الإطار التنظيري لصراع الحضارات
الصراع بين الدول والجماعات دائماً ما تولد نتيجة للرغبة في السيطرة على شيء ما كالناس، الأرض ، الثروة، القوة، النسبية، أو هي القدرة على فرض الرأي والثقافة الخاصة بدولة أو شخص ما على جماعة أو دولة أخرى باللين أو القوة. فكرة الصراع الإنساني قديمة في حد ذاتها لكن أشهر من تحدثوا عن صراع الحضارات (أو ما يعرف أحيانا باسم صدام الحضارات) هو الدكتور وعالم المستقبليات المغربي المهدي المنجزة في أوائل التسعينيات ثم جاء الباحثان صامويل هنتنجتون وهو أمريكي الأصل والثاني هو فرانسيس فوكوياما الياباني الأصل والأمريكي الجنسية، ألأول وهو صامويل هنتجتون كان في صيف عام 1993م نشرت له مجلةForeign Affairs"" مقالاً بعنوان "صدام الحضارات" أثار جدلاً استمر ما يقرب من ثلاث سنوات حيث أنه لمس عصباً في أناس ينتمون إلى جميع حضارات العالم، وبعد هذا الاهتمام والجدل الذي دار حول المقال، طبع هنتنجتون كتابه بعنوان " صراع الحضارات" والذي تناول فيه عدة أمور هامة كمفهوم الحضارات، مسألة الحضارة الكونية العلاقات بين القوة والثقافة، ميزان القوى المتغيرة بين الحضارات، العودة إلى المحلية والتأصيل في المجتمعات غير الغربية، البنية السياسية للحضارات، الصراعات التي تولدها عالمية الغرب التوازن والاستجابات المنحازة للقوة الصينية، ومستقبل الغرب وحضارات العالم.
وتُشير هذه الأمور إلى إن عالم ما بعد الحرب الباردة متعدد الأقطاب، ويقصد بها الحضارات التي يتكون منها العالم، وهي "الصينية، اليابانية، الهندية، الإسلامية، الغربية، الأفريقية وأمريكا اللاتينية" وأن ما يحكم العلاقة بين تلك الحضارات هو "الصدام"، هذا الصدام أساسه الثقافة أو الهوية التي تحكم كل حضارة ، و ذلك كم قال هنتجتون ((إن الثقافة أو الهويات الثقافية، والتي هي على المستوى العام، هويات حضارية، هي التي تشكل أنماط التماسك والتفسخ والصراع في عالم ما بعد الحرب الباردة .. )) مع العلم أن العوامل الثقافية المشتركة والاختلافات هي التي تشكل المصالح والخصومات بين الدول، ونلاحظ إن أهم دول العالم جاءت من حضارات مختلفة، والصراعات الأكثر ترجيحاً ، هي الصراعات القائمة بين جماعات ودول من حضارات مختلفة، وأشكال التطور السياسي والاقتصادي السائدة تختلف من حضارة إلى أخرى كما أن القوة تنتقل من الغرب الذي كانت له السيطرة طويلاً إلى الحضارات غير العربية، والسياسة الكونية أصبحت متعددة الأقطاب ومتعددة الحضارات.
الثاني وهو فرنسيس فوكوياما ، تناول الأمر من جهة الصراع الذي دام أكثر من خمسة وسبعين عاماً بين الاتحاد السوفيتي وايدولوجية الصمت الشيوعي والولايات المتحدة وفكرة الرأسمالية المتحررة من أي قيد والذي انتهي بفوز الرأسمالية قال أن علي العالم أن يتقبل النظام الجديد بكل ما فيه من حرية وأن الولايات المتحدة هي التي بدت تسطر نهاية التاريخ بعد تبنيها للفكر المتحرر والديمقراطية والرأسمالية للعالم ، وأن من رفض وآبي ظلٌ وسيكون في نظر العالم هو الأكثر تخلفاً عن الدول التي تقبلت الوضع ،وهو بهذا الرآى تعارض كثيراً مع هنتجتون ، فالأول قسم الصراع الحضاري لخمسة منافسين " الصين ، اليابان ، الهند ، الإسلام ، أفريقيا ، أمريكا اللاتينية" بينما الأخر قسم الحضارات حسب كل نظام " شيوعي ، رأسمالي ، ....الخ"
فلاسفة ومنظرين بين الحوار والصراع
فرانسيس فوكوياما
هو كاتب ومفكر أمريكي الجنسية من أصول يابانية ولد في مدينة شيكاغو الأمريكية عام 1952 م من كتبه كتاب (نهاية التاريخ والإنسان الأخير) و(الانهيار أو التصدع العظيم) ، ويعتبر الرجل من أهم الفلاسفة والمفكرين الأميركيين المعاصرين، فضلا عن كونه أستاذا للاقتصاد السياسي الدولي ومديرا لبرنامج التنمية الدولية بجامعة جونز هوبكنز ، و عمل فوكوياما بوظائف عديدة أكسبته الكثير من الخبرة والثقافة، فقد عمل مستشارا في وزارة الخارجية الأمريكية كما عمل بالتدريس الجامعي.
