إشكالية التحقيب المغربي/الإسلامي
يوسف ميرة
تتخذ الدولة المغربية كباقي الدول العربية من التحقيب الأوربي (القديم ـ
الوسيط ـ الحديث ـ المعاصر)، منهجا معتمدا في تقسيم تاريخها إلى فترات
وحقبات، وتعتمده منهجا رسميا يلقن للتلاميذ في المدارس دون أي نقد يذكر
لمدى صحته، مع العلم أن التاريخ العربي الإسلامي لم يمر من نفس مراحل
التاريخ الأوربي، كيف ذلك؟
عندما أراد الأوربيون وضع تحقيبا لتاريخهم
اعتمدوا على مجموعة من الضوابط، أهمها تحديد مميزات وخصوصيات كل مرحلة على
مستويات متعددة، ولهذا نجد أن كل حقبة مرتبطة بخاصية معينة تختلف عن باقي
الحقب كما سنرى لاحقا.
فالانتقال من فترة إلى فترة أخرى حسب التحقيب
الأوربي يستوجب الانتقال من بنيات قديمة إلى أخرى جديدة في جميع المستويات،
وكمثال على كل هذا سنركز على الانتقال من الحقبة الوسيطية إلى الحديثة في
أوربا خلال القرن الخامس عشر، فالأمر لم يتم بطريقة اعتباطية، بل نتيجة
ظهور...
بنيات حديثة على حساب أخرى قديمة، ونلخص هذه التغيرات في نقطتين:
الانتقال من البنية الفيودالية القائمة على استعباد الناس إلى بنية رأسمالية لا تؤمن إلا بالحرية وبالفردانية
الانتقال من بنية فكرية/كنسية تحرم على الإنسان استعمال عقله وعليه أن
يقضي حياته عابدا طالبا رضا خالقه، إلى أخرى جديدة تؤكد على حرية الإنسان
وإبداعه وقدرته على فهم الطبيعة والسيطرة عليها عن طريق استخدام العقل.
بعد أن قمنا بتوضيح بسيط على مدى دقة التحقيب الأوربي وتناسبه مع واقعهم
التاريخي، ننتقل لبيت القصيد وهو الجانب الثاني من حديثنا المتعلق بالتحقيب
المغربي أو الإسلامي والمقتبس من نفس النموذج، ونبدأ من فرضية مفادها هل
يمكن أن يتطابق هذا التحقيب مع الواقع التاريخي المغربي/الإسلامي؟
ولكي
نساير نفس السياق، سنناقش إشكالية التحقيب الإسلامي في نفس الفترة المتحدث
عنها سابقا، أي الانتقال من الوسيطية إلى الحديثة. فإذا كانت أوربا تحدد
هذا التحول أو بالأحرى الانتقال في فترة القرن الخامس عشر؟ فهل يمكننا
الحديث عن هذا التحول بالمغرب بنفس الفترة؟
للإجابة عن هذا السؤال سنعمل على قراءة بسيطة لمختلف بنيات المجتمع المغربي في نفس الفترة، ونوجزها كالتالي:
على المستوى الاقتصادي: ظل قائما على نمط إنتاج زراعي إلى حدود فترة
الاستعمار، إلى حين قامت فرنسا بتحديث أساليب الإنتاج وتطويرها.
من
الناحية السياسية: نظام إسلامي قائم على الاحتكار العمودي للسلطة، حيث لا
يمكننا التفريق بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وبينهم وبين القضائية،
إلى حدود المنتصف الثاني من القرن العشرين حيث فرضت التحولات العالمية على
الدولة، وضع مجموعة إصلاحات تتماشى مع المفاهيم الجديدة (الحرية،
الديمقراطية، اليبيرالية، فصل السلط ...)، ومن أجل تجاوز هذا الإشكال
والاستمرار على نفس النهج السياسي، تم إدخال المفاهيم الجديدة على مستوى
الخطاب السياسي فقط مع الاحتفاظ بنفس الهيكل القديم.
على المستوى الفكري: لقد ظل ومازال الدين هو المؤطر الأساسي لكل العلاقات والتشريعات.
وفي الأخير وحسب ما تطرقنا له فإنه إلى حدود فترة الاستعمار لا يمكننا
الحديث عن فترة حديثة بالمغرب، أما إذا اعتمدنا على تحليل جميع البنيات في
تتبع التحولات الحاصلة، فإننا سنتأكد من أننا مازلنا نعيش الفترة الوسيطية
باعتبار أن النمط الفكري المغربي والإسلامي عموما ظل محافظا على نفس
السيرورة اللهم بعض المتغيرات التي تفرضها التحولات العالمية.
,,,,,,,,,,(يوسف ميرة),,,,,,,,,,