التاريخ يصنعه الناس ويسرقه الحكام

قاسم عبده قاسم: التاريخ يصنعه الناس ويسرقه الحكام



محيط – مي كمال الدين



شهد معرض القاهرة الدولي للكتاب ضمن فعالياته الثقافية وتحديدا محور " الشهادات " ندوة تحدث فيها باحث التاريخ الكبير والمفكر د.قاسم عبده قاسم الحائز على جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية ، وأدار اللقاء المفكر والكاتب د. أحمد زكريا الشلق أستاذ التاريخ بجامعة عين شمس ، والذي أوضح أن د. قاسم أستاذ متخصص بتاريخ العصور الوسطى بجامعة الزقازيق، وله أكثر من أربعين عاماً يعمل في مجال الدراسات والمعرفة التاريخية بحثاً، ودراسةً، وتأليفاً، وترجمةً.



كما تخصص في مجال العصور الوسطى فله دراسات مرموقة في عصر المماليك، فضلاً عن دراسته الرائدة في تاريخ الحروب الصليبية، ومقالاته في الصحف والمجلات الأدبية والفكرية السيارة في أنحاء الوطن العربي، وقد درس التاريخ للطلبة بإحدى الجامعات الأسبانية ، وكانت ترجماته التاريخية علامة هامة ، ومما قدمه من ترجمة مؤخراً هو كتاب جون ل. سبوزيتو"الخطر الإسلامي خرافة أم حقيقة" و"الفتوح العربية الكبرى" لهيوم كيندي وغيرها من الترجمات التي صدرت عن المركز القومي للترجمة، هذا إلى جانب إسهاماته الأساسية في تخصصه الدقيق في تاريخ المماليك والعصور الوسطى والحروب الصليبية.



وصاحب الشهادة د. قاسم حصل على جائزة الدولة التشجيعية، ووسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى عام 1983 وحصل على جائزة الدولة في التفوق في العلوم الاجتماعية لعام 2000، وفي هذا العام كرمته الدولة وحصل على جائزة الدولة التقديرية.



وتذكر د. قاسم مرحلة شبابه قائلا أنه لم يكن يحب مادة التاريخ ، وكان يحصل على درجات منخفضة في هذه المادة تحديدا ، ولكن حضر ذات يوم إحدى المحاضرات بكلية الآداب جامعة القاهرة للدكتور الراحل محمد أنيس، ومن هنا أدرك أن دراسته في الجامعة كانت السبب في نفوره من التاريخ ، ولكن بعد المحاضرة شعر بأهمية التاريخ وعلاقته بحاضر الإنسان ومستقبله وليس ماضيه فحسب .



وبعدها أصبح متخصصا في التاريخ وعمل بجامعة الزقازيق ، وهو أحد المؤسسين لقسم التاريخ في كلية الآداب ، و بعد تعيينه حاول بناء نفسه معرفيا بشتى السبل رغم الحظ السيء للباحثين في البلاد والذين يشبههم بـ "الأيتام على موائد اللئام" ، ثم ذهب في بعثة لفرنسا على نفقة وزارة التعليم العالي لمدة عام تعلم خلالها الكثير، و أدرك أن التاريخ هو قصة الإنسان في الكون بكل آماله وإحباطاته وان الإنسان في الكون هو هذه النفس التي سواها الله سبحانه وتعالي بكل متناقضاتها، وأنه إذا أردنا أن نفهمه فلابد أن نحاول ذلك عبر قراءة التاريخ.



ويرى د. قاسم أن مهمة المؤرخ اليوم ليست في أن يجمع الأحداث ويكتب مثل المقريزي وابن عبد الحكم وغيرهم والذين كانوا لا يملكون وسائط تسجيل أو إذاعة أو نشر مثل اليوم ، ولكن أن يفهمها ويفسر ما الذي نتج عن هذه الأحداث التاريخية وما الذي كان يمكن أن يحدث أيضا ، مشيرا إلى نقطة هامة أخرى هي أن " التاريخ يصنعه الناس ويسرقه الحكام " فحتى الانتصارات يصنعها الشهداء والجرحى والجنود الذين حاربوا، وفي النهاية تنسب لشخص واحد.



