المرأة والفلسفة

المرأة والفلسفة 2

د. معجب العدواني

* يمكننا التأكيد على أن معظم الفلاسفة يرون الفلسفة نشاطاً مختلفاً كلياً عن نشاط المرأة، وهذا جزء من النموذج المتصل بالفلاسفة الذي تحدثنا عنه، أما الجزء الثاني فيتصل بكون الفلاسفة الرجال ميالين إلى الاستمتاع بكون النساء مستمعات ومعجبات بأطروحاتهم، ولذلك ترى ألسون جاجر ارتباط المرأة في التراث الفلسفي بالجسد، ولأجل ذلك كانت عاجزة عن الوصول إلى الأشكال العليا للعقلانية، وعدت وصف الرجل بكونه (رجل العقل) سبباً لذلك، كما يرى بعض الفلاسفة مثل كانط وروسو النساء جاذبات فاتنات وضروريات لوجود الرجل، هنا يمكن أن تعتد الفلسفة بالحسي مكملاً للعقلي، ويمثل الحسي الأنثى والعقلي الذكر، لقد خضعت الفلسفة لهذا التقسيم الذي أنتجته، وقد أكد هذا الخضوع ما يمكن أن نطلق عليه آلية الاختيار والتأويل، وهي الآلية التي أنتجت عبر الدراسات الفلسفية والنقدية القديمة إذ ركزت وهمشت عبر التاريخ، لقد حرص هؤلاء الفلاسفة على اختيار ما يتناسب مع التوجه الذي يركز على جانب ويهمش جانباً آخر. ويذكر أن مثل هذه الآلية تتوافر في معظم الثقافات حيث التركيز على نصوص وتهميش أخرى ومن ثم كان تناول تلك النصوص بالتأويلات الملائمة للثقافة السائدة، ويورد إمام عبدالفتاح إمام مثالاً مناسباً لتجاهل النظر في حكمة بلقيس وسياستها واندفاع مستشاريها في الآيتين الكريمتين (قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون)، (قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين). وهو أمر يتسق مع موضوع آخر حين يكون فعل الأنثى خطيئة ويتواتر ذلك بصورة واضحة في حكايات الأصول ولاسيما في أصول تأسيس العلوم كما في قصة تأسيس علم النحو ليس لدى ابنة أبي الأسود الدؤلي فحسب بل أيضاً في الثقافة الهندية، إذ كان خطأ المرأة سببا في تأسيس علم النحو. فالخطأ الجسدي الأنثوي الذي نتج من زلة لسان غير منضبطة ينتج عقلاً وعلماً ذكورياً هو علم النحو المنضبط.

ولا بد من الإشارة إلى أن التحول المباشر في الكتابات الفلسفية التي أيدت دور المرأة كان مع ديكارت الذي شجع النزعة العقلانية في البحث، وكانت فلسفته دعماً واضحاً للتوجه العقلاني بوصفه إنسانياً فحسب وغير متصل بجنس أو لون، فنمت محاولات التفلسف النسائية خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، ثم ازدهرت هذه المحاولات بظهور الفلسفة الوجودية وسيمون دي بوفوار التي كانت أبرز أعمدتها وكان لها أكبر الأثر على مؤسس الوجودية سارتر.

وللبيئات أثرها في تشكيل الفيلسوف (الذكر أو الأنثى)، إذ من المؤكد أن البيئة والظروف المحيطة تخلق المجال الأنسب للإبداع الفلسفي وغيره، ومن ملامح ذلك نقص التعليم والفرص المناسبة لتطوير الذات وأجواء الحرية اللازمة لإثارة الأسئلة ومراجعتها، كانت المرأة لا تحظى بكل ذلك في كل الثقافات مع اختلاف طفيف بين ثقافة وأخرى، ويضاف إلى ذلك انخراط المرأة في قضايا التربية واهتمامها بالأسرة. فمن الملاحظ أن معظم النساء المشتغلات بالفلسفة في القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين مثل الأميرة إليزابيث اوف بوهيميا، ومارغريت كافنديش دوقة نيوكاسل والليدي ماري شيبارد قد قدمن من طبقات النبلاء أو الأسر الملكية، وتبدو أهمية هذه الطبقات أنها ساعدتهن في عرض وجهات نظرهن وآرائهن وتصوراتهن بحرية تامة، كما أن معظمهن كن بلا أولاد أو كن أمهات لوحيدين، كانت كاثرين تروتر كوكبورن الوحيدة من بينهن التي لديها أسرة كبيرة، ومع توافر تلك العوامل الفردية فهناك عوامل عامة منها طبيعة الفترة الزمنية نفسها قد سمحت بإثارة الأسئلة حول قضايا متنوعة وتوفر الجو للنقاش والمراجعة.

