أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيشرفنا أن تقوم بالتسجيل والمشاركة معنا
إذا أعجبك المنتدى يمكنك أن تضغط على زر أعجبني أعلى الصفحة .... شكرا لزيارتك
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيشرفنا أن تقوم بالتسجيل والمشاركة معنا
إذا أعجبك المنتدى يمكنك أن تضغط على زر أعجبني أعلى الصفحة .... شكرا لزيارتك
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


(( الحكمــة لله وحــده ، وإنمـا للإنسان الاستطاعـــة في أن يكون محبًا للحكمة تواقًا الى المعرفة باحثًا على الحقيقة )) سقراط.
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  
ازرار التصفُّح
 البوابة
 الرئيسية
 قائمة الاعضاء
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 بحـث
المواضيع الأخيرة
» " فينومينولوجيا المعيش اليومي" من منظور المفكر مونيس بخضرة .
الفلسفة ترحال عند جيل دولوز  Emptyالإثنين أبريل 17, 2017 2:59 am من طرف مؤرخ المغرب الأوسط

»  هكذا تكلم المفكر الجزائري " د . الحــــــــــاج أوحمنه دواق " مقاربات فلســـــفية " بين الضمة و الفتحة و الكسرة "
الفلسفة ترحال عند جيل دولوز  Emptyالسبت أبريل 15, 2017 2:26 am من طرف الباحث محمد بومدين

» كتاب فاتحة الفتوحات العثمانية
الفلسفة ترحال عند جيل دولوز  Emptyالخميس أغسطس 18, 2016 2:21 pm من طرف مؤرخ المغرب الأوسط

» برنامج قراءة النصوص العربية
الفلسفة ترحال عند جيل دولوز  Emptyالخميس أغسطس 18, 2016 2:12 pm من طرف مؤرخ المغرب الأوسط

» إشكالية الحرية فى الفكر الفلسفى
الفلسفة ترحال عند جيل دولوز  Emptyالخميس ديسمبر 17, 2015 11:19 pm من طرف soha ahmed

» المغرب في مستهل العصر الحديث حتى سنة 1603م
الفلسفة ترحال عند جيل دولوز  Emptyالأربعاء نوفمبر 25, 2015 8:24 pm من طرف مؤرخ المغرب الأوسط

»  هكذا تكلم المفكر الجزائري " د . الحــــــــــاج أوحمنه دواق " مقاربات فلســـــفية " بين الضمة و الفتحة و الكسرة "
الفلسفة ترحال عند جيل دولوز  Emptyالأربعاء نوفمبر 18, 2015 8:41 pm من طرف الباحث محمد بومدين

»  هكذا تكلم المفكر الجزائري " د . الحــــــــــاج أوحمنه دواق " مقاربات فلســـــفية " بين الضمة و الفتحة و الكسرة "
الفلسفة ترحال عند جيل دولوز  Emptyالأربعاء نوفمبر 18, 2015 8:33 pm من طرف الباحث محمد بومدين

»  هكذا تكلم المفكر الجزائري " د . الحــــــــــاج أوحمنه دواق " مقاربات فلســـــفية " بين الضمة و الفتحة و الكسرة "
الفلسفة ترحال عند جيل دولوز  Emptyالأربعاء نوفمبر 18, 2015 8:30 pm من طرف الباحث محمد بومدين

» دخول اجتماعي موفق 2015/2016
الفلسفة ترحال عند جيل دولوز  Emptyالجمعة سبتمبر 04, 2015 4:07 am من طرف omar tarouaya

» أنا أتبع محمد...
الفلسفة ترحال عند جيل دولوز  Emptyالإثنين يناير 19, 2015 3:08 pm من طرف omar tarouaya

» بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة
الفلسفة ترحال عند جيل دولوز  Emptyالإثنين ديسمبر 01, 2014 2:12 pm من طرف omar tarouaya

» مرحيا يالاعضاء الجدد
الفلسفة ترحال عند جيل دولوز  Emptyالسبت أكتوبر 11, 2014 11:16 pm من طرف omar tarouaya

» لونيس بن علي، التفكير حول الدين ضمن الحدود الإنسانية للمعرفة
الفلسفة ترحال عند جيل دولوز  Emptyالأحد أغسطس 31, 2014 12:55 am من طرف عبد النور شرقي

» تحميل كتاب الحلل البهية في الدولة العلوية الجزء الثاني
الفلسفة ترحال عند جيل دولوز  Emptyالخميس أغسطس 28, 2014 1:33 pm من طرف مؤرخ المغرب الأوسط

» في رحاب الزاوية الحجازية بسطيف
الفلسفة ترحال عند جيل دولوز  Emptyالأحد أغسطس 17, 2014 12:37 am من طرف مؤرخ المغرب الأوسط

» العز والصولة في معالم نظام الدولة
الفلسفة ترحال عند جيل دولوز  Emptyالجمعة أغسطس 15, 2014 2:41 am من طرف مؤرخ المغرب الأوسط

»  التاريخ السياسي للمغرب العربي الكبير ( 12 مجلدا )
الفلسفة ترحال عند جيل دولوز  Emptyالخميس أغسطس 14, 2014 11:10 pm من طرف مؤرخ المغرب الأوسط

»  كتاب حول تاريخ الحضنة والمسيلة وما جاورها
الفلسفة ترحال عند جيل دولوز  Emptyالإثنين يوليو 28, 2014 11:23 am من طرف مؤرخ المغرب الأوسط

»  كتاب مهم في الانساب الجزائرية
الفلسفة ترحال عند جيل دولوز  Emptyالإثنين يوليو 28, 2014 11:22 am من طرف مؤرخ المغرب الأوسط

سحابة الكلمات الدلالية
سقراط العالمية المغلق النسق الفلاسفة الفلسفة الانسان المنطق الموضوعية الحرب الفلسفي مقال الحيوان الفكر الظواهرية محمد الذاتية اللغة السؤال فلسفة نظرية الامام الفيض البحث مقالة المسلمين

 

 الفلسفة ترحال عند جيل دولوز

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
عبد النور شرقي
محارب
محارب
عبد النور شرقي


الإبداع .
عدد المساهمات : 390
التقييم : 18
تاريخ التسجيل : 23/09/2010

الفلسفة ترحال عند جيل دولوز  Empty
مُساهمةموضوع: الفلسفة ترحال عند جيل دولوز    الفلسفة ترحال عند جيل دولوز  Emptyالخميس سبتمبر 30, 2010 1:34 pm

