الحرية والمساواة في الديمقراطية ( الجزء الثالث )

أن القول بالمساواة الإجتماعية وحدها قبل كل شيئ ، ليس أقل خطورة على الحريات الفردية من القول بالحرية السياسية. ذلك لأنه إذا كان أنصار الديمقراطية الرأسمالية عجزوا على تحقيق المساواة عن طريق المبدأ السياسي ، فأن غلاة الإشتراكية ظنوا أنهم بإمكانهم تحقيق الحرية الفردية عن طريق المبدأ الإجتماعي . فالديمقراطية التي تعتمد على مبدأ وتقصي المبدأ الأخر ، تعد نظام متناقض مع نفسه. وهي ليست ديمقراطية بالمعنى الصحيح ، لأن المساواة السياسية ليست كل شيئ وإ ذا لم تصاحبها المساواة الإقتصادية تضيق دائرتها وتنحط قيمتها . وكما ترى أن الأثرياء في كثير من الأمم يتخذون الصحافة وسيلة لإستجلاب الرأي بإخفاء السوء ، وتصوير الأمور على غير ماهي عليه . ووجود الفوارق الفاحشة بين الناس مصدر لإختلاف منازع تقكيرهم ، الأمر الذي يفكك روابط المجتمع. ومن خلالها إن عدم التساوي في المجال الإقتصادي يؤدي حتما إلى عدم التساوي في المجال السياسي . وسوء المسألة الإجتماعية تجعل المجتمع يقسم إلى فئتين : فئة تأمر التي تمثل النخبة أصحاب الإمتياات الذين وصلوا إلى الثروة بفضل الظروف ، وليس بفضل القدرة الشخصية. والفئة الثانية تنفذ تنضوي تحتها الأكثرية الذين يعانون الضيق والبؤس الذي لا ذنب لهم فيه. لذا إن المساواة الصحيصة ليست التغاضي عن الفوارق الطبيعية التي تعود على الناس بالخير الكثير ، وإنما هي التي تريد تصحيح الوضع المصطنع بالقضاء على التفاوتات الزائفة التي صنعتها الظروف غير الشرعية ، وتدعوا إلى تهيئ الفرص لنمو الإستعدادات والمواهب . فالديمقراطية لا توجد إلا حيث يتساوى الناس على أساس ماتوحي به الأخلاق الإنسانية . ولقد قرر " أرسطو" قديما : أن من أمهات الأسباب التي تجرٌ إلى الثورة ، سوء المسألة الإجتماعية.

والحق أن الديمقراطية السياسية والديمقراطية الإجتماعية لدى كل ذي نظر بعيد ليستا متعارضتين تمام التعارض ،بل هما على خلاف ذلك متكاملتان . ويجوز الإعتقاد بأن الديمقراطية الخالصة لن تتحقق إلا بإقترانهما. يقول " بيير لاكومب " : ( لا شك أنه يستحيل الفصل بصورة قاطعة بين المفهومين ، فالحرية التي تطالب بها الديمقراطية هي حرية الجميع وليست حرية البعض. الأمر الذي يفترض وجود شكل من أشكال المساواة بين الناس. ) ققكرة الحرية وفكرة المساواة في رأيه لها منبع واحد ينحدر من أخلاق تتأسس على قيمة الشخص الإنساني ، فالديمقراطية بطبيعتها قابلة للتطور والتغير . يتبع ...