هل كان لأبي المهاجر حفيد اسمه إسماعيل

هل كان لأبي المهاجر حفيد اسمه إسماعيل
بقلم : عز الدين العقبي
إطلع على مواضيعي الأخرى
[ شوهد : 546 مرة ]
العلم نور

تاريخ الفتوحات الإسلامية الأولى لبلاد المغرب الإسلامي ما زال يحتاج إلى كثير من الدراسة النزيهة والتمحيص.. ومن خلال المصادر المتوفرة والمنهج التاريخي النزيه مع عدم تجاهل سياق الأحداث التي مرت بها المنطقة وعدم الانسياق وراء ألفاظ فضفاضة وأحكام مبهمة..(1)
ومن أخطر الآفات التي تحدق بتاريخ المنطقة في تلك الحقبة الذهبية مؤرخون استعماريون لوثوا التاريخ وأفسدوا التصور مثل ليفي بروفنصال وشارل أندري جوليان وغيرهما..(2)
ثم يأتي من بعدهم مؤرخون يأخذون عنهم بكل تسليم دون تمحيص مثل السيد عبد العزيز سالم(3) وحسين مؤنس(4) وموسى لقبال(5) وغيرهم..
واليوم نبدأ بهذه الإشكالية حيث ذكر الدكتور موسى لقبال في كتابه عقبة بن نافع (إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر على أنه من أحفاد أبي المهاجر دينار)..
حيث يقول في معرض حديثه عن أحفاد أبي المهاجر دينار:.. وإسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر، سهر أثناء ولايته في عصر متأخر عن الفتح، على خدمة السكان المغاربة، في النواحي المعنوية والروحية والثقافية، فقام بحركة تبشير بينهم، واستعان بمجموعة من العلماء لتنويرهم، في شؤون الدين والدنيا..(6)
والحقيقة أنه لم يكن حفيدا لدينار؛ ولم يكن متأخرا عن وقت الفتح، ولم يستعن بالعلماء؛ بل هي بعثة عمرية كان هو أحدها.. ولقد أحسن عمر الاختيار ونجح رجاله في المهمة، والفضل بعد الله تعالى لعمر بن عبد العزيز.. وهيا بنا نتأكد من هذه المعلومات من المصادر التاريخية المعتمدة:(7)
فمن هو إسماعيل هذا؟
هل هو فعلا من أحفاد أبي المهاجر دينار؟
لم يذكر مؤرخ يعتمد عليه ولا مصدر موثوق أن إسماعيل هذا هو حفيد لأبي المهاجر دينار.. ولم يذكر التاريخ لأبي المهاجر سوى حفيد واحد هو عيسى صاحب التاريخ ولم يذكر التاريخ لأبي المهاجر ابنا غير سليمان الذي كان صديقا لأبي عبيدة بن عقبة بن نافع حيث لم يكن بينهما تلك العداوة التي نسجها الرواة وتحتاج إلى تمحيص دقيق.. والذي اشترك هو وأبناء عقبة بن نافع في حملة موسى بن نصير وقضوا على قتلة آبائهم في قلعة سقوما(8).. الذين قتلوا أكثر من 300 بطل بين صحابي وتابعي..

من هو إسماعيل هذا؟
هو إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر(9) –واسم أبي المهاجر: أقرم- أبو عبد الحميد مولى بني مخزوم: وهو مولى الأرقم بن أبي الأرقم منهم، من أهل دمشق؛ ولد بها، سنة إحدى وستين هجرية، كانت داره ظاهر باب الجابية، وعند طريق القنوات، أدرك معاوية بن أبي سفيان وهو غلام ، وكان يؤدب أولاد عبد الملك بن مروان، وهو أدب سعيدا ويزيد ومسلمة بني عبد الملك، والعباس بن الوليد، وهو ممن يرضى به في الحديث. وكان إسماعيل هذا خال هشام بن عبد الملك(10)، وكان مصادقا للحجاج بن يوسف(11)، غزا الصائفة غير مرة(12)، ومر بحلب، وعندما آلت الخلافة إلى عمر بن عبد العزيز استعمله على إفريقية سنة 99 هـ وعقد له على جند إفريقية؛ وبها من بها من قريش وغيرهم، وهو مولى لبني مخزوم. فقدمها سنة مائة، حتى مات عمر. فأقام بها سنتين، وولوا بعده يزيد بن أبي مسلم، فأسلم عامة البربر في ولايته وكان حسن السيرة، ومات إسماعيل بن عبيد الله في خلافة مروان بن محمد، سنة 132 قبل دخول بني العباس دمشق بثلاثة أشهر.