"اذا كنتم تعتقدون أن لا جدوى من الفلسفة فلا تمارسوها"

"الاختلاف والتكرار"

في مقال يحتفل فيه ميشال فوكو بصدور كتابين من أهم كتب جيل دولوز وهما: "الاختلاف والتكرار" و "الحس" قال جملته المؤثرة: "في يوم ما قد يصبح هذا العصر دولوزيا Deleuzien Mais, un jour p eut-etre le siecle sera (دولوزيا بروحه الرافضة لكل صنمية وتماثل، الثائرة على الانساق والانضباطية الفكرية والفلسفة الاحترافية، دولوزيا بتعايشه مع الجنون ودعوته الى كسر طوق العقلانية الاداتية, الصارمة, وتحرير الانسان المعاصر من إرث التنوير الذي انبنت عليه الحداثة الغربية بتجلياتها الاكثر ايقانية وأهمها:

أ - الايمان بالعالم الطبيعي بوصفه العالم الحقيقي الذي ينبغي التمسك به واستكشاف القوانين التي ينتظم وفقها وما يتبع ذلك من تراكم معرفي يسخر للسيطرة على الطبيعة وتطويرها واستغلال مواردها ومكامن الفنى فيها لخدمة الانسان، فمصير الانسان يحدد هنا على الارض وليس هناك في عالم المثل والقيم القبلية.

ب - الايمان بالانسان بوصفه المادة الاولية والعنصر المحوري لأي تطور أو فعالية فهو الغاية والوسيلة في الوقت ذاته وهو الذي يمثل نقطة التجاذب الرئيسية في أية عملية مفترضة لاعادة ترتيب العلاقة بين الذات واشيا، العالم الطبيعي.

جـ - الايمان بالعقل وبقاراته وطاقاته ايمانا لا نظير له. انه ببساطة وامطته دراك الحقائق والمعارف التي تمكنه من تنظيم حياته وتشييد حضار ته، اذ وبمقدار اكتشافه لاسرار الطبيعة وقوانينها الاساسية بمقدار ما يشعر بتخلصه من ضغط المجهول القادم من غياهب المستقبل.

على ان الخوض في عالم دولوز الفسيفسائي مغامرة غير مضمونة النقائب، اذ فضلا عن اسلوب " "الكتاب"المعقد والغريب نجد غرابة اكبر عند التأمل في لائحة المباحث والموضوعات التي عالجها، فمن الفلسفة الى الادب، ومن المسرح الى التحليل النفسي ومن الموسيقى الى الشعر، كل هذا يتم باستخدامه لمستويات منهجية متباينة تتراوح بين التحليل الفلسفي المجرد والتحليل النفساني المستند الى مكاسب التحليل النفسي، والاسلوب الجمالي والفني الموظف لمختلف انواع التعابير الحسية الامر الذي يضاعف من زئبقية هذا العالم ويكثف من ضبابيته الأولية، هذه الضبابية يمكن تأكيدها من خلال الملاحظة الارشيفية التالية:

على الرغم من وجود تراكم نظري ملحوظ (كتب، مقالات، محاضرات، مقابلات) الا ان كتابات دولوز لم تحقق المقروئية المنتظرة كما هو الحال بالنسبة لفوكو ودريدا مع انهم يسبحون في عوالم متقاربة، ان لم نقل متداخلة، فما مرد ذلك عند دولوز: ان مقاربة الباحث"ريمون بيلور" (Raymond Bellour) توضح لنا بعض المعالم الاساسية في هذا المعنى حين يقول "هذه الكتابات صعبة متنوعة، عنيدة، لا يمكن التنبؤ بما ستحمله دائما. انها في اتصال مباشر مع كل ما تبقى من كل شيء (الفكر، الفن، العلوم، الاجساد، الحيوانات...) من جهة، وهي من جهة ثانية تستبق بشكل دائم كل ما تلمسه بحيث يتحول الوجود الحادث في اطارها الى وجود بالقوة انطلاقا من ان الفلسفة الاولي هي خلق المفاهيم بفرض فتر فضاءات بين ما هو آت بين ما سيأتي والتموقع داخلها".(ا) واذا كان هذا التنوع، وربما التباين يشكل عائقا منهجيا امام قراءة اعمال دولوز وفهمها، فانه بالمقابل يشكل عاملا غنيا وثراء يجعلها مفتوحة، مرنة، متعددة المداخل، منفتحة على العوامل الفكرية المتباينة بدل التقوقع داخل نسق فلسفي جامد يحد من حركيتها وقدرتها على استشراف أحاسيس الإنسان وانفعالاته في مهدها الأول، لذا فان القوة المركزية في فكر دولوز هي هذا التجاذب بين الاحداث والافكار والاحداث والاماكن والاعلام، تجاذب ينقلنا من الوضعية الى الفنومنولوجيا، الى فلسفة التاريخ الى العالم، الى الجسد، الى الله، الى الانا، تجاذب يحدد معالم الفكر عبر دروب الجدل الملتوية ويرسم حدود التلاقي بين الانا والآخر وبين الأنا والعالم ضمن سيرورة التقارب والتباعد، تجاذب يشكل الارضية الخصبة لتكون المفاهيم ونموها انطلاقا من ان المفاهيم تؤدي دور منظومة الاسناد الرئيسية والمحرك المحوري في كل عملية قصدية لانتاج المعارف عبر نظام اللغة، ولان ثقافة الانسان وركام معارفه المختلفة وكذا طبيعة رؤيته للوا قع هي التي تحدد معنى المفاهيم اثناء استعمالها.

ذلك ان مهمة الفلسفة الاولي عند دولوزهي خلق المفاهيم ونحتها وهي مهمة تنفرد بها الفلسفة عن باقي المعارف الاخرى من حيث كونها مبحثا ثوريا، جنيالوجيا لا يتوقف عن ابتكار المفاهيم وغرسها وسط الحقول المعرفية المختلفة، فالمفهوم عنده يمنع الافكار من ان تتحول الى آراء بسيطة والى مجرد محادثة او دردشة عابرة، فكل مفهوم مفارقة بالقوة وهو يشتمل على بعدين اساسيين هما: الادراك والمؤثر.

