نملة واحدة تكفي
عبدالله سعد الغنام
جلس على كرسي ملكه بين
ندمائه و وزراءه وكلهم سكوت كأن على رؤوسهم الطير , فقد كان يُعرف بشدته
وقوته , وكان مُلكه قد امتدا شرقا وغربا , فقال لهم يوما من هو صقر قريش ؟
وكما جرت العادة قاموا يمجدونه ويمدحونه وقالوا في صوت واحد أنت يا مولاي ؟
قال بل جانبكم الصواب, بل هو رجل خرج لوحده , خائفا طريدا لا يلوي على شيء
, لكنه يحمل هما كالجبال بل يحمل حلما يعانق السحاب , وهو لا يملك من حطام
الدنيا شيئا , حتى نفسه التي بين جنبيه كان لا يأمن عليها من الوشاة , فهو
هارب وطريد ومطلوب للعدالة . لكنه يملك شيئا واحد فقط أسس به دولة دامت
ثمانية قرون , انه يملك سلاح العزيمة, انه صقر قريش عبدا لرحمن الداخل
لقبه بذلك غريمه الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور.
لا أريد أن
اسرد عليكم سيرة صقر قريش , فهو علم على رأسه نار, ولكنه علمنا درس يبقى
خالدا للتاريخ لابد أن نقف عنده متأملين ,إنه يعلمنا أن رجل واحد يكفي لصنع
الفرق والتغيير, نعم لوحده يمكنه أن يسبح ضد التيار إذا كان عنده عزم
وإصرار . كلنا ولدنا بهذا الإصرار ولكنه ضاع وتاه في الطريق , ألا ترون أن
الطفل يولد ومعه هذه الفطرة , فعندما تقع عينياه البريئتان على أشياء جديدة
من حوله فأنه يظل يحاول مرة تلو الأخرى دون يأس حتى ينجح ,لترتسم على
شفتيه ابتسامة الرضا والنجاح ,فدعوه يحاول و لا تفسدوا عليه فطرته!
هل
هذه العزيمة والإصرار لعرق دون عرق أو لمكان دون آخر أو لزمان غير زماننا ؟
كلا , إنها موجودة في كل عرق وزمان ومكان, ففي يوم من أيام الشتاء البارد
ركبت امرأة سمراء الحافلة العمومية للمدينة, وكانت تجلس في الصفوف
الأمامية, وعندما أقترب منها رجل توقع منها تلقائيا أن تقوم من مكانها لأنه
كان ابيض البشرة!, فالقانون ينص على أن يجلس أصحاب البشرة الغير بيضاء في
آخر الحافلة ! . حدث هذا في عام 1956 في أمريكا, البلد الذي كان ولازال
يصرخ وينادي بالمساواة بين طبقات المجتمع , لكن المرأة السمراء أبت ذلك بكل
شجاعة وعزيمة , فننهرها فأصرت على حقها في المقعد , مما أدى إلى استدعاء
الشرطة التي أجبرتها بالقوة عن التخلي عن حقها و تم القبض عليها, وتغريمها
أربعة عشر دولارا . كانت تلك الشرارة التي أطلقت العنان للمظاهرات
والاحتجاجات في كافة البلاد على التمييز العنصري, والتي أدت إلى إعادة
النظر في قانون الحريات في الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي عام
1964 صدر قانون الحريات المدنية, الذي حرم التمييز على أساس العرق في
الولايات المتحدة. بينما نحن أصدرناه من قبل ألف و رابعمائة سنة فيا ليت
قومي يعقلون! . وقد حصلت المرأة السمراء روزا باركس على الوسام الرئاسي
للحرية عام 1996 , وبعده بثلاث سنوات نالت أعلى وسام في الدولة وهو الوسام
الذهبي من الكونجرس وحتى الحافلة كُرمت ! ووضعت في متحف هنري فورد . إن
روزا باركس أثبتت للعالم اجمع أن امرأة واحدة تكفي .
وقد ينطبق ذلك
على غير بني البشر , فربما نملة واحدة تكفي أيضا , فقد جاء في الحديث "
خرج نبي من الأنبياء يستسقي فإذا هو بنملة رافعة بعض قوائمها إلى السماء
فقال ارجعوا فقد استجيب لكم من أجل شأن النملة "
لتغيير لابد من
عزيمة متوقدة , والعزيمة تبدأ بك أنت , ثم يتأثر به من حولك , ربما بيتك أو
عملك , أو العالم أجمع , يقول غاندي " إذا أردت أن تغير العالم , فأبدا
بنفسك "
ولقد أدركت تلك النملة سُنّة التغيير ! , فبدأت بنفسها , فهل نعي نحن ذلك أيضا ؟