هل هو فارسي؟ قد ذلك يفهم من النصوص التالية:
أنا أبو الحسن بن عمران، قال: سمعت إسماعيل بن عبيد الله –وسمع ربيعة يزيد، يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم ثنى وثلث- فحدث إسماعيل عن كسرى ثم ثنى ثم ثلث؛ فقال ربيعة: غفر الله أبا عبد الحميد، حدثت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحدث عن كسرى؟ فقال: ما حدثت عنه إلا من أجلك، انظر كيف تحدث يا ربيعة، فإنك ترى الإمام على المنبر يتكلم بالكلام فما تخرجون من المسجد حتى تختلفوا عليه، والله لأن أكذب على كسرى أحب إلي من أن أكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.(13)
قال عبد الملك بن مروان: ما رأيت مثلنا ومثل هذه الأعاجم، كان الملك فيهم دهرا طويلا، فوالله ما استعانوا منا إلا برجيل واحد –يعني النعمان بن المنذر- ثم عادوا عليه فقتلوه وأن الملك فينا مد هذه المدة فقد استعنا منهم برجال حتى في لساننا. هذا إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر يعلم ولد أمير المؤمنين العربية.(14)
من صاحب الفضل في البعثة العلمية؟
إن بعض المؤلفين يبالغون في إبراز بعض الأعمال العظيمة حتى يشذوا عن الحق فيعطوا الفضل للفروع ويغمطون الأصول حقهم.. فهم يبالغون في وصف ما قام بها إسماعيل في ولايته التي دامت سنتين أو أقل حتى كأنه هو من فتح إفريقية ونظمها في سلك الإسلام؛ والحق أنه كان حلقة في سلسلة طويلة بدأها عمرو بن العاص ولن تنتهي إلا مع يوم القيامة.. فهذا يضع لبنة والذي بعده أخرى حتى يكتمل البناء، والبعض يرمم ويحمي الحمى الخ..(15)
وصاحب الفضل في إرسال البعثة العلمية التي أدت إلى تنوير البربر وتقريبهم من الإسلام أكثر؛ هو في الحقيقة عمر بن عبد العزيز الخليفة العادل الزاهد الذي جمع حوله كل من فيه خير وصلاح ووضع كلا في مكانه المناسب فآتت سياسته ثمارها سريعا؛ لقد بارك الله في مساعيه ووفقه إلى أهدافه والحمد لله أولا وآخرا.
ولنترك المؤلف الصلابي يحدثنا عن سيدنا عمر بن عبد العزيز ودوره في إرسال البعثات العلمية إلى مختلف أقطار الخلافة آنذاك:(16)
كان عمر بن عبد العزيز يرسل العلماء إلى الأمصار بل البوادي ليعلموا أهلها شرع الله، ويفقهوهم فيه، فقد بعث يزيد بن أبي مالك والحارث بن محمد إلى البادية ليعلما الناس السنة..
وقد بعث عمر إلى مصر الإمام الثبت، عالم المدينة نافعا مولى ابن عمر..
وأرسل عشرة من فقهاء المدرسة المصرية من رجال التابعين إلى إفريقية، ليفقهوا أهلها ويعلموهم، وينشروا بينهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، لينالهم من الخير الذي عم إخوانهم من أهل الحجاز والشام والعراق، وكانت معاقل العلم، وتطلع إلى شمال إفريقيا، ليغزو القلوب والعقول والنفوس بدين الله، فأرسل العلماء الربانيين العشرة..
وأخيرا.. من هو أبو المهاجر جد إسماعيل؟(17)

يقول ابن عساكر في تاريخ دمشق: واسم أبي المهاجر: أقرم(18)
الاستقصا ج1ص37: فاستعمل مسلمة على إفريقية مولاه أبا المهاجر المذكور ويقال مولى بني مخزوم..(19)
2- المؤرخون يقولون عن أبي المهاجر أنه أنصاري وأنه مولى مسلمة بن مخلد الأنصاري وحتى عندما يذكرون حفيده عيسى بن محمد فيقولون القيرواني الأنصاري(20).. بينما إسماعيل يقولون عنه أنه مخزومي أو أنه مولى بني مخزوم.
3- أن أبا المهاجر الفاتح اسمه (دينار) وقد يكون بربريا. أما أبو المهاجر جد إسماعيل فاسمه (أقرم) والظاهر أنه فارسي وكان إسماعيل هذا مربيا لأبناء الخليفة عبد الملك بن مروان..
وأخيرا هذا جدول يبين أهم الفروق بين الرجلين لمن أراد الاختصار:
جد إسماعيل الفاتح
الاسم أقرم دينار
الإقامة الشام مصر
الولاء مخزومي أنصاري
المولى الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي مسلمة بن مخلد الأنصاري أو جميلة الأنصارية
الأصل فارسي بربري أو مصري
(1) هناك عدة نقاط يتوجب الوقوف عندها لتجلية الحقيقة وسنجتهد في ذلك بما يتوفر لدينا من مصادر ومعلومات خدمة للحق والحقيقة..
انظر إلى ما يقوله غوستاف لوبون: (ما أكثر الألفاظ التي تغير معناها تغيرا عظيما بين جيل وجيل ونحن لا نفهمها كما كانت في الماضي إلا بعد جهد ودراسة طويلة). انظر كتاب الاستشراق والتاريخ الإسلامي: فاروق عمر فوزي ص 94
(2) انظر مثلا المسجد الجامع بالقيروان لأحمد فكري صفحة (ح) من المقدمة حيث يقول عن المستشرقين وأبحاثهم عن هذا المسجد مثلا: (أن كثيرا من آراء العلماء فيه، تاريخية وفنية، تخالف الواقع أو يعوزها الإثبات). ويقول أيضا: (أننا لم نخالف آراء المستشرقين عن قصد أو غاية، وإنما هو البحث العلمي الذي دعانا إلى ذلك، وأننا لم ننقض آراءهم إلا بالحجة والبرهان..)