الادراكات عبارة عن مجموعة من الاحساسات والعلاقات التي تحافظ على وجودها عند من يشعر بها، اما المؤثرات فليست عواطف او ميولا، بل انها سيرورات تلتف وتتجاوز من يمر بها ويصبر مختلفا معها، فالمدرك والمؤثر والمفهوم تمثل قوى متجاورة لا تتفوق، تنطلق من الفن الى الفلسفة وبالعكس(2) ان فعل الكتابة عند دولوز- وبخاصة في كتاب "الاختلاف والتكرار"- هو بمثابة محاولة فريدة تسعي الى تثمين الحياة ومحاولة تحريرها مما يسجنها ويحد من فعاليتها لان عملية الخلق في صعناها الأشمل لا تعني التواصل ولكن تعني المقاومة، مقاومة ما قد يحيل الحياة الى مجرد استبطان شخصي يحكي هموم الذات وانحرافاتها، اوان يحيلها الى حكاية ومشروح مجردة مع أن المجرد ذاته في حاجة الى شرح وهذا تأسيسا على الفكرة القائلة بأن المفهوم ليس معنى عاما او شاملا، بل هو مجموعة من التفردات والخصوصيات تعمل كل منها من تجاوز الاخري، كما ان الطابع التعددي للمفاهيم وظهورها في اشكال قد تكون متضاربة أصلا هو الذي دفع جيل دولوز الى اعتقاد اولي مفاده أن صورة الفكر هي التي توجه منحنى ابداع المفاهيم، ذلك ان المفاهيم تعكسها في مرآة الفكر من جهة وتعكسها من جهة ثانية لذا فالألفاظ التي لا تستوفي شروط الانعكاس المنتظرة فانها لا ترقى في تحديده الى مرتبة المفاهيم، ومن ثمة لا يمكن لها ان تنجز المهمة نفسها المنوطة بها في مجال توجيه عملية بناء الأفكار الفلسفية من خلال جهاز المفاهيم.(3)

من هنا فان عملية ابداع المفاهيم، حتى لا نقول نحتها، ليست بالمسألة الهينة التي تعرض ذاتها كتقنية محضة امام الفيلسوف الذي يستخدمها في مواطن شتى، وهي تخرج من جوف" لكتابة الفلسفية" كما يخرج المولود الجديد من بطن أمه عبر سلسلة من الآلام والمعاناة القاسية، لتفضي في النهاية الى بروز المفهوم كاملا ومكتملا بعد ان يكون قد نضر وترعرع في رحم نظام الأفكار الذي يؤسسه الفيلسوف. لذا سيكون من الخطأ الاعتقاد بأنه يمكننا الحصول على المفاهيم الجديدة مثلما هو الحال في مستوى المفردات اللغوية العادية التي يمكن التوليف بينها عن طريق صيغ تعابرية عادية.

وعندما يتساءل "أما الفلسفة؟" في كتابه الذي يحمل العنوان ذاته، فان دولوز لا ينوي من وراء ذلك تقديم ما يشبه الاجابة بقدر ما كان يهدف الى مجاورة التحديد اليوناني لمعنى الفلسفة من حيث هي محبة الحكمة أو معرفة بالمبادئ الأولى، والى محو ما علق بمخيالنا من صور تحيل الى السرمدية وعالم المثل، اذ سوف تتحول الفلسفة من محبة الحكمة الى عشق ومحبة فقط، وسوف يتحول الفيلسوف المنعزل في صومعته بعيدا عن الناس يبحث في تطابق الفكر مع ذاته الى رحالة مجاله الأرض بتضاريسها الحية، لذلك لقب دولوز "بالفيلسوف الرحالة" (ADE LE PHIOSOTHE NOM) وسميت فلسفته "الجيو- فلسفة "HHIE).

(GEO- PHISOLP

"والجيو" هذه قد تعني الأرض، وقد تعني الجيولوجيا، وقد تعني الجغرافيا، وقد تعنيها كلها، وقد لا تعنيها كلها، لكن الاكيد ضمن هذه التغيرات هو ان مفهوم الفلسفة برمته صار أكثر رحابة، وأوسع مجالا، وأكثر قلقا. حتى يمكننا القول انه قد تصبر الفلسفة أي شيء الا ان تكون فلسفة، ذلك ان الاطمئنان الى يقين الاجوبة يحول الفلسفة الى مجرد "تعاليم" او "وصايا"، لذا فهي تسعي دائما الى خلخلة المتفق عليه واستحداث مناطق غير آمنة داخل الكائن تتوالد فيها بذرة السؤال باستمرار.

يبدأ دولوز في مقاربة ماهية الفلسفة انطلاقا من مساءلة المفهوم، وانطلاقا من فهمه الأول للفلسفة الذي لا يرى انها تقوم على خلق المفاهيم والتعايش معها، وانطلاقا ايضا من ان "الفيلسوف هو صديق المفاهيم، بل هو مفهوم بالقوة. والفلسفة ليست مجرد فن للتشكيل او الاختراع او صنع المفاهيم، فالمفاهيم ليست بالضرورة اشكالا او اكتشاف مواد. الفلسفة في شكلها الصارم هي الفرع الذي يهتم بخلق المفاهيم،".(4) مع ملاحظة بسيطة وهي ان اعادة التساؤل حول مفهوم ما ينبغي ان يضع في الحسبان زمن السؤال وظرفه واشخاصه لأن المفاهيم ليست مفردات للحقيقة بقدر ما هي ادوات او مفاتيح تتعامل مع أجواء هذه الحقيقة، والمفهوم أيضا ليس هو ذلك الاصطلاح المنطقي المجرد، بل ان له شخصية مفهومية مهمتها زرع المفاهيم في الاراضي الجديدة، انه ينزل الى الحدث، وقد يغدو من ابرز حادثاته فهو لا يكتفي باعطاء ذاته، لكنه يتدخل في عملية استكناه غيره، بمعنى انه لا أهمية للمفهوم منقطعا عما يفهمه فهو ينخرط في تكوين ذاته عبر تكوينه لغيره، ولذلك نجد دولوز لا يجتهد في طلب المفهوم لذاته تأسيسا على تصوره الاولي الذي يرى ان المفهوم لا موضوع له وليس هو بموضوع، انه خلق يحتاج الى أرض والى شخص يمكنه التأثير من خلاله، وهو ليس بسيطا، وليمس تشكيلا خطابيا يتسم بالتتابع والاتساق، بل هو شيء دائم التحرك وينتشر بعيدا عن أي مركز، فهو ضد المركز وضد الكليات بمعناها التقليدي، ثم انها تتمثل في طريقته الطريفة في البحث عن المفهوم، وفي تمييزه بين ما هو مفهوم وما هو ليمر بمفهوم او ما هو مشبه مفهوم، فلكل نمط معرفي منظومته المفاهيمية ولكل شكل من اشكال التفكير خاصيته. فالفيلسوف مثلا يفكر بالمفهوم وفي المفهوم، والعالم بالوظيفة، والفنان بالاحساس. والمفهوم في الأخير، ومادام مخلوقا فانه يحمل سمات صانعه او الفيلسوف في الذي صاغه، وهذا يؤدي الى نتيجة هامة شقها الاول يتمثل في ان كل فلسفة هي تجربة ذاتية، فريدة لا تتكرر مهما تقارب الشكل الظاهري بين الفلسفات والحقائق.(5) وشقها الثاني مفاده أن لا معنى للحديث عن صواب المفهوم او خطئه ولا معنى للقول بانه حقيقي او غير حقيقي فكل مفهوم له حقيقته وطريقة وجوده. والفيلسوف عند دولوز "رحالة" موطنه البيداء الواسعة، فقد سئم الاماكن المظلمة والمفاهيم المنحوتة عبر تاريخ الفلسفة الطويل، الفيلسوف في هو ذلك الذي لا يكف عن الترحال الدائم نحو مناطق خصبة، يمكن للمفاهيم ان تزدهر فيها كما يبحث البدوي عن العشب والكلأ لحيواناته في المناطق الخصبة لذا لقب دولوز بالفيلسوف الرحالة وعرفت فلسفته بانها فلسفة بداوة وارتحال (6)، بل انها صارت عملا تأسيسيا لما يمكن تسميت "بدويات" أو "أدفن الترحال" (omadologie) الفيلسوف "رحالة" مسكون بشعور الغربة عن ذاته ولغته وموطنه، وتتجاذبه رحلات ثلاث: رحلة في الماضي اليوناني موطن الفلسفة الاول كما يرى دولوز، ورحلة في الحاضر الغربي الحالي الذي يمتلك زمام المبادرة الفلسفية الآنية ورحلة غير محددة المعالم في المستقبل، رحلة لا تعرف اسمها ولا مكانها ولا شعبها لان فعل التفلسف ليس حكرا على احد وانما هو ينجلي لمن له القدرة على الاختراق والمبادرة.