قراءة التاريخ من أسفل



وعن إعادة قراءة التاريخ يقول د.قاسم توجد اتجاهات في العالم الآن لقراءة التاريخ من أسفل أي من الأرض التي صنعت التاريخ، ومن الناس صناع التاريخ الحقيقيين ولذلك يوجد اهتمام كبير بالتاريخ الشفاهي والموروث الشعبي باعتباره قراءة شعبية للتاريخ ؛ فنجد الآن مؤرخين يعكفون على فحص خطابات الجنود المرسلة من الجبهة لذويهم وزوجاتهم خلال الحرب العالمية الأولى والثانية، وذلك لكي يروا وجهة نظر الجنود في الحرب، بعيداً عما كتبه القادة في مذكراتهم وبعيداً عن السجلات الرسمية، والآفة المعروفة بان التاريخ يكتبه المنتصرون من وجهة نظرهم وأن على المهزوم أن يدفع ثمن هزيمته.



ويتابع د. قاسم حديثه قائلاً أنه لا يجب أن نقولب تجربة الإنسان في قوالب جاهزة ولكن علينا ندرسها ونبحثها بنوع من التحرر الدائم، حيث أن العلم نقيض الايدولوجيا، فالايدولوجيا موقف مسبق وانحياز فكري وعاطفي ووجداني مسبق بينما العلم قفزة في المجهول لاكتشافه، وهو ما يحتاج إثارة وشجاعة عقلية ونوع من الخيال.



ويتذكر د.قاسم إحدى المحاضرات التي ألقاها في الجمعية التاريخية وكانت عن "الشعر والتاريخ"، وكيف أن الشعر هو نوع من القراءة للتاريخ، وعندما اعترض احد الأساتذة على ربط الشعر بالتاريخ، جاء تبرير د.قاسم لذلك أنه عند دراسة ملحمة " الإلياذة والأوديسة " كلما قرأناهما على أنها أدب وجدنا فيها الكثير من التاريخ والعكس عند قرأتهما كتاريخ نجد بهما الكثير من الخيال والأدب، فلماذا يكون شعر الغرب مصدر للتاريخ ولا يكون شعرنا كذلك.



ويتابع المؤرخ الكبير أنه اكتشف أنه لكي نفهم مجتمع ما يجب أن نتعرف على ما الذي يحبه هذا المجتمع ويكرهه، وما الذي يدور بوجدانه، وما الذي يقوله شعراءه وأدباؤه، فمثلاً ممكن أن نؤرخ للحركة الصليبية عن طريق الشعر، وأنه أثناء قرأته لقصص "ألف ليلة وليله" اكتشف أن هناك صدى للحروب الصليبية بها وذلك في ثلاث حكايات تقع في مائتي ليلة من الألف ليلة وليله، وقد أعد دراسة في هذه المسألة.



ويؤكد د.قاسم أن كل شيء مصدر محتمل للمؤرخ، والمؤرخ الذي ينقصه الخيال ليس مؤرخاً، وأن الوثائق لا تشترط أن تنقل التاريخ صحيحاً، ويضرب مثال بالمضابط الموجودة بمجلس الشعب والتي يحذف منها الكثير من الأشياء وبالتالي عند تناولها لا تعكس التاريخ كما دار بالجلسة بالفعل، وعندما يأتي مؤلف لم يرى كل ذلك أو تعايش معه ويصدق الوثيقة الخاصة بالمضبطة ويأخذها على أنها وثيقة تاريخية يكون قد وقع في خطأ شديد.



