البروفيسور أبو يعرب المرزوقي
ذلك أن الإسلام السني لا ينبغي أن يكون في صراع مع الحكم العلماني لأنه علماني بالجوهر كما بينا ولكن ليس بالمعنى اليعقوبي بل بالمعنى الفلسفي العميق المتمثل في تحقيق القيم السامية في التاريخ بأدوات تحقيقها السياسية وليس بالسلطان الروحي المنافق. إنه بالطبع حكم علماني في هذا المعنى السامي بدليل أمرين:
الأول هو وجوب تطبيق عدة شرائع مختلفة في نفس الدولة كما تبين ذلك الآية 48 من المائدة بحيث إن وحدة التشر...يع ليست مطلقة.
الثاني هو وجوب السماح لأربعة أديان بأن يمارس أصحابها بكامل الحريات شعائرهم بحماية من الدولة الإسلامية: اليهودية والمسيحية والصابئية والمجوسية.
وعلم الكلام السني قد حسم أمره من البداية لما اعتبر الحكم من المصالح العامة وليس من العقائد بخلاف المذاهب الشيعية. وهو لم يستثن من الحكم العلماني إلى أمرين لا يوجد نظام علماني في العالم لا يستثنيهما:
الأول هو عدم المساس بالمبادئ العامة لأخلاق الأمة وأخلاق التشريع المحددة لأسس الحضارة لأن الأمم من دون هذا الشرط ستضطر لوضع شرطي وراء كل مواطن إذ إن التشريع في أي أمة أساسه وروحه ليس هو شيئا آخر إلى قيم تلك الأمة المشتركة بين الأغلبية.
والثاني هو عدم المساس بالعقائد التي تجمع عليها الأمة دون أن يعني ذلك فرضها على الأفراد وهو ما يلجأ إليه بعض السفهاء من الأصلانيين بل فرض احترامها وهو معنى التخلص من الإرهاب الرمزي الذي يلجأ إليه بعض السفهاء من العلمانيين.
وهذا سيتحقق بمجرد أن تحصل في مصر نفس الثورة التي نراها تحصل في تركيا: يوم يوجد حزب إسلامي في مصر يستطيع أن يحكمها بنفس الحكمة التي يحكم بها حزب العدالة والتنمية تركيا نكون قد حققنا الشرط الضروري والكافي للوصول إلى الصلحين المشار إليهما في المسألة الأخيرة. ذلك أن العدوى التركية أقل فاعلية من العدوى المصرية في العالمين العربي والإسلامي لما لمصر من دور روحي وحضاري يؤثر في النخب الأصلانية التي هي مربط الفُرص لصلتها الوطيدة بالشعوب وبسبب هامشية النخب العلمانية وانقطاع صلتها بالشعوب.