ان ابداع المفاهيم عند دولوز يفترض النظر الى التجربة نظرة مرنة، مغايرة تضعها في بعدها المذهبي الجديد الذي يطلق عليه "التجريبية المتعالية"، انها تجريبية لانها ملتصقة دائما بالمحايثة، ومتعالية لانها، وعلى الرغم من محايثتها، فانها تنفتح على اللامتناهي، على السديم (او الكاوس) Chaos. كما ان ابداع المفاهيم يتجلى في نص دولوز بصورة موسوعية حيث يمارس فلسفيا حق "اختراق التخوم"، بما لم يفكر به "جورج باطاي" ( (Georges Bataille نفسا وهو صاحب نظرية الاختراق. و"التجريبية المتعالية" عند دولوز تتجاوز تعارض المذهبيات التقليدية بتناقضاتها اشكلانية لتؤسس لبنية معرفية جديدة تخترق الحواجز المصطنعة بين شكل المعرفة ومضمونها، بين ذاتيتها وموضوعيتها وبالتالي بين فلسفيتها وبين تشتتها في ميادين مساوقة لها.

لم تكن رحلة دولوز الفكرية سهلة ولا متناسقة لانه اراد لها ان تكون كذلك، كما فعل كير كجارد (Kier Kegaard) من قبله حيث أمضى حياته "الوجودية" القصيرة في بحث متواصل عن الألم واليأمر والشتاء، لقد كانت حياة دولوز ترحالا بين الافكار و "الأغيار" أي ما دون اناه الخاصة في برية منفتحة على كل الاحتمالات لذا، ولكي يمكنه التعامل مع هذه البرية المطلقة فان الفلسفة وهي في اغتراب دائم عن جسدها المصطلحي تفارق اساليب برهنتها المعهودة وتنخرط في شؤون الكشف وحده: كشف يتم باللغة وفي اللغة اذ ان لها في كل لحظة لغة مختلفة تتلون بتلوينات اللحظة الآنية.

ان التعمق في تحليل فلسفة دولوز وعطفا على ما سبق، يؤدي بنا الى طرح السؤال التالي:

هل ثمة مفهوم دولوزي للمفهوم انطلاقا من ان نحت المفاهيم يمثل ذروة حواره الطويل والمعقد مع تاريخ الفلسفة، ذلك ان بحث مسالة المفهوم في شكله المجرد غالبا ما يختلط عند البعض بمفهوم مساوق هو مبدأ الهوية انطلاقا من ان هذا المبدأ يمثل الاطار النظري الامثل الذي تمحور حوله البحث الميتافيزيقي التقليدي، ومن ثم صارعن الصعوبة بمكان التخلص من اسقاطاته المتعددة - خاصة وانه ارتبط بشكل اساسي بالمنطق الارسطي وهو ما هو في تاريخ المعرفة البشرية - وأهم هذه الاسقاطات هو ان مبدأ الهوية يؤدي الى المذهبية وبالتالي الى الانغلاق على الواحد الأوحد، والثابت، لذا فان كسر بوتقة المذهبية والانغلاق يتطلب اعادة قراءة شاملة لتاريخ الفلسفة وهذا بالضبط ما باشره دولوز من خلال كتبه المتعددة قصد بلورة مداخل جديدة لتحليل المفهوم، فمن كانط الى نيتشه، ومن لايبتنزالى برجسون، ومن بول ريكورالى صديقه فوكو عمل دولوز على تفتيت مفاهيمهم الرئيسية الى "افاهيم" تظهر نسيتها وجزئيتها وهذا عكس ما تدعيه تماما، على ان علاقة دولوز بفوكو تتميز بنكهة حميمية خاصة، اذ. بالاضافة الى جوارهم المكاني الذي ولد لديهم مشعورا متناميا بالغربة داخل مجتمعاتهم حينا وبالانزواء في أقبية "الارشيف" أحيانا اخري، فان فوكو يعد الوحيد من بين الفلاسفة الذين تمحورت حولهم كتابات دولوز الذي اضطلع بمهمة قراءة انتاج دولوز ليس لفهمه ولكن للبحث عن ذاته هو وبخاصة في كتابه المذهبي- ان صح التعبير- "التكرار والاختلاف" لاحتوائه على اهم المقولات الفلسفية التي وظفها في بناء مشروعه الفلسفي توظيفا مثمرا. كما انه يمثل - على الاقل في تصورنا- اورجانون مبحث "الاختلاف" الذي بدأ يحتل مساحات واسعة ضمن الأفق المعرفي الفرنسي والغربي اجمالا، ذلك ان "التكرار والاختلاف" يتفرد عن مجمل المنظومة الكتابية لدولوز بانه كتاب نظري- تنظيري مارس فيه ترحالياته البوهيمية والفجائية داخل مفاهيمه في حين انه في كتبه الاخري خاصة كتاب "منطق الحس" يمارس تطبيقات لا حدود لها في مختلف هامش الانتاجات الادبية والفنية والفلسفية وأحيانا حتى العلمية منها وذلك بغرض التأسيس لبناء منظومة مفاهيمه الخاصة.

