازدهارا في الجانب الاقتصادي والحضاري ,وقد باشر الرومان بعد استيلائهم على بلاد المغرب في مصادرة الأراضي ومنحها للمترومنين من جهة وإثقال المزارعين المغاربة بالضرائب التي بلغت عددها العشرات ,و بادرت الرومان بترقيع اقتصادها الممزق بالخيرات التي تجلبها من الأراضي المغاربية فارتفعت نسبة القمح الإفريقي المشحون إلى روما وبلغت 2/3من احتياجات الدولة من القمح .
وقد بدأت الدولة الرومانية تتدخل في الشؤون الزراعية المغاربية للتحكم في الأسعار ابتداء من زمن نيرونniron وقد اهتمت روما وأباطرتها في القرن الأول بزراعة القمح والتي اعتبرت مادة مطلوبة في إيطاليا وكذا الزيت ,وقد أقام الأباطرة الرومان فيما بعد عدة إصلاحات شملت مبادئ شتى واهم ما يهمنا هنا إصلاحات هادريانوس واتي مهدت إلى الإصلاحات الشاملة في عهد دقلديانوس لتطوير الزراعة .
الفصل الرابع:أهم نماذج المنتجات الزراعية بلاد المغرب القديم .
المبحث الأول :زراعة الكروم:
تعتبر مادة الكروم مهمة لارتباطها بصناعة الخمور وهي من المشروبات العصرية في ذلك الوقت ,وكانت الكروم في العهد القديم زراعة شائعة ومتداولة وهي من أنواع الزراعة التي أعجب بها الرومان واحتكروها ,لأنفسهم وذلك لارتباطها بالجانب التجاري ,وقد تقلص إنتاج الكروم بعد اعتلاء الإمبراطور دونتيانوس وإعلان قراره القاضي بمنع غرس الكروم وقلع ما غرس منها ,لأن انتشار الكروم كان على يد المزارعين الإياليين الغير خاضعين لأوامر الإمبراطور إلا بالضريبة .
كانت هذه الفاكهة من أهم الأنواع التي انتشرت في المغرب القديم,إضافة إلى الخضار والأشجار المثمرة والتين والرمان والأجاص وكذا تربية المواشي والأبقار والخيول والبغال والدواجن والنحل .
المبحث الثاني:زراعة الزيتون:
من أسباب انتشار هذا المنتج (الزيتون) في بلاد المغرب هو ذاك التناقص الملحوظ فزراعة القمح أواخر القرن الثاني الميلادي ,بسبب موسم الجفاف مما جعل الدولة الرومانية آنذاك تحول اهتمامها إلى زراعة الزيتون .
وكذا تزايد الطلب لمادة الزيت في أرجاء الإمبراطورية الرومانية خاصة وأنها تعتبر واحدة من مواد التموين المجاني ,وقد حولت أنظار السكان الأصليين إلى زراعة الزيتون لصرف نظرهم عن أمور أعلى منهم في إطار البحث عن الاستقلال أو إدارة الحكم .
ولعل خارطة الزيتون في إفريقيا هي كما يوضحها محمد البشير الشنيتي فيقول:{من شرقي الرأس الطيب إلى غربي طرابلس جنبا إلى جنب مع أرض الحبوب كما أن السهوب الممتدة من تبسة إلى سبيطلة مرورا بقفصة وسيدي عقبة ...},أما المناخ فقد تنبه إليه الكثير من المهتمين بالتاريخ القديم أولهم ماغون وقد نقل عنه بلينيوس قوله :{إن شجر الزيتون لا يصلح في الأقاليم الباردة ولا في الساخنة جدا ...},وهذا ما يتناسب والزراعة الحديثة المتطورة القائمة على أسس علمية ثابتة ,أو على الأقل عملية ثابتة.
المبحث الثالث:زراعة القمح:
وهو النعمة التي تغذى عليها النوميديون والقرطاجيون قرونا وهو النقمة التي جلبت استعمارا بقي أكثر من تلك القرون الرغيدة ,وكان القمح الإفريقي من أجود الأنواع في العالم القديم سيما في الحوض المتوسط ,وقد صنفه بلينوس بأنه يأتي في المرتبة الثالثة في العالم آنذاك .