الوعي التاريخي



يؤكد د. قاسم على أهمية الوعي التاريخي بما يمثله من بناء لمواطن صالح، ويجب على الدولة أن تسعى من أجل بناء وعي أبنائها من خلال التاريخ الخاص بها، ولا ينبغي أن نكتفي بالكتب التاريخية أو المحاضرات والندوات حيث أن التاريخ المقدم بهذه الوسائل التقليدية له جمهوره المحدود، وتوجد حالياً العديد من الوسائط المتعددة التي من الممكن أن ننقل بها التاريخ للمتلقي وجميع المؤرخين مدعون بشكل أو بأخر للإسهام في هذه الوسائط لنشر الوعي التاريخي، ومنها الدراما التلفزيونية والسينمائية ولكن يجب أن نكون حريصين للغاية ولا نتركها للمتسكعين على نواصي العلم والثقافة.

أيضاً من ضمن وسائل التوعية التاريخية والوثائق الهامة الرواية التاريخية وأشاد د. قاسم برواية "الزيني بركات" والتي كتبها جمال الغيطاني وجمع فيها بين الفن والتاريخ، وسيلة أخرى للمعرفة التاريخية ينبه لها وهي "الكتاب الشفهي" وتكمن أهميته في أنه يصل لمستمعيه ومستمعيه في الأسواق الشعبية.



ويؤكد د. قاسم على أنه توجد فترات في تاريخنا تحتاج للكتابة عنها مثل الحروب الصليبية، لأن التجربة الصليبية شبيهه بما نمر به اليوم أمام الحركة الصهيونية ويجب أن تصل للناس وتعد لهم بالشكل المناسب لنضج وعيهم.



وينبه إلى أن ليس من الممكن ومن غير المعقول أن يصل الوعي التاريخي للناس عبر القنوات التقليدية لدينا خصوصاً أن الدرس التاريخي في المدارس تالف، وفي الجامعات منعدم إلا في قسم التاريخ، فلا يوجد بين خريجي الجامعة من درس تاريخ بلده، في حين أنه في الجامعة الأمريكية بالقاهرة توجد مقررات عن الحضارة العربية الإسلامية إلزامي لجميع طلبة الجامعة، وفيها مقرر عن التاريخ العربي الزامي لجميع طلبة الدراسات الاجتماعية والإنسانية، كذلك مثل هذا الشيء موجود بجامعات عدة دول عربية مثل الكويت وقطر والإمارات وغيرها كل هذه الدول فيها مقرر عن تاريخ الدولة وحضاراتها إلزامي على جميع الطلبة.



تدريس التاريخ بحاجة إلى إعادة نظر فنحن لدينا أساتذة لديهم خبرة جيدة بالجمعية التاريخية للدراسات المصرية، واتحاد المؤرخين العرب بالقاهرة، إلى جانب القنوات التلفزيونية فلماذا لا يتم العمل وفق لتنسيق معين بين هؤلاء لتوصيل المعرفة التاريخية لهؤلاء الذين لا يستطيعون الحصول عليها من خلال قالب الكتب أو المحاضرات وغيرها والتي لها جمهورها الخاص.



ويلفت النظر إلى قضية التأليف التاريخي لأطفال المدارس حيث لا تزال هذه القضية تمثل إشكالية، ويقول د.قاسم أنه عندما طلب منه أن يشترك في تأليف كتاب بالتربية والتعليم والإشراف على مراجعة أخر، فوجئ بمدى تدني المستوى العلمي والتاريخي المقدم للطلاب، وفي عام 2002 كتب دراسة عن "الدرس التاريخي" لتلاميذ المدارس في مصر نشرت بمجلة "وجهات نظر" حيث ظهر له أن الأمر من الفداحة حيث فوجئ بأن الطالب لا يدرس أي شيء عن التاريخ حتى يصل للصف الرابع الابتدائي، كما وجد أن الذين ألفوا الكتب الدراسية التاريخية للمرحلة الإعدادية على مدار ثلاث سنوات، ليس بينهم من يحمل ليسانس تاريخ.




منقول عن الموقع:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
تاريخ التحديث :-
توقيت جرينتش : الأحد , 7 - 2 - 2010 الساعة : 2:49 مساءً
توقيت مكة المكرمة : الأحد , 7 - 2 - 2010 الساعة : 5:49 مساءً

شكرا مؤرخ الويل للحكام من التاريخ الذي يسجل عليهم مايعملون وتاكد ان التاريخ لم ولن يرحم احد