على ان الامر المثير للانتباه في هذا السياق هو ان دولوز حتى وهو في قمة انشغاله بالتفكيك النظري لمفهوم من المفاهيم لا يغفل عن الانشغال بنصوص غيره والانخراط فيها ومحررة سؤاله الفلسفي حولها، سؤال يمتد من المنطق الى العلم ومن الرسم الى الموسيقى، ذلك ان اصعب المهمات وأعقدها دائما تلك المهمة المتعلقة بتسجيل الآثار الابداعية مصحوبة دائما بأنظمتها المفهومية المعقدة، وبمصطلحاتها المنحوتة الجافة التي يجد القارئ صعوبة كبيرة في فك رموزها التي يتداخل فيها ما هو علمي بما هو ايديولوجي، وما هو فلسفي بما هو جغرافي، ومن اهم هذه المصطلحات مصطلح "الجيو-فلسفي" أو "الجيو فلسفة" وهو أفهوم دولوزي جديد متشعب الدلالة يطمح الى وضع أساس لتفسير تاريخاني مختلف لعلاقته الابداعية المفهومية بتكوين الثقافات والحضارات، ولقلاقة المفاهيم بعضها ببعض وتداخلها الى حد التشابك حتى انه يرى في الاعتقادات الدينية مواقف شبه فلسفية قد تمزج بين الصور والمفاهيم، ذلك ان دولوز ومع تمييزه بين ثقافة الصور وثقافة المفاهيم فانه لم ينجر صراحة للتمييز بينهما بسبب اشكالية الموضوع، فالفلسفي قد يجاور الديني لكن لابد ان ينقطع عنه، وهذه هي الميزة التي ابدع اليونان في التعاش معها كما يرى "جون بوفري"( (Jean Beaufret) من تحليله لمفهوم الكينونة عند هيدجر الذي يرى بدوره ان السبق الفلسفي هو أهم خاصية للاغريق الذين يؤلفون بدورهم التاريخ السابق للغرب اوالمؤمس له وبذلك تم حرمان بقية الحضارات من حق احتفاء الفكر بذاته.(7)

بيد ان الهدف الأبعد من اهتمام دولوز بهيدجر لا يتعلق بتبرير الحركية الفلسفية اليونانية عن طريق اسرارا لمعطى اللغوي الذي وفرته اللغة اليونانية بحيث استطاعت ان تشكل بعض لحظات الكينونة على شكل مفاهيم فصارت لغة الكينونة بامتياز، أي لغة استيطان الكينونة في الارض.

إن مفهوم"الجيو- فلسفي" عند دولوز يحيل فيما يحيل الى تطوير المفهوم الهيدجري الذي يرى ان الجدوى الحقيقية لصيرورة الكائن هي بلوغ "الامتيطان" او "الا قامة" انطلاقا من عمليات متكاملة هي: البناء، الاسكان فالتفكير، ذلك ان الكائن لا يمكنه التفكير الا اذا وفر الشروط الضرورية لهذا التفكير كنقطة انطلاق أولانية وعلى رأسها الاستقرار في حيز معلوم يكون هو ذاته موطن الكينونة لكن ومع تسليم دولوز بأهمية الموروث اليوناني ومن ثمة الغربي، في مجال ابداع المفاهيم ونحتها، الا انه يرى ان هذا الموروث لا يسترني مشروط التكامل المعرفي الجيو- فلسفي كما حدده في البداية، فاليونانيون اهتموا بالسطح رياضيا وبالمثال فلسفيا أي ان فضاءهم المعرفي بقي فضاء نظريا تأمليا، اما الغرب - أي ما يتصل باليونان من دونهم - فقد حصل المفاهيم ولكنه لم يستطع ان يحدد لها أرضا معينة يمكنه ان يحط بها فوقها، وهذا ما يوضحه في قوله: "نحن فتأرضن (أي ستقر) عند اليونان، لكن بالسبة لما لم يكونوا يمتلكونه وما لم يكونوا عليه بعد بالرغم من اننا نجعلهم يعيدون تأرضنهم عندنا".(8) بيان ذلك ان المفهوم، ورغم قدمه الزمني لم يكمل مداره الجيو- فلسفي، فهو مازال يبحث عن موطن يستقر فيه وشعب يتجلى من خلاله.

لقد اكتشف الغرب ابداعية المفاهيم بعد ان تحرر من سلطان المفارقات الغيبية، وبعد ان انخرط في تشكيل الاطر الكبرى لبلورة مفاهيم الحداثة انطلاقا من ان مفاهيمها هي المحرك المحوري للفلسفة في المرحلة المعاصرة وهي السيرورة - المشروع الباحثة عن موطن جديد للاستيطان فيه حيث تصير الفلسفة لا فلسفة وحتى تصير اللافلسفة هي ارض الفلسفة وشعبها. تعليل ذلك هو ان أقصى ما قد يفعله الفيلسوف عند دولوز هو ان يمتلك حدسا بالسيرورة التي قد تكون هي نفسها حادثة تاريخية ليمي بالمعنى التراكمي للحادثة لكن بما هي اقرب الى مجاوزة التاريخ ذاته وهو بهذا المعنى يبقى اقرب الى "التجريبية المتعالية" من حيث ان التاريخ لا ينبغي ان يحد بالاهداف العليا التي تنطوي على الطوبائيات وتمفهمها الايديولوجيات ومن حيث ان اسيرورة هي الحدوث الدائم الذي يحمل غايته في ذاته.