وقد قدر المؤرخون الإنتاج الإفريقي في ذلك الوقت بـ:1200000طن وهو يفوق الإنتاج الحالي لاتحاد الدول المغاربة الست,ولعل الخريطة الزراعية للقمح هي بالتقريب التالي الذي وضحه من جديد محمد البشير شنيتي بقوله:{من الساحل التونسي إلى حوض مجردة إلى سهول نوميديا الممتدة من مرتفعات الشمال إلى أعماق الأوراس ومن جبال الخمير إلى الجنوب التونسي إلى البابور زيادة على سهول ولاية موريتانيا ذات الشهرة التاريخية في الخصوبة...}.
خاتمة:
يحكي الاحتلال الروماني لبلاد المغرب جولة ليست الأخيرة في الصراع الأزلي بين الحضارات ,وإن كانت له أسباب ودوافع بعيدة أو قريبة فإن مطامع التوسع هو الصبغة المنطلية على واقعه التاريخي أي أن هذا دال على وجود مظاهر قوة مغربية تخوف منها الرومان عدة قرون ,أي أن الممالك المغربية القديمة لم تكن بأقل أهمية من الرومان نفسه خاصة وأنه قد تكبد منها الخسائر المتتالية أثناء حملة هانيبال 118ق م.
من أهم النتائج التي نستخلصها من هذا العرض هي:
1:الزراعة هي قطاع اقتصادي عريق تفوق فيه المغرب على الكثير من المناطق الحضارية في العالم القديم.
2:كان المغرب القديم متغير تماما عن حالته اليوم فو يتحول من حسن إلى سيء سواء في الجانب الزراعي أو المناخي .
3:إن الخارطة الزراعية لأهم الأقاليم المنتجات للحبوب والزيتون والكروم لم تتغير بشكل واضح اليوم.
4:من العوامل التي جعلت المغرب محل أطماع الكيانات الخارجية هو التفوق الزراعي والفلاحي ,ولعل التاريخ قد أعاد نفسه لما كانت نوميديا تمول روما بالقمح انتهى المشهد باحتلالها لها ,وأن الجزائر لما كانت تمول فرنسا بالحبوب انتهى المشهد أيضا باحتلالها لها.
قائمة المراجع:
1ـ الإدريسي الشريف:نزهة المشتاق في اختراق الآفاق,تحقيق محمد الحاج صادق ,دت .
2ـ الجيلالي عبد الرحمن:تاريخ الجزائر العام ,ج1,ط7.ديوان المطبوعات الجامعية ,الجزائر,1994م .
3ـ السبع محمد الطاهر:محاصرات في تاريخ الحضارات الشرقية القديمة ,جامعة المسيلة,2004م/2005م.
4ـ الوزان الحسن:وصف إفريقيا الشمالية ,ترجمة محمد حاجي ومحمد الأخضر,ج2,ط2,دار الغرب الإسلامي :بيروت لبنان ,1983م.
5ـ آيت بعزيز عبد النور :محاصرات في تاريخ المغرب الحديث,جامعة المسيلة,2005/2006م.
6ـ بولطيف لخصر: محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ ,جامعة المسيلة,2004م/2005م.
7ـ جوليان شارل أنري:تاريخ إفريقيا الشمالية من البداية إلى الفتح العربي 647م،تعريب:محمد مزالي ،بشير ـ سلامة ,ط4,الدار التونسية لنشر والتوزيع ,شباط1983م .
8ـ حارش محمد الهادي:التوسع الفينيقي في الغرب المتوسط ,المؤسسة الوطنية للطباعة ,دت.
9ـ شنيتي محمد البشير:التغيرات الاقتصادية في بلاد المغرب أثناء الاحتلال الروماني ودورها في أحداث القرن 4سلادي ,المؤسسة الوطنية للكتاب :الجزائر,1984م .
10ـ عبد الستار لبيب:الحضارات,ط6,دار المشرق :بيروت لبنان ,1977م .
11ـ عبد الوهاب لطفي:العرب في العصور القديمة ,دار المعرفة الجامعية ,الإسكندرية,2003م.
12ـ عمران عبد الحميد, محاضرات في مقياس الاقتصاد والمجتمع في المغرب القديم ,جامعة المسيلة,2006/2007م0
13ـ غانم محمد الصغير:مواقع وحضارات ماقبل التاريخ في الجزائر,دار الهدى للطباعة والنشر,عين مليلة :الجزائر,2001م .
14ـ كرم جورج وبطرس البستاني وآخرون:المنجد العربي في الأعلام ,ط2,دار المشرق للطباعة والنشر:بيروت لبنان,1967م.
15ـ همال عبد السلام :محاضرات في تاريخ العرب ،جامعة المسيلة,2004/2005م.
16
الرئيسية 
