نبذة تعريفية بالفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار مؤلف هذ الكتاب :
يعدّ غاستون باشلار (1884 – 1962) واحداً من أهم الفلاسفة الفرنسيين ، وهناك من يقول أنه أعظم فيلسوف ظاهري ، وربما أكثرهم عصرية أيضاً . فقد كرّس جزءاً كبيراً من حياته وعمله لفلسفة العلوم ، وقدّمَ أفكاراً متميزة في مجال الابستمولوجيا حيث تمثل مفاهيمه في العقبة المعرفية والقطيعة المعرفية والجدلية المعرفية والتاريخ التراجعي ، مساهمات لا يمكن تجاوزها بل تركت آثارها واضحة في فلسفة معاصريه ومن جاء بعده . ولعل أهم مؤلفاته في مجال فلسفة العلوم هي :
العقل العلمي الجديد / 1934
تكوين العقل العلمي / 1938
العقلانية والتطبيقية / 1948
المادية العقلانية / 1953
وأغلبها ترجم إلى العربية وغيرها من الكتب والتي يقارب عددها ثلاثة عشر كتاباً .. وقد برز كواحد من أهم وأشهر المتخصصين بفلسفة العلوم حيث درس بعمق الوسائل التي يحصل بها الإنسان على المعرفة العلمية عن طريق العقل ، ولكنه فاجأ الجميع عندما ظهر كتابه ( التحليل النفسي للنار ) حيث تحول تماماً من منهجه المعروف في فلسفة العلم إلى موضوع جديد حتى في مجال التحليل النفسي حيث الإنسان هو ميدان التحليل النفسي للمادة . ربما كان مفيداً معرفة شيء عن ظاهرية باشلار قبل العودة إلى هذا الموضوع . إنّ الفكرة الرئيسة في الظاهراتية Phenomenology كما أوجدها أدموند هوسرل ، هي قصدية الوعي أي أن الوعي يتجه دائماً إلى موضوع ، أي أنه يؤكد مقولة أنه لا يوجد موضوع من دون ذات .
كما يؤكد المنهج الظاهراتي على الامتناع عن الحكم فيما يتعلق بالواقع الموضوعي وعدم تجاوز حدود التجربة المحضة " الذاتية " ويؤكد على عدم اعتبار موضوع المعرفة موضوعاً واقعياً تجريبياً واجتماعياً بل مجرد وعي مفارق " أي أنه مستقل عن التجربة والمعرفة المحددة أي ميتا فيزياء " . إلاّ أن ظاهرية باشلار ولاسيما في دي دراسته للخيال الشعري ( أي المرحلة الثانية من حياته ) ليست متشددة إلى هذه الدرجة فهو خلافاً للضاهراتية التقليدية يرى أنّ هنالك واقعاً موضوعياً له شروط موضوعية تصلح قوانين العلم لدراسته . وربما تكمن ميزة باشلار الرئيسة وجاذبية فكره في امتلاكـه ذهناً حـراً لا تقيده أي من المواصفات سواء في اختيار موضوعاته أم في معالجاته .فبعد أن اهتم بفلسفة العلوم في الجزء الأول من حياته نراه يتحول إلى دراسة التخيل الشاعري وفلسفة الجمال والفن إذ ابتدأها مع (التحليل النفسي للنار) عام 1937 – كما ذكرنا – ثم(الماء والأحلام) عام 1941 ثم (الهواء والرؤى) ثم ( التراب وأحلام الإرادة والتراب وأحلام الراحة) عام 1948 ثم (جماليات المكان)عام 1957 ثم كتابه الأخير (شاعرية أحلام اليقظـة) عام 1960.
لقد أصبح الموضع الرئيس عند باشلار ، في الجزء الثاني من حياته، هو التخيل أو عمل المخيلة، بعد أن كان العقل؛ وأصبح يسعى إلى القيام بدراسة فلسفية شاملة للإبداع الشعري، واستسلم لدافع لا يقاوم للتواصل مع القوى التي تخلق المعرفة لا التي تُحَصِّـلها ؛والمجال الوحيد الذي يأمل أن يرى فيه تلك القوى، وهي تعمل، هو الشعر؛ لذلك كتب مجموعة الكتب ، في الجزء الثاني من حياته ، طبق فيها منهجه هذا.
إنّ أحد أهم الأسباب التي تدعونا للاهتمام بـ ( باشلار ) هي اهتمامه بالإبداع الشعري والجمالي عموماً، بل وعَـدِّهِ التخيل الشعري ذا أهمية فلسفية كبيرة. ولعل في كتابه الأخير بالذات ( أي: شاعرية أحلام اليقظة) دعوة كبيرة إلى التخلص من جميع القيود التي تحدّ من تذوقنا للإبداع عموماً وللشعر خصوصاً، ونحن بنا حاجة ماسة لذلك. وباشلار هنا يتجاوز جميع نظريات التحليل النفسي للأدب والنظريات البنيوية وما بعها ، والتي انتشرت عندنا واحتلت مكانة كبيرة في قراءاتنا ، كما أنه يخلصنا من رداءة القراءات التقليدية. ويقول أحد النقاد الفرنسيين أنّ أفكار باشلار سنحظى بأهمية أكبر في المستقبل ويبدو أنّ هذا هو ما نراه الآن.
إنّ المهم، في فلسفة باشلار، هو أن تظل ذا شخصية مفتوحة على العالم والقراءة، ويظهر الإنسان في كتابه (شاعرية أحلام اليقظة ) وهو يبدع ويخلق؛ يظهر بصفته منبعاً وموقظاً لعوالم، سواء كانت عوالم العلوم أم عوالم الفنون ، وه الكائن الذي يواجه جميع التحديات ، لاسيما تحدي اللحظة، بالإبداع والاختراع ، الكائن الذي يناضل ضدّ نوم العالم وضدّ غفلته . " نحن نعيش في عالم نائم علينا أن نوقظه بواسطة الحوار مع الآخرين . وما إيقاظ العالم إلاّ شجاعة الوجود بأن نوجد ونعمل ونبحث، نخترع، نبدع، نخلق".
نبذة الناشر عن الكتاب :
والحال إذا استطعنا أن نترجم فلسفيا الحركة المزدوجة التي تحرك الفكر العلمي حاليا لأدركنا أن تعاقب القبلي والبعدي هو تعاقب إلزامي وأن التجريبية والعقلانية مترابطتان في الفكر العلمي برباط عجيب ومماثل في قوته للرباط الذي يوحد بين اللذة والألم .
وبالتالي ، ينتصر أحدهما وهو يبرر حق الآخر وعقله : والتجريبية بحاجة إلى الاكتناه والعقلانية بحاجة إلى التطبيق . إن التجريبية بدون قوانين متناسقة ، بدون قوانين استنتاجية لا يمكن افتكارها ولا تدريسها وإن عقلانية بدون أدلة حسية بدون انطباق على الواقع المباشر لا يمكنها أن تقنعنا إقناعا تاما .
فقيمة أي قانون تجريبي يبرهن عليها بجعلها قاعدة للمعاقلة وللحكم العقلي . وتضفي الشرعية على معاقلة ما يجعلها قاعدة للاختبار . إذن ، يحتاج العلم بوصفه مجموعة براهين واختبارات ، مجموعة قواعد وقوانين ، مجموعة بينات ووقائع يحتاج إلى فلسفة مزدوجة القطب . إنه يحتاج بشكل أدق إلى إنماء جدلي . لأن كل مفهوم يضاء بطريقة تكاملية من زاويتين فلسفتين مختلفتين .