ان "التجريبية المتعالية" في تحديد دولوز هي اعادة النظر في تاريخية المفهمة، أي في الاطار الذي يتم فيه نحت البناء المفاهيمي بناء يؤسس لمنطق جديد هو منطق الاختلاف، منطق يعمل على مراجعة المتقاطعات التقليدية بين الفن والعلم والتاريخ، ذلك ان دولوز لا يتوقف عند حدود الترسيم النظري لهذه المتقاطعات، بل انه يعمل وبنهم كبير على اقحام الفلسفة في المباحث سابقة الذكر، حتى وان تمترست هذه الاخيرة خلف اسرار الاختصاص والخصوصية وبخاصة ما يتعلق منها بالعلم، اذ يرى ان الخلاف الاساسي بين العلم والفلسفة - على الرغم من تباعدهما الشكلي- يتلخص في اهتمامهما بموضوع واحد وهو مفهوم "الكاوس" او" السديم": فالعلم يرى فيه اللا نظام، حتى لا نقول الفوضى في شكلها الفكري ومن ثم تكتسب قوانين العلم كل اهميتها وشرعيتها وسط هذه الفوضى، في حين ان الفلسفة ترى في السديم مسارح مفتوحة على اللامتناهي بكل اغراءاته ومنطق الغموض فيه. وفي الوقت الذي يبحث فيه العلم عن الا منادات والمرجعيات بهدف عقلنة التغيير وضبط حركاته، فان الفلسفة تسعي الى الحفاظ على السرعات اللامتناهية دون ان تتخلى عن اكتساب نقاط الارتكاز الثابتة بوصفها لحظات تكثف لا تحيل الى السكون بصعناه البسيط.(9) ومع ان دولوز يؤمن بان العلم في احدث تطوراته المذهلة قد صارت ابحاثه تترنح على التخوم الدقيقة بين المتناهي واللامتناهي، بيد انه لا يمكنه ان يستخدم الدالات المحدودة مثبتا اشكالا للتعريفات تقع خارج كل اطار، وهنا بالضبط تتدخل الفلسفة لتساهم باكتشاف المفاهيم التي قد تحادي او تناظر الدالات الرياضية، اذ لا يمكنها ترميزها انطلاقا من لفتها الرياضية وحدها وهذا في الواقع أمر اثبته العلم المعاصر في خطواته نحو اللانهايات التي تعيد وحدة الفكر بين المفاهيم الفلسفية الكونية والترميزات الرياضية، على ان طريقة دولوز في تجريبيته الجديدة المبثوثة بشكل فسيفسائي عبر مؤلفاته الاساسية لا تسعي الى توحيد اصطناعي بين المفهوم الفلسفي والوظيفة العلمية، أي بين ضبط الثوابت وصياغة المتغيرات بمقدار ما يسعى الى مقاربة التغيير ذاته.

ولعلنا لا نجانب الصواب اذا ما ذكرنا ان الجانب الشكلاني في بناء دولوز الفلسفي أهم بكثير من مضمون هذا البناء، ذلك انه يرى ان كبار الفلاسفة ويصرف النظر عن ماهية ما يكتبون هم كتاب مهرة يتمتعون بأسلوب كتابي أخاذ فالاسلوب يمثل حركة المفهوم. صحيح انه يوجد خارج الجمل لكن الجمل لا هم لها الا ان تبعث فيه الحياة، حياة مستقلة. الاسلوب هو جعل اللغة اكثر قابلية للتغيير وأكثر انفتاحا على العالم الخارجي، ان الفلسفة مثلها مثل الرواية تجعلنا دائما نتساءل عما سيقع وعما وقع مع فارق أساسي وهو ان الشخصيات هنا عبارة عن مفاهيم(10) وفوق هذا وذاك فان الهدف الاسمى والأبعد لما نكتبه هو تحرير الحياة من مظاهر القمع والانغلاق ورسم دروب الهروب والانعتاق من الأنسقة المختلفة التي تكبله، وهنا تأخذ وسيلة التعبير الكتابي التي هي اللغة كامل مصداقيتها أداة أساسية في تشكيل لا تجانس لغوي يعمل على تجديد حيوية الانسقة الثابتة من جهة، وعلى خلق مناطق توتر غير آمنة لدى الكائن الانساني تكون بمثابة تطلعه المستقبلي لما هو اكمل من جهة ثانية. لقد شيد دولوز منظومته الفكرية - لانها تجمع عناصر ابداعية عديدة - وفق مقولة بسيطة مفادها ان الفيلسوف الكبير هو ذلك الذي يتمكن من اقناع قرائه بممارسة التفلسف والغوص في اعماق الحياة الفلسفية بكل تعقيداتها بوصفها حياتهم الاكثر التصاقا بطبيعتهم، وهكذا فمنذ كتابه "التجريبية والذاتية "بدأ رحلة البحث المضنية عن منهجية جديدة تضعه في صلب الاشكاليات الفلسفية بطريقة مباشرة تنفي الفوارق الكلامية بين المفهوم وصورته، بين الفلسفة وفعل التفلسف، وبين الفلسفة وتاريخها وهذا ما يعبر عنه الباحث جون رشمان Raychman: John بقوله:"كيف نخرج من تاريغ الفلسفة ؟" كيف نذهب ابعد من الفلسفة القائمة ونبتكر أمثلة جديدة ؟ هذا البحث عن صورة فكرية مغايرة هو البحث نفسه الذي ما انفك دولوز يواصله في مؤلفاته المختلفة عبر توليف ماهر بين مجموعة من المعارف كالكتابة والرسم والسينما، والسياسة" فما معنى الخروج عن تاريخ الفلسفة يا ترى؟ هل هو نفي للفلسفة ام مجاوزة لها؟ وهل النفي هو المجاوزة ؟ ان الخروج من تاريخ الفلسفة يعني بالدرجة الاولي التحرر من المفهوم الهيجلي والهيدجري للفلسفة ، ذلك انهما يحيلان مباشرة الى اعتى التصورات الميتافيزيقية الاكثر ضبابية والاكثر تعقيدا انطلاقا من الانطولوجيا اليونانية المتمحورة بشكل اساسي حول نظرية الوجود ووصولا الى المرحلة الحديثة بمثالياتها المطلقة. المقدسة للعقل والتاريخ. على ان ما يثير فضول دولوز ليس هذا الامر المتعلق بمصير الانساق الفلسفية وتحولاتها المستمرة - على أهميته - وانما الحصائر الفردية للفلاسفة بوصفها صحائف مفتوحة على المجهول والذي يمثل الأرضية الخصبة التي تحب بذرة الفلاسفة التكاثر فيها. وهكذا لا تبقى الفلسفة مجرد تاريخ لاحداث الفكر وعملياته وانما تصبر الحدث ذاته ببعديه الخاص والعام: خاص من حيث ان للمفكرين خصوصيات تميزهم عن بعضهم بعضا، وعام من حيث ان الخصوصيات الفردية نفسها قد يتولد عنها نظريات ومفاهيم تكون انساقا عامة.

