عالم التواصل عالم اللاتواصل ..!

عالم التوصل عالم اللاتواصل ..!
قراءة في فكر الأستاذ عبدالسلام بنعبدالعالي .

يونس عاشور*

لقد أصبحت ظاهرة الهاتف الجيبي ملفتة للنظر عند الإنسان المعاصر فهي على ما يبدو رغبة طافحة ومستشرية في سيرورة الاتصال والتواصل مع الآخرين بالتناغم لهم والحديث معهم والاقتراب إليهم والظاهر أن " حمة الاتصال " هذه غذت شائعة وذائعة ، فالجميع أصبح يحمل معه هاتفه مثلما يحمل ساعته أو يقتني سيارته في انتظار هذا الذي سيهتف، بل أن الأمر في بعض الأحيان يتخذ طابعاً هزلياً ومظهرياً خصوصاً عندما يتوقف أحدهم في ركن الشارع ليكلم نفسه .

ربما ذلك يجعلنا نتساءل : هل نحن هنا فعلاً أمام رغبة حقيقية وغائية في التواصل والاقتراب والاتصال أم هي عكس ذلك أمام سعي ذائب وراء الهروب والابتعاد والانفصال .

في وقتنا الحاضر يشكو البعض مما يسببه التليفزيون من تفكك وتشتت داخل الأسرة الواحدة حينما يجلس بعضهم جنباً إلى جنب من غير أن يتجالسوا، فتعلق أنظارهم وتشذ آذانهم إلى صندوق العجائب دون أن يحاول أي منهم الالتفات إلى من بجنبه .
هذا المفهوم ينقله الهاتف الجيبي اليوم إلى الشارع حيث أصبح المار عليك لا يحييك أو يتحدث إليك لأنه غارق في عالمه ، في العالم الجديد أن وافقني التعبير أو كما يدعوه احد الدارسين بـ " التليعالم ".

كان المفكر الالماني نيتشه يقول ( أحبو بعدائكم كما تحبون أنفسكم) وإذا كان الفيلسوف نتشيه يقصد بهذه العبارة هو دعوة إلى خلق مسافة مع الآخر إذ أن كل تواصل من شأنه أن يسقط المرء في الابتذال والتشيؤ فنحن نستطيع أن نفهما على أنها دعوة لتقريب المسافة مع البعيد وذلك بخلق هوة وإقامة بعد مع القريب ، فليس قريبك اليوم هو القريب منك. ليس هو جارك وابن حيك، قريبك اليوم هو البعيد فالإنسان المعاصر لا يسعى إلى الاقتراب من البعيد إلا ابتعاداً عن القريب ، انه لا يدنو من البعيد إلا ابتعاداً عن القريب ، انه لا يدنو من الغائب إلا فراراً من الحاضر، انه لا يبحث عن هذا المكان إلا وجوده في ذلك المكان .

وسيلة النقل في هذا العالم هي ( التليعالم ) أي الهاتف المتنقل أو المتجول أو كما ندعوه عن حق بالهاتف النقال الذي ينقلنا ويرسلنا في هذا الفضاء الجديد ليجعلنا متواصلين مع الآخرين لكن ما هي نوع القرابة أو الاقتراب الحقيقي الذي يحققه هذا الهاتف ؟

فهذا الإنسان الكوكبي اذ يحاول أن يعيش في العالم وان يقترب من الجميع لا يقترب من احد وهو إذ يحاول الحضور في كل مكان يغيب عن جميع الأمكنة بل هروبه في حقيقة الأمر هو هروبه من ذاته .
[

مقالل ممتاز شكرا
سيد يونس

موضوع جيد أستاذ ،لقد لفتنا الى موضوع مهم وقضية يومية تمسنا لكن قليلا ما نلتفت اليها أو نلقي لها إهتماما، نعم الهاتف بقدر ما كان وسيلة لتواصل فهو وسيلة لتباعد ، إنها التقنية ا قزمت دور الإنسان و قضت على طبيعته الاسااسية من حيث أنه "مدني بطبعه " و أصبح الإنسان يفضل التواصل الغير مباشر على التواصل البسيط والمباشر ، لقد لفتنا الى هذه القضية العديد من الفلاسفة أمثال مارتن هايدغر ، و يورغن هابرماس و غيرهم ، لكن أستاذ كان بودي لو تناولت أثر الهاتف على السلوك الإنساني أي البعد الأخلاقي .

مرحبا بيك سيدي في منتدانا
منتدى صراع حتى الموت من أجل الثروة والمال