ويضاف إلى ذلك عامل الفقد وأعني به هنا أن يوجد في الثقافات العالمية مشتغلات بالفلسفة حقاً لكن أعمالهن تتعرض للفقد، ولا سيما في المجتمعات الأكثر قابلية لوجود المرأة الفيلسوفة، ولعل ضياع بعض المؤلفات الفلسفية للفلاسفة الرجال وبقاء عبارات مقتضبة عنهم يؤكد النظرة نفسها إذ فقدت بعض أعمال النساء الفلسفية ولم يرد منها سوى عبارات قليلة، فلم يبق من كتابات إيزارا ءمَّفءف - كما ورد في كتاب (نساء فلاسفة) - سوى قليل من جهودها ولاسيما من كتابها (عن الطبيعة البشرية)، ولعل تجربة الشاعرات العربيات في الأدب العربي القديم أكبر مثال على ذلك، فقد كرست ثقافة التدوين لحذف نماذج من شعر المرأة إذ تمادت تلك الثقافة في استبعاد أسماء لشاعرات وردت أسماؤهن على استحياء في بعض كتب التراث، فقد كان لزهير بن أبي سلمى أختان عُرِفا بكونهما شاعرتين مجيدتين، وكان للخنساء ابنة شاعرة اسمها عمرة، ويقول أبو نواس: (ما قلت من الشعر شيئاً حتى رويت لستين امرأة من العرب منهن الخنساء وليلى فما ظنك بالرجال)، ومع ما في هذه المقولة من انحياز فقد أكدت على وجود هذا العدد الكبير من الشاعرات التي تبرهن أن عامل الفقد مؤثر في التراثين الفلسفي والشعري للمرأة عبر العصور.

ومن العوامل هناك عامل الإيحاء بأثر الجانب البيولوجي، فمن الثابت علمياً أن هناك اختلافاً كبيراً في التشكيل البيولوجي بين الرجل والمرأة، إذ تكشف الأبحاث العلمية عن مزيد من الاختلافات والفروق الطبيعية بينهما، في الإطار الجسماني والنفسي والاجتماعي لكنها لا يمكن أن تؤكد الفارق في المنجز لكل منهما، ولذلك ينبغي أن يتم التفريق هنا بين أصالة ذلك الفرق ونتائجه، فالإيمان بالفروق البيولوجية بين الجنسين لا يعني الإيمان باختلاف المنتج لكليهما إن توافرت الظروف المناسبة والبيئات المتشابهة، ولو طبقنا القاعدة نفسها لابتلينا بمسألة الانخراط في الأجناس والأعراق والألوان البشرية فكل دعوى تميز بين هذه الأجناس البشرية هي امتداد لدعوى تميز بين منتج هذه الأجناس وقدرتها على الإسهام في الحضارة، لكن تكريس هذا الفرق سيتضاعف حال اختلاف البيئات والظروف، إن الإيحاء بأثر الفروق البيولوجية الكبير بين الرجل والمرأة يتضخم تبعاً للموقف، فكثير من الخائضين في الفرق بين الرجل والمرأة يركزون على هذا المدخل ويرونه الأنسب للتركيز على التراتبية بينهما. نتيجة لذلك من الممكن أن نقول: إنه ليس مفاجأة أن تنتج العوامل السابقة ندرة في تداول المرأة للفلسفة بل تسهم في إقصائها عن حقل يعد منطلقاً لعلوم شتى.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

وهل من مزيد

إذا صحت مقولة ابن رشد الفيلسوف العربي المسلم الثاقب الأفكار
عن المرأة في قوله: #المرأة حيوان لا يفكر#
فإن صحت هذه الفكرة
وأفكار أخرى طرحها فلاسفة آخرون
فهذا دليل على أن المرأة ليست عاجزة على التفلسف والتفكير
بل المرأة ضد التفكير وهي معوق له
ومعوق للفلسفة

الفلسفة حكمة ومن الصعب ان تجد مراة تدرك معنى هذه الحكمة
مع احترامي للزميلات المشتركات معنا