وفي "منطق الحمى"يباشر دولوز مقاربة جديدة لا تضع تحديث منهج البحث الفلسفي وتطويره كأولوية مطلقة وانما توجه اهتمامها الى البحث في ماهية العلاقة القائمة بين الانسان المفكر والعالم أو الأشياء، بين الانسان وعالم الأفكار وكيف تنسج العلاقة بين الفكرة والمكان (الجغرافي) فيصبح كل العالم موضوع أشكلة وخزانا لاسئلة متواصلة لا تجد لها أجوبة جاهزة. ذلك ان الجغرافيا (بمعنى المكان) وان كانت تبدو من طبيعة مغايرة لطبيعة الفكر (بمعنى الفلسفة) الا انها في نظر دولوز تشكل عنصرا مساندا هاما لهذا الفكر، اذ لا يمكن لأي تصور مهما حلق في الفضاء الا ان يعود في النهاية للارتكاز على الارض. هذه النتيجة ادت بدولوز الى رفض "التاريخ التمثلي" (أو التاريخ الذاتي) بوصفه تاريخا نظريا يغري بكل انواع الاغتراب والتداخل حتى لا نقول التيهان، اغتراب ينفي الاختلاف كنقطة اثراء فكرية هامة ليؤسس لمبدأ النمذجة التماثلية المبنية على التصور الواحد الاوحد، النسقي، وهو التصور الذي تمتد جذوره الى ابعد مدى في التاريخ الفلسفي الغربي(12) بحيث صار كالمرض الذي لا شفاء منه، فمن افلاطون الى هيجل قضت البشرية امثواطا طويلة من الانهمام بالبحث عن الحقيقة المطلقة المجردة بوصفها أسمى انواع المعارف. وفي الجزء الثاني من الرأسمالية والفصام وهو بعنوان "ضد- أوديب " يواظب دولوز على درب النقد الحاد لكل ما يحيل الى النسقية والانفلاق، ولكن من زاوية مغايرة - مكملة وهي زاوية التحليل النفسي الذي تزداد اهمية اللجوء الى خدماته كلما ازدادت حياة الافراد تعقيدا، ومن ثم كلما ازدادت نقاط التساؤل داخلها. ان اهمية "ضد- أوديب " في تحديد دولوز تكمن في كونه وسيلة لاكتشاف الذات والآخر معا من جهة، ومنهجا جريئا في نقد بعض النتاج المتسرعة التي وصلت اليها "الفرويدية – الماركسيMarxisme) ( ممثلة في شخص زعيمها الاول "هربرت ماركيوز.

(Herbert Marcuse) بالاستناد المغالي فيه الى معطيات التحليل النفسي خاصة ما تعلق منها بدور الغريزة الجنسية في بلورة مفاهيم الحركية الاجتماعية وما يكتنفها من صراعات تؤثر بشكل من الاشكال في هذه الحركية.

ومع ان "ضد- اوديب" عبارة عن كتلة نقدية لمجمل الانتاج النظري لمرحلة الستينات والسبعينات، الا انه لم يغفل في النهاية ربط هذا النقد بالبنية التي انتجت فيها هذه النظريات وبمنتجيها او اشخاصها فيما يشبه الدعوة الى "شخصية الفكر"من هنا فانه يصبر في مواجهة فئات ثلاث:

1- محترفو السياسة (السياسويين)، والمناضلون المزيفون وارهابيو النظرية، وباختصار كل اولئك الذين تتلخص مهمتهم في الحفاظ على الانتظام العام للنسق السياسي وكل بيروقراطي الثورة وموظفي الحقيقة.

2- تقنيو الرغبة من المحللين الذين لا يهمهم سوى التأسيس لبنية جديدة لهيكلة مسألة الرغبة وذلك بجعلها احتياجا دائما.

3- الفاشيون الجدد، بل كل الفاشيين، طبعا نحن لا نقصد هنا فاشية هتلر او موسوليني، فهذا أمر تاريخي معروف، ولكننا نقصد الفاشية الكامنة في اعماق كل منا، والتي تؤثر في مخيالنا وسلوكنا دون دراية منا، وهذا مفاده انه لكي يغلق باب المواجهة آنف الذكر ينبغي تغيير ترتيب سلم المقولات الفكرية والاجتماعية وذلك بالتأكيد على ترسيخ الاختلاف وتحرير مجال الفعل الفلسفي والممارسة السياسية، وكذا التخلص من عبودية المنغلق سواء أكان نسقا او نظاما او غير ذلك.

لقد كانت فلسفة دولوز ابحارا متواصلا في عوالم متوحشة ترفض منطق الانساق وتنبذ الاطمئنان الى يقين الاجوبة، عوالم تلخصها اسماء:(كانط), (Kant) بيكون F.Bacon) ( سبينوزاSpinosa)) (فرويد))(Freud) برجسون) () (Bergsonكافكا) (Kafka) "بروست" ) (Broust) (نيتشه) (Nitzsche) (فوكود) .(( Foucaul

اذ بمقدار ما كانت فلسفته اختراقا ومجاوزة لافكار بعضهم فقد كانت عنهم وفيهم، كانت غوصا في عوالمهم الخفية، غير المعروفة، وفي افكارهم غير المتداولة، او على الاقل كما يعتقد هو، ومن اطرف هذه الافكار ما ورد في كتابه حول "نيتشه" حيث يحذرنا من اننا لن نفهم مقاصد نيتشه الحقيقية في فلسفته ما لم نتجنب الاعتقادات التالية - مع انها هي السائدة- عندما نباشر أي تحليل متعلق به

- ان نعتقد بأن فلسفة القوة عند نيتشه تعني "الرغبة في الهيمنة" او الرغبة في تملك القوة.

- ان نعتقد بان المحظوظين - الاقوياء - في نظام اجتماعي معين يجسدون بالبديهة مفهوم الانسان الاقوي كما يتخيله هو.

- ان نعتقد بان نيتشه يقصد بفكرة العود الابدي تلك الفكرة القديمة الموجودة عند اليونان والهنود والبابليين، او انه يقصد بها تجدد الاطوار الزمنية بين فترة وأخرى، او ان تكون عودة الآخر او عودة للآخر.

- ان نعتقد ان مؤلفات نيتشه المتأخرة يطبعها الجنون.