وكانت بداية شهرة فوكاياما في عام 1989 حيث كان قراء دورية ناشونال انترست National Interest على موعد مع مقالة حفرت حروفها في تاريخ النظريات السياسية الحديثة ، عندما كتب فرانسيس فوكوياما تحت عنوان " نهاية التاريخ" قائلا إن نهاية تاريخ الاضطهاد والنظم الشمولية قد ولى وانتهى إلى دون رجعة مع انتهاء الحرب الباردة وهدم سور برلين ، لتحل محله الليبرالية وقيم الديمقراطية الغربية. وقد أضاف وشرح فوكوياما نظريته المثيرة للجدل في كتاب أصدره عام 1992 بعنوان "نهاية التاريخ والإنسان الأخير" .
لفترة طويلة اعتبر فرانسيس فوكوياما واحدا من منظري المحافظين الجدد Neoconservatives ، حيث أسس هو ومجموعة من هؤلاء في عام 1993 مركزا للبحوث عرف آنذاك بمشروع القرن الأميركي ، وقد دعا هو ورفاقه الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون إلى ضرورة التخلص من نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين. وقد وقع على خطاب مماثل وجه إلى الرئيس بوش في أعقاب هجمات 11 سبتمبر، حتى وإن لم يوجد ما يربط نظام صدام بمنفذي الهجمات. وكان فوكوياما خلال تلك الفترة مؤمنا بضرورة التخلص من الأنظمة الاستبدادية بالقوة خاصة في حالة الشرق الأوسط.
طرأت تحولات على مواقف وقناعات فوكوياما في نهاية عام 2003، حين تراجع عن دعمه لغزو العراق، ودعا إلى استقالة وزير الدفاع الأمريكي في ذلك الوقت دونالد رامسفيلد. وأعلن عن احتمال تصويته ضد الرئيس بوش في انتخابات الرئاسة عام 2004، معتبرا أن الرئيس الأميركي قد ارتكب أخطاء رئيسية ثلاثة ، هي:
أولا، المبالغة في تصوير خطر التشدد الإسلامي على الولايات المتحدة.
ثانيا، إساءة تقدير إدارة بوش لردود الفعل السلبية وازدياد مشاعر العداء للولايات المتحدة في العالم.
ثالثا، التفاؤل الزائد في إمكانية إحضار السلم إلى العراق من خلال الترويج لقيم الثقافة الغربية في العراق والشرق الأوسط بصورة عامة.
صامويل فلبس هنتنجتون Samuel Phillips Huntington
. (ولد 18 أبريل 1927 - توفي 24 ديسمبر 2008) أستاذ علوم سياسية اشتهر بتحليله للعلاقة بين العسكر والحكومة المدنية، وبحوثه في انقلابات الدول، ثم أطروحته بأن اللاعبين السياسيين المركزيين في القرن الحادي والعشرين سيكونوا الحضارات وليس الدول القومية. كما استحوذ على الانتباه لتحليله للمخاطر على الولايات المتحدة التي تشكلها الهجرة المعاصرة. درس في جامعة يال، وهو أستاذ بجامعة هارفارد.
برز اسم هنتنجتون أول مرة في الستينات بنشره بحث بعنوان "النظام السياسي في مجتمعات متغيرة"، وهو العمل الذي تحدى النظرة التقليدية لمنظري التحديث والتي كانت تقول بأن التقدم الاقتصادي والاجتماعي سيؤديان إلى قيام ديمقراطيات مستقرة في المستعمرات حديثة الإستقلال
في 1993، أشعل هنتنجتون نقاشاً مستعراً حول العالم في العلاقات الدولية بنشره في مجلة فورين أفيرز (العلاقات الخارجية) مقالاً شديد الأهمية والتأثير بعنوان "صراع الحضارات؟"، ثم قام بتوسيع مقالته إلى كتاب، صدر في 1996 للناشر سايمون وشوستر، بعنوان صراع الحضارات وإعادة صياغة النظام العالمي. المقالة والكتاب عرضا وجهة نظره أن صراعات ما بعد الحرب الباردة ستحدث أكثر وأعنف مايكون على أسس ثقافية (غالباً حضارية, مثل الحضارات الغربية, الإسلامية, الصينية, الهندوكية, إلخ.) بدلاً من الأسس العقائدية كما كان الحال خلال الحرب الباردة ومعظم القرن العشرين. هذا التصنيف الثقافي سيصف العالم بطريقة أفضل من النظرة التقليدية للدول المختلفة ذات السيادة.
وخلص إلى القول بأنه لكي نفهم النزاع في عصرنا وفي المستقبل فإن الخلافات الثقافية يجب أن تُفهم, والثقافة (بدلاً من الدولة) يجب أن يتم القبول بها كطرف وموقع للحروب. لذلك فقد حذر أن الأمم الغربية قد تفقد زعامتها إذا فشلت في فهم الطبيعة غير القابلة للتوفيق للاحتقانات المتنامية حالياً.
المنتقدون للنظرية وصفوا صراع الحضارات بأنه "الأساس النظري لشرعنة عدوان الغرب بقيادة الولايات المتحدة على الصين والعالم الإسلامي". إلا أن هنتنجتون أكد كذلك أن هذا التغيير في البنية السياسة الجغرافية يتطلب من الغرب أن "يقوي نفسه داخلياً ويتخلى عن عالمية الديمقراطية والتدخل المُلِح".
ويجدر بنا مقارنة هنتنجتون، ونظريته عن الحضارات، وتأثيره على صانعي السياسة في الإدارة الأمريكية والپنتاگون، بأرنولد توينبي ونظريته التي اعتمدت بشدة على الدين و التي لاقت انتقادات مماثلة.
روجيه جارودي Ragaa Garaudy
ولد في 17 يوليو 1913 م في مرسيليا، فرنسا فيلسوف و كاتب فرنسي. خلال الحرب العالمية الثانية أُخذ كأسير حرب في الجلفة (جزائر). كان جارودي شيوعيا، لكنه طرد من الحزب الشيوعي سنة 1970 م وذلك لانتقاداته المستمرة للاتحاد السوفيتي، و بما أنه كان عضواً في الحوار المسيحي الشيوعي في الستينيات، فقد وجد نفسه منجذباً للدين وحاول أن يجمع الكاثوليكية مع الشيوعية خلال عقد السبعينيات، ثم ما لبث ان اعتنق الإسلام عام 1982 م متخذا الاسم رجاء
وقد نشر جارودى العديد من الكتب عن حوار الحضارات ، وفضل الحضارات العربية على حضارة العالم ، فقد كتب كتاب (الصين) ثم (حوار الحضارات) , (لكي يصبح الإنسان إنسانا) , (وعود الإسلام) , (الإسلام يقطن فى مستقبلنا) , (فلسطين أرض الرسالات المقدسة) و (المسجد مرآة الإسلام) .
ويقول في حوار الحضارات أن ما يطلقون عليه غزو اسبانيا لم يكن غزوا عسكريا فلقد كان عدد سكان اسبانيا في ذلك الوقت زهاء عشرة ملايين نسمة.ولم يزد عدد الفرسان العرب عن سبعين ألفا.فقد لعب التفوق الحضاري دورا حاسما وهكذا ظل جارودى خصما عنيفا للاستعلاء وإنكار الأخر ,وظل من عشاق الحوار , والتواضع النبيل للتعلم من تجارب الآخرين
-ويقول جارودى في حوار الحضارات أيضا أن تجربتي بالحياة هي التي قادتني إلى هذا اليقين وأوجبت عليّ الإدلاء بشهادتي إنها شهادة على تجربة كونية تشمل الكرة الأرضية بأسرها . شهادة غبطة بالثراء الإنساني الذي حملته إلي ثقافات لا غربية , وأناس من آسيا ومن الأصقاع الإسلامية , ومن أفريقيا ومن أمريكا اللاتينية ، إنها شهادة تتناول ما بحثت عنه , وما أعتقد اننى اكتشفته في كل ثقافة من هذه الثقافات أنه لدى كل إنسان من هؤلاء الناس شهادة بالطابع الالهى .
يقول جارودى أيضا (وقد استطعت مناقشة دلالة(قناع) افريقى مع الشيوخ التسعة لقبائل جورو في ساحل العاج,احد المعاقل الزنجية , كما ناقشت عظمة الثقافة الهندو أمريكية مع احد رؤساء ايركوا.. وناقشت الزكاة مع علماء الأزهر في القاهرة
إن التحليق فوق الذرى , والاستحمام في مياه الأنهار والبحار واجتياز الأبواب كلها, والتأمل في كل القمم التي أنشأها الإنسان ، كل ذلك إنما يرمز أيضا إلى ما رفدنا به عندما نحسن الإصغاء بتواضع, لأولئك البشر الذي يحيون اليوم. وما ينبئنا به عن أشواقهم الإنسانية, والمشروعات التي يحلمون بها عن المستقبل) .
تناقض العولمة وصراع الحضارات
إن سياسة ازدواج المعايير والكيل بمكيالين قد زحفت من مجرد تأثيرها في القضايا الدولية والمشكلات العالمية لكي تصل إلى الأفكار الكبرى والتيارات الضخمة, فظهرت هذه السياسة المزدوجة التي يمارسها الفكر الغربي, ولا أقول السياسة الغربية وحدها. فوجدنا أن الذين تحدثوا عن العولمة أو الكوكبية وروجوا لها وصفقوا لبنودها السياسية بما فيها المفهوم الجديد للتدخل الإنساني تحت مظلة الشرعية الدولية حتى ولو كان ذلك خرقاً لمبدأ سيادة الدولة الذي كان بمثابة قدس الأقداس لعدة قرون منذ ميلاد الدولة القومية, وكذلك جوانبها الاقتصادية بما فيها من حرية التجارة وانتقال السلع ورؤوس الأموال وانسياب الأفكار والخدمات مع تحفظ وحيد يتصل بحرية انتقال الأفراد, وهو تعبير آخر عن ازدواج المعايير حتى داخل التيار الفكري الواحد, إنهم أيضاً الذين روجوا لفكر العولمة Globalization بنجاحها الثقافي الذي يتحدث عن الانفتاح بين كل التيارات والتواصل بين الأفكار والحضارات.
والغريب في الأمر أن الفكر السياسي الغربي الذي أفرز ذلك المفهوم الجديد للعولمة حتى رأى فيه البعض عودة للظاهرة الاستعمارية من الباب الخلفي هو نفسه الفكر السياسي الغربي الذي تحدث عن صراع الحضارات, ويكاد اليوم ينقله من إطاره الفكري إلى أن يصبح سياسة شبه معتمدة, وهو أمر يدعو إلى القلق الحقيقي على مستقبل السلام الدولي والاستقرار العالمي, وهنا يظهر التناقض الحقيقي بين فلسفة التيارين, حيث يتبنى أحدهما درجة عالية من الانفتاح والتواصل, بينما يتبنى الآخر درجة عليا من درجات المواجهة والصدام الذي يصل إلى حد التعميم الأحمق والتصنيف الذي لا يستند إلى خلفية مقبولة إنسانياً وأخلاقياً.
وإذا كان العالم يعيش في الآونة الحاضرة في عصر العولمة بمنجزاتها في التقريب بين الشعوب ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً ومعرفياً, فإن الحديث عن حتمية الصراع بين الحضارات يبدو غير معقول وغير مقبول منطقياً لما ينطوي عليه من المغالطة والتناقض مع ما يحدث وما نشاهده في أرض الواقع, إذ أن العولمة وفقاً لتعريفها تشير إلى عمليات التقارب والاتصال والانفتاح التي اكتسبتها العلاقات الاجتماعية في العالم التي تمخضت عن تزايد الاعتماد المتبادل بين الناس في مختلف أرجاء المعمورة في تفاعلاتهم, ومعاملاتهم التي تبدو كما لو كانت تحدث في مكان واحد بلا حدود أو مسافات, وفي عالم يؤمن بمجموعة من القيم والمبادئ المشتركة والمتمثلة في سائر الثقافات والحضارات, ويحرص على الالتزام بها والتعامل وفقاً لها. ويؤكد ذلك أن عولمة المجتمع الدولي ما كان لها أن تتحقق إلا بزوال الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية السائرة في فلكه, وما ترتب على ذلك من القضاء على الاشتراكية المركزية كنمط للإدارة الاقتصادية وانتشار مبادئ الحرية الاقتصادية والاعتماد على قوى السوق وتحول الغالبية العظمى من الدول إلى الاندماج في الاقتصاد العالمي.