ويقول عبد الكريم علي الباز في كتابه افتراءات حتي وكارل بروكلمان على التاريخ الإسلامي ص157: (ثم تابعت القراءة في أمهات الكتب التاريخية فاتضح لي مدى ما يكنه كل من بروكلمان وفيليب حتي من حقد على الإسلام ورجاله).
(3) السيد عبد العزيز سالم العالم والأستاذ: ابنته: سحر السيد عبد العزيز سالم ص19 (ترقيم تلقائي) تقول: (وعندما توفي أستاذه الفرنسي ليفي بروفنسال ترجم له كتاب الإسلام في المغرب والأندلس).
(4) في بيت حسين مؤنس: منى حسين مؤنس ص9-10؛ واقرأ معي ما جاء على لسان ابنته في صفحة 47: (إذ كان يكتب بدون انقطاع وكان ينهيه قبل ميعاد الغداء بقليل. وكان يتوقف لأداء صلاة الجمعة التي كان يصليها ظهرا دائما في البيت ثم يستأنف الكتابة بعد ذلك. ثم كنا نتناول الغداء خارج البيت). والحكم لكم؟؟
وحسين مؤنس في كتابه فتح العرب للمغرب ص142 بعد أن يفرغ حادثة إخراج الوحوش من مكان القيروان حيث يدعي أنه كانت توجد حيوانات في المكان وأن المسلمين وقفوا في هذا المكان ففزعت الوحوش فخرجت من مكمنها فتصورها المسلمون كرامة أو معجزة على حد قوله؛ يقول: (هكذا يمكن تفسير ما اجتمع عليه رأي المؤرخين من وقوف عقبة على الموضع الذي تخيره لاختطاط القيروان..)
(5) موسى لقبال
(6) عقبة بن نافع لموسى لقبال ط 1989 ص43-44
(7) هذا لا يعني أننا ننكر أفضال الرجال؛ ولكن الرجال طبقات ورفع العظيم إلى طبقة غير طبقته إهانة له وليست تشريفا.. فمن يفضل عمر على أبي بكر رضي الله عنهما فقد أخطأ في حقهما وفي حق نفسه، وبخس الحق.. ونحن أخيرا نعرف الرجال بالحق ولا نعرف الحق بالرجال، وفي تاريخنا الطويل مواقف لا تنسى وصفحات لا تمحى.. انظر مثلا شكوى أهل سمرقند بقتيبة بن مسلم الباهلي في خلافة الراشد عمر..
(8) معجم البلدان ج: 3 ص: 226-227؛ فجر الأندلس لحسين مؤنس ص90، 109 بهامشها أيضا
(9) تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ج8 ص429-442، ومختصره وبغية الطلب 4/1695-1706؛ وفي بغية الطلب جده: أفرم، بالفاء؛ ولإسماعيل هذا نسل معروف فلينظر في تاريخ دمشق لابن عساكر مثلا..
(10) المعروف أن والدة هشام هي عائشة بنت هشام بن إسماعيل المخزومية؛ وبما أن إسماعيل كان مولى لبني مخزوم، اعتبر منهم فكأنه أصبح خالا للخليفة تشريفا وتكريما وتشرفا بعالم قل مثله.. انظر التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر 4/174؛ ويقول ابن عساكر: تاريخ ابن عساكر ج8 ص435: وبنو مخزوم أخوال هشام؛ المنتظم لابن الجوزي ج: 7 ص: 97
(11) تاريخ ابن كثير ج12 ص 540
(12) بغية الطلب في تاريخ حلب ج: 4 ص: 1695؛ والصائفة حملة عسكرية تكون في الصيف كل سنة لحماية الحدود والحفاظ على حرمة أراضي الدولة..
(13) تاريخ ابن عساكر ج8 ص436، بغية الطلب ج4 ص1702
(14) تاريخ ابن عساكر ج8 ص438، بغية الطلب ج4 ص1703
(15) الناظر إلى عمليات فتح المغرب مثلا يلاحظ أنها إنجازات تراكمية متكاملة لا يصلح منها عمل دون ما سبقه ودون ما لحقه، ولولا عمل من بدأ لما كان فضل لمن جاء بعده..
(16) الصلابي: عمر بن عبد العزيز، وفي البيان المغرب ج1 ص48: وبعث معه عمر رضي الله عنه عشرة من التابعين أهل علم وفضل..
(17) ذكرت في مقال مختصر لي في موقع أصوات الشمال ثلاثة اشتهروا بأبي المهاجر، فليرجع إليه من أراد..
(18) تاريخ ابن عساكر ج8 ص429،
(19) الاستقصا ج1ص37:
(20) الإكمال لابن ماكولا ج4 ص263 مثلا