هذه المقاربات الطريفة في تفصح الى حد بعيد عن طبيعة الصعوبات البنيوية التي قد تعترض الباحث في فكر دولوز وفلسفته، وهي الصعوبات التي اخرت انتشاره في محيطه الاوروبي الاقرب، الا ان السنوات القليلة الماضية عرفت بداية اهتمام حقيقي بمنتو دولوز "الزئبقي" خاصة بعد مقولة فوكو الشهيرة التي ذكرناها في بداية المقال: فمن بريطانيا الى ألمانيا، ومن ايطاليا الى الولايات المتحدة الامريكية الى اليابان تمت ترجمة اهم مؤلفاته وبدأت الدراسات النقدية حولها في الظهور تباعا.
الهوامش

1-un philosophe, in magazine lifteraire n=257, september, 1970, P14.

Raymond Bellour: Gilles Deleuze:

2- Phicum: Gilles Delouze, In, critique n=282 no November, 1970, P886.

Michel Foucault: Theatrum philos.

3-par Raymond Berilour et Ewald, Gilles Deleuze: philoseph. E nomade, P23.

Sihnes et Evenements, propos recueillis.

4-GuattariL Ou est- ce que philosophie? Editionad minuit Paris, 1991, P9.

Gilles DeleLize et Felixx

5- د. محمد بديع الكسم: الحقيقة الفلسفية، في كتاب " الفلسفة العامة" (2)،قسم الدراسات الفلسفية والإجتماعية، جامعة دمشق (1980- 1981) ص ,ص 296-299
6- Raymond Bellour: Gilles Deloze: un philosiphe nomade- p14

7- rres,Hiedegger et la question de dieu editionsGrasset,Paris, 1989, P26

jean Beaufret: Heidegger et la theologie, in, Kearny et aut

8- Gilles Deleuze et Felix Guattri: Qu est- ce- que la philosophie? P100.

9- Gilles Deleuze et Felix Guattri: Qu est- ce- que la philosophie? P100.

10- Signes et Evenements, P19.

11- Ethique de l’ evenement, in Gilled Deleuze: un philosophe nomade, p37.

12- Deleuze: difference et repetition, editions p.u.f, Paris, 1968, P.P45-46.

13- Tome l: L’ani- oedipe Editions de minuit, Parism 1972, introduction

- Gilles Deleuze et Felix Guattari: Capitalisme et Schizophrenic:

ــــــــــــــ

* تحمل خاتمة كتاب (ما هي الفلسفة ؟ عنوان "من الكاوس (السديم) الى العقل (المخ)

(Du chaos au cervaeu).

* الافهوم هو الوحدة الاصغر في المفهوم، بمعنى ان المفهوم يتكون من أفاهيم متعددة تشكل وحدته في النهاية.

* هذا الموقف يقترب من موقف جاك دريدا Jacques Derrida في نقده لما يسميه”ميتافيزيقا الحضور" ولا غرابة في ذلك، فموقفهما من الميتافيزيقا متشابه الى ابعد الحدود.

* ليس هنا مجال دراسة موقف دولوز من كل الفلاسفة والكتاب الذين اشرنا اليهم لعلاقتهم

بدولوز، اذ ازمع القيام بتحليل بعض كتب دولوز التي تتمحور حول هؤلاء الفلاسفة كل على حدة، واهم هذه الكتب "نيتشه والفلسفة " (1962)"نيتشه"(1965)، "الفلسفة النقدية عند كانط" (1963)" سبينوزا ومشكلة التعبير"(1968)، وكتابه "فوكو"(1986) وهو من اهم الكتب الفرنسية حول

فوكو.

ــــــــــــ

جيل دولوز: Gilles Deleuze من اهم الفلاسفة الفرنسيين المعاصرين، ولد سنة 1925 وتوفي (انتحر) سنة 1996. يمكن القول انه فيلسوف دون (مرجعية فلسفية)، محددة. وان كان يميل بشكل واضح الى فرويد ونيتشه، مارس البحث والتدريس في عدة مؤسسات تعليمية الى ان انتهى به المطاف في جامعة باريس الثامنة (Vincenne)مؤلفاته تقسو بالتنوع والفنى ومن اهمها: (التجريبية والذاتية) ,(Empirisme et Subiectivite) (1953) (نيتشه والفلسفة) Nietzsche et La philosophie). (1962) فلسفة كانط النقدية) ,(La philosoohie critique de Ksnt) (1 369) الاختلاف والتكرار)

(Difference et repawtition) (1968) وهي عبارة عن اطروحته الجامعية الاساسية، (منطق الحس) ) (Logique du sens) (1973) ضد- اوديب) (L'antiO) (Oedipe) الاشتراك مع المحلل النفساني فليكس جاتاري (1972)، (فوكو) Loucault) (1986))، (ما الفلسفة ؟) philosophie) (1991) Qu est gue la بالاشتراك مع جاتاري)، بالإضافة الى كتب ومقالات أخرى كثيرة.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبد النور شرقي
محارب
محارب
عبد النور شرقي


الإبداع .
عدد المساهمات : 390
التقييم : 18
تاريخ التسجيل : 23/09/2010

الفلسفة ترحال عند جيل دولوز  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفلسفة ترحال عند جيل دولوز    الفلسفة ترحال عند جيل دولوز  Emptyالخميس سبتمبر 30, 2010 1:38 pm

المقال موجود في كتاب عمر مهيبل //من النسق الى الذات//
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أحمد أمين
المدير العام
المدير العام
أحمد أمين


عدد المساهمات : 1016
التقييم : 25
تاريخ التسجيل : 02/09/2010
العمر : 39

الفلسفة ترحال عند جيل دولوز  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفلسفة ترحال عند جيل دولوز    الفلسفة ترحال عند جيل دولوز  Emptyالخميس سبتمبر 30, 2010 3:42 pm

شكرا أستاذ على هذا الموضوع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
souf_mani
من قدامى المحاربين
من قدامى المحاربين
souf_mani


عدد المساهمات : 865
التقييم : 13
تاريخ التسجيل : 04/09/2010
العمر : 38
الموقع : في الجنة إن شاء الله

الفلسفة ترحال عند جيل دولوز  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفلسفة ترحال عند جيل دولوز    الفلسفة ترحال عند جيل دولوز  Emptyالسبت أكتوبر 02, 2010 11:37 am

شكرا لكن من هو جيل دولوز
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://histoirphilo.yoo7.com/
 
الفلسفة ترحال عند جيل دولوز
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الفلسفة درس الحرية
» "المثقفون والسلطة" حوار بين ميشال فوكو و جيل دولوز
» الفلسفة الغربية
» ما الفلسفة؟
» الفلسفة الغربية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: ๑۩۞۩๑ منتدى الفكر والفلسفة ๑۩۞۩๑ :: الفسفة الحديثة-